خطبة عن ( أعمال تمنحك رضا الله )
يناير 16, 2021خطبة حول (الاعتذار: من شيم الأبرار ،وقبول الاعتذار: من أخلاق المطهرين الأخيار)
يناير 23, 2021الخطبة الأولى ( البطولة في الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (23) الاحزاب، وقال الله تعالى : (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (37) النور ، وأخرج الطبراني في الكبير وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج وحسنه الألباني (السلسلة الصحيحة) : (عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ»
إخوة الإسلام
من هو البطل ؟ ومن هم أصحاب البطولات ؟ ، فمما يحزننا اليوم ، أن نرى ونسمع هذا الوصف ( البطل ) وقد وصف به من لا يستحقه ، فتنتاب المؤمن حالة من الاشمئزاز- كلما سمع أحدهم يطلق لقب (بطل أو بطلة) على أحد ممن يسمى (بالفنانين والفنانات)، ممن يبيعون أجسادهم ودينهم وأخلاقهم في سبيل شهرة زائفة ودراهم معدودة. كما اطلقت كلمة البطولة في عصرنا هذا على كثير من المواقف والأعمال والأشخاص، وسمي بها من لا علاقة له بالبطولة لا من قريب ولا بعيد ، فللتمثيل أبطال وبطلات، وللكرة بطولة، وللرقص بطولة فأصبحت صفة البطولة على أعمال تافهة ، تصل في كثير من الأحيان إلى مستوى السقوط والتعهر والرذيلة ، واطلاق لقب بطولة على هذه الأشكال ،إنما هو نوع من تغيير الألفاظ والمصطلحات ،وقلب للحقائق ومنطق العقل والأخلاق،
فالبطولة هي وصف للناس الذين يقدمون لأمتهم من الخدمات والتضحيات ما لم يقم به- او ما لا يستطيع القيام به- العاديون من الناس ، وهذا هو ما نطق به رسولنا صلى الله عليه وسلم بقوله : ” خير الناس أنفعهم للناس ” ، وفي رواية “أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس “. فمفهوم البطولة في الإسلام : هو القيام بدور يدفع الأمة الإسلامية نحو تحقيق أهداف الإسلام الكبرى ، ومن هنا كان البطل في الإسلام دائماً خادماً لمجتمعه وفكرته وأمته، يؤمن حق الإيمان بأن عمله مقدور في ميزان العمل الصالح عند الله تعالى ، ثم عند المؤمنين، على تعاقب الأجيال. ومن هنا فهو لا يتطلع إلى الجزاء المادي ،أو المغنم أو الشهوة، أو الشهرة ، وقد خلد لنا الإسلام سلاسل مضيئة من أعلام رجالنا الكرام، كان لهم النصيب الأوفى من البطولة والفداء والصدق والوفاء، ونزداد إعجاباً بأولئك السابقين من أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، حيث نجد أحدهم يذوب خشية وعبادة لربه سبحانه في محرابه كأنه لا شغل له سوى التعبد والتهجد، فإذا نادى المنادي: حي على الجهاد، نقل محرابه إلى الميدان وجاهد في سبيل ربه خير جهاد، ثم بذل جهوده هنا وهناك في مسالك الحياة وشعابها صالحاً مصلحاً، راغباً في أن يكون عند الله من المقبولين، قال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (10) :(12) (الواقعة) . وقد عرف تاريخ الإسلام أبطالاً قاموا بأدوار على قدر عظيم من الأهمية ،دون أن يكشفوا عن شخصياتهم، أو يبوحوا بأسمائهم، وقد سجل التاريخ هذه المواقف تحت أسماء مجهولة ، ومن هؤلاء صاحب النقب، هذا البطل الذي استطاع أن يفتح ثغرة في سور دمشق بعد أن حاصرها المسلمون طويلاً وحاولوا مرات، غير أن هذا البطل الذي لم يعرف التاريخ اسمه، ولم يكشف هو عن شخصيته، فاندفع على رأس فرسه وسهام العدو تنوشه من كل مكان دون أن يتوقف أو يرتد، حتى بلغ الجدار فأحدث فيه ثقباً، ثم اخترقه إلى داخل السور وكبر، فكبر المسلمون وعبروا إليه، فلما انتهت الموقعة ظن قائد الجيش محمد بن مسلمة أن صاحب النقب سوف يتقدم إلية دون جدوى ، هنالك نادى في الجيش أن يتقدم، فلم يتقدم أحد، ووعد ثم هدد، وبينما هو جالس في خيمته تقدم منه رجل فقال له: أيها القائد، هل تريد أن تعرف صاحب النقب ؟. قال: نعم، قال: أنا أدلك عليه إذا أعطيتني العهد على أن لا تسألني عن اسمي، فقال القائد محمد بن مسلمة: لك عهد الله على أن لا أسألك عن اسمك، قال: أنا هو، وانطلق خارجاً من خيمة القائد ينتظر حسن الثواب من الله تعالى يوم يقوم الحساب، ولم يتطلع إلى الحظ العاجل وإذاعة أخباره واسمه، وهذا الصنف الكريم من الأبطال ، يجلي لنا العبر، ويعطينا الموعظة الحسنة، لنعتبر بأن الله تعالى وحده هو الذي يجزي على العمل، وقد وضح لنا هذا المعنى عندما أقبل وباء المرتدين المجرمين بقيادة مسيلمة الكذاب، وخرج جيش الإسلام ليرد ذلك الطوفان، وكان فيه البراء بن مالك الأنصاري( رضي الله عنه) ولم تكن المعركة يومها سهلة ولا ميسرة، واشتد القتال بين المؤمنين والباغين، وهناك رفع البراء بن مالك صوته ينادي في المجاهدين: “يا أهل المدينة، لا مدينة لكم بعد اليوم، إنما هو الله والجنة”، أي لا تذكروا في هذا الموطن أنفسكم ولا أهليكم ولا بلدكم، بل اجعلوا كل همكم أن تنصروا الله ربكم جل جلاله، وأن تأخذوا الطريق إلى جنته عن طريق الجهاد في سبيل دينه ودعوته.
فالبطولة الإسلامية لم تكن الإعلان والشهرة، وإنما هي التماس رضا الله عز وجل، وتحرير العمل لوجه الله تعالى وإخلاصه للحق وحده. وهذا الصحابي : (عمر بن الجَموح) كان أعرجَ وقد أعفاه الله تعالى من الجهاد ومنعه أبناؤه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: إن بَنِيَّ يمنعونني أن أجاهد معك, ووالله إني لأرجو أن أستشهد، فأطأ بعرجتي هذه الجنة. وخرج مع الرسول في معركة أحد واستشهد فيها. ويوم تبوك, شهد وجهاً آخر لبطولات الصحابة رضي الله عنهم, في الإنفاق على تجهيز الجيش, فقدّم أبو بكر كل ماله, وعمر بن الخطاب نصفه، وجهّز عثمان ثُلُث الجيش, وعبد الرحمن بن عوف قدّم مِائَتي أوقية, وبذل غيرهم الكثير.
والبطولة أيضاً موقف واعتراف والتزام بالحق, وتراجع عن الخطأ, وهذا ليس بالأمر السهل, وخاصة عندما يكون الرجل في أعلى مراتب السلطة, لكن الخليفة عمر بن الخطاب صاحب الحق والعدل في الإسلام, لا يجد غضاضة ولا انتقاصاً من قدره, عندما يتراجع عن الخطأ ويلتزم جانب الحق, فقد كان من رأي عمر أن يحدّد مهر النساء, فسكت عنه الجميع إلاّ امرأة شجاعة, بيّنت له خطأ موقفه, وذكّرته أن المهر حق للمرأة أعطاها الله تعالى إيّاه تكريماً لها, فقال: أخطأ عمر وأصابت امرأة.
أيها المسلمون
وإذا كانت البطولة والانتصار يخدمان قضية الإسلام وهدف الدعوة إليه، فلا يقل عمل المصلحين الذين يصححون المفاهيم المنحرفة عن المجاهدين الذين يردون كيد الأعداء، ويحمون بيضة الدين، ويتساوى في الإسلام مداد العلماء ودم الشهداء، وقد رسم القرآن الكريم صورة البطولة وجعلها في مواجهة المسلمين، لتكون العبرة قريبة منهم ، وكان الأبطال الذين عرضهم القرآن أبطال مقاومة لا يستسلمون ولا يحنون الرؤوس للظلم والانحراف والطغيان، ومن هنا عجزت قوى الكفر عن أن تقتلعهم أو تنتصر عليهم، وكانت المقاومة عند هؤلاء المسلمين إيماناً في أعماق القلب، وسلاحاً في اليد، يعملان معاً في يقين راسخ بأنهم أصحاب أمانة إلهية ودعوة ربانية، ولقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو المثل الكامل للبطل الإسلامي، وكانت حياته صلى الله عليه وسلم موضع القدوة لكل الأجيال الإسلامية المتلاحقة، والرجال الذين تربوا على يديه كتبوا صفحات بارعة من المجد التليد، وظلوا رضي الله عنهم موضع إعجاب الأجيال الإسلامية المتوالية، وكانوا قدوة حسنة تقتدي بها الأجيال اللاحقة، ومن ثم اتصلت في تاريخ الإسلام روح البطولة والتضحية والموت من أجل الحياة الإيمانية، وكانت مقاومة الظلم والانحراف هي أبرز صفحات الجهاد في مواجهة كل باغ وظالم ومعتد على الإسلام وأهله، كما عرض القرآن الكريم صورة جلية لبطولات الأنبياء والرسل السابقين ، وكيف كان جهادهم في سبيل الله ، ونصرة الحق ، والوقوف في وجه الباطل ، ومن الأبطال المؤمنين الذين نطقوا بكلمة الحق في وجه الطاغية فرعون الأمة : ( مؤمن آل فرعون ) ، فحينما عزم فرعون على قتل سيدنا موسى ، قال تعالى : ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: 26]، فكانت هذه هي اللحظة التي حاول فيها هذا الرجل المؤمن الاستفادة من كتمانه لإيمانه -وقد ظن الناس به أنه لم يؤمن بدعوة سيدنا موسى- في أن يدفع الأذى عن سيدنا موسى أو على الأقل أن يقوم بتعطيلهم وتأجيل اتخاذهم قرارًا بقتله لحين توفير مخرج من هذا الخطر المحدق، فحاول أن يقنعهم بأنه لا فائدة من هذا الفعل؛ لأنه لن يمكن إقناعُ العامَّةِ بأنه قُتِلَ لأنه مؤمن بإله، خاصة أن موسى جاء بدلائل وبينات، فضلًا عن أنه لا يبدو أنه يطمع في سلطان أو جاه أو مال، فإذا انتقموا منه ستكون الرسالة التي وصلت إليهم أنه قُتِلَ من أجل إيمانه، لقد كانت هذه المبارزة الدعوية الفكرية التي قام بها هذا الرجل المؤمن، دليلًا على أهمية قيام أصحاب الدعوة الصادقة بخدمة دعوتهم بجدٍّ واجتهاد، وحصافة وإخلاص، وإدراك للواقع، ومعرفة لمنْ يخاطبونهم وكيف يخاطبونهم، حتى يتسنَّى لهم الوصول إلى مبتغاهم في هداية الناس وسلوك الطريق المستقيم على هدي من الله سبحانه وتعالى وبصيرة
وممن ضرب به المثل في البطولة: امرأة فرعون ، فقد كانت على قدر كبيرٍ من الجمال والنسب، حيث تمناها الكثير زوجةً إلا أن قدر الله شاء أن تكون زوجة فرعون مصر وملكها، فكانت حياتها بمثابة امتحان نجحت فيه وأصبحت إحدى سيدات الجنة الأربع، فقد ضرب الله بها مثلاً للمرأة الصالحة الصابرة المرابطة على الحق والدين رغم المساومات والإغراءات من حولها وفساد البيئة. فهي زوجة ملك مصر زوجة فرعون ملك القوة والجبروت، إذ لم تغتر بكونها ملكة وزوجة فرعون، ولم يصرفها كل ذلك عن الإيمان بالله تعالى وحده فآمنت بالله تعالى وتبرأت من فرعون وأعماله وآمنت برسالة موسى -عليه السلام-، ولقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، قال الله تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (11) التحريم
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( البطولة في الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وللبطولة ركائز لا تخفى على أحد، أولها فيض الحيوية، إذ إن البطل يتمتع بقوة بدنية فائقة، بغض النظر عن حجم جسمه، طويل أو قصير، سمين أو نحيل، ولم يعرف التاريخ بطلا غير موفور الصحة، أو متداعي البناء، بليد المشاعر والإحساس. وثانيها رسوخ العقيدة، بوصفها القوة التي تهيمن على الفكر والمشاعر والعزيمة، وتحمي الفرد عند الملمات، وتمده بطاقة على الصبر، وتملأه بالاطمئنان وقت القلق، والثقة وقت الاضطراب، وتجعل العظائم تصغر في عينيه، ما دامت باطلا، والصغائر تكبر في نفسه ما دامت حقا. أما الركيزة الثالثة فهي الشجاعة، إذ لا بطولة من دون شجاعة فائقة، لأنها عدة البطل في الحب وسلاحه، ولأنها في السلم القوة الدافعة إلى الاعتصام بالعقيدة، والصدع بكلمة الحق، والتنديد بمفاسد المجتمع وشرور الحكام، وهي الباعث للمستكشفين على المجازفة بحياتهم، وعلى هجر أوطانهم، ليردوا الأصقاع المجهولة، والبقاع التي لم تخط عليها قدم، فينتفع العالم بخيراتها، ويعرف أحوالها، ويضيف إلى علمه علما، وهي التي تحفز المخترع إلى السهر والدرس والبحث، فيجري التجارب في معمله أو في الجو أو في قاع البحر، وهو على ثقة من أن الموت يرصده. والركيزة الرابعة هي مضاء العزيمة، عاجلها وآجلها، باعتبارها القوة التي وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان، لتسيطر على رغباته، وتضبط حركته، وهي مستمدة من الفطرة الإنسانية، وتأتي التجارب والخطوب لتصقلها وتمتنها، وتجعلها عزيزة لا تقبل الذل، أبية لا ترضى الهوان. والركيزة الخامسة هي الاعتداد بالنفس، الذي يمنح البطل عزة وثقة في نفسه، وهيبة في نفوس الناس، ويحصنه من الوقوع في فخ الغرور القائم على الادعاء والمبالغة والكذب، أو السقوط في أوهام الخيلاء المنطوية على الكبر والاستكبار، أو التردي في الأثرة التي تتأسس على جنوح وتزيد في حب النفس، وحرص على إشباع ملذاتها ومتعها. أما الركيزة السادسة فهي الرحمة، فالبطل ليس وحشا كاسرا، قاسي القلب، متبلد المشاعر، بل هو إنسان عطوف، طيب القلب، رقيق المعاملة، وهذا لا يتناقض مع شجاعته ومضاء عزمه. ومن يتصور أن البطولة خالية من الرحمة، فإنه خاطئ أو مغرض، يتوهم أن البطولة تدمير وتخريب وإفساد وغطرسة، وينسى أن الأبطال في تاريخ الإنسانية قد عرفوا الرحمة والعطف والوفاء والضعف أمام المواقف الإنسانية.
الدعاء