خطبة عن (من صفات المصلح بين المتخاصمين)
يناير 12, 2016خطبة عن ( من صور خلق الإيثار)
يناير 12, 2016الخطبة الأولى ( كيف نصلح بين المتخاصمين ؟)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات (10)،
إخوة الإسلام
فليعلم المصلح بين المتخاصمين أن الشر لا يطفأ بالشر، كما أن النار لا تطفأ بالنار، ولكنه بالخير يُطفأ، فلا تسكن الإساءة إلا بالإحسان، ولهذا فقد يحتاجُ المتنازعان إلى أن يتنازلا عن بعض الحقِّ فيما بينهما، وعلى المصلح أن يعلم أن النفوسَ مجبولةٌ على الشحِّ وصعوبةِ الشكائم، مما يستدعي بذلاً في طولِ صبرٍ وأناةٍ، امتثالاً لأمر الله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 128]. ولكن في مقابل هذه النفوس الشحيحة يترقى أصحابُ المروءات من المصلحين الأخيار ليبذلوا ويغرموا، نعم يبذلون الوقت والجهد، ويصرفون المال والجاه، ولقد قدَّر الإسلام مروءتهم، وحفظ لهم معروفهم، فجعل في حساب الزكاة ما يحملُ عنهم غرامتهم، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة 60 . وكذلك كان السلف رحمهم الله حريصين على هذا الخير ساعين فيه وإليه. فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي من يُوَليه ويقول: (رُدُّوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يُحْدث بين القوم الضغائن). أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق. وأخرج ابن أبي شيبة عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ:( أَنَّهُ رُبَّمَا أَتَاهُ الْقَوْمُ يَخْتَصِمُونَ إلَيْهِ فِي الشَّيْءِ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَاصْطَلِحُوا.) ، ويقول الأوزاعي رحمه الله: (ما خُطوة أحبّ إلى الله عز وجل مِن خُطوة في إصلاح ذات البين).
أيها المسلمون
ولو أننا راجعنا الوقائع وتصفحنا الحوادث لوجدنا أن كثيرا من المشاكل الاجتماعية ترجع في جملتها إلى إهمال الصلح بين الناس، فما اشتدّت الفتن ولا اشتعلت الحروب، ولا أريقت الدماء، ولا أزهقت النفوس، ولا بُدِّدت الأموال، ولا قطِعت الأرحام، ولا خُرّبت البيوت، ولا قوّضت الأسر، ولا شُرّد الأطفال، ولا مُزقت الجماعات إلا لأن الناس قد أهملوا الصلح بين المتخاصِمِين والتوفيق بينهم، وتركوا الشرّ ينتشر حتى عمّ القريب والغريب، وقضى على الأخضر واليابس، وأهلك النفوس والأموال. ، وهذه النتائج السيئة والعواقب الوخيمة هي التي نظر إليها هذا الدّين العظيم عندما أمرنا بالإصلاح بين الناس، فقال ربنا سبحانه: ﴿ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ﴾ [الأنفال: 1].
أيها المؤمنون
وللخصومات في مجتمعاتنا صور متعددة ، وعل المصلح أن يكون ، عالما بها ومنصفا في أحكامه ، فإن كانت الخصومة بسبب دَيْن، تدخّل المصلح واقترح على الخصمين تأجيل الدّيْن أو تقسيطه أو وضعه. فقد روى البخاري ومسلم عن عَبْد اللهِ بْن كَعْبٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ: «يَا كَعْبُ»، فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه. فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ. فَقَالَ كَعْب: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أي للمَدين ـ: «قُمْ فَاقْضِه».، أما إن كان الصلح بين الأقارب الذين تهاجروا وتقاطعوا ، فعليه أن يذكرهم بعظيم حق الرّحم عليهم، ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ». ، ويقول ربنا سبحانه: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كيف نصلح بين المتخاصمين ؟)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما الاصلاح بين الزوجين المتخاصمين : فيذكرهم أنَّ مِنْ أهم ما يسعى إليه الشيطان، وأشدِّ ما يَسُرّه ويعجبه: أنْ يُفَرِّقَ بيْنَ المرْءِ وزوجِهِ؛ حيث يبعث جنودَه ينتشرون للفتنة بين الناس، ويكون أقربهم وأحبَهم إليه من سعى بالتحريش بين المرء وزوجه حتى يقع الطلاق والفراق بين الزوجين. ففي صحيحِ مسلمٍ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: «فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا» فَيَقُولُ: «مَا صَنَعْتَ شَيْئًا». قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: «مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ». قَالَ: «فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ». قَالَ الْأَعْمَشُ: «أُرَاهُ قَالَ: فَيَلْتَزِمُهُ». فهل ترضى لنفسك يا عبد الله أن تدخِل السرور والفرح على عدوّك وعدوّ البشرية جمعاء؟ أن ترضي الشيطان، وتغضب الرحمان؟.. فلابد للمصلحين من القيام بواجبهم تجاه الأسر المتفككة بالسعي في الإصلاح بين الأزواج، ولا ينبغي ترك الخصومة بين الزوجين لتشتد حتى يكون الطلاق نتيجتها، ويكون الأولاد ضحيتها. و لئلا تبلغ الخصومة بين الزوجين هذا المبلغ فإن الشارع الحكيم شرع الصلح بين الزوجين، وأمر بتحكيم حَكميْن من أهلهما للقضاء على الخصومة، وإزالة أسباب التوتر والشقاق، والحفاظ على استقرار الأسْرة، وسلامة الأولاد، فقال ربنا سبحانه: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35]. فعلى الحَكم من أهل الزوج أن يُذَكِّرَ الزوج بقول ربنا سبحانه ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]. ، وبوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء، بقوله صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي وغيره : « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) ونستكمل الحديث في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء