خطبة عن ( صلاة الفجر وعقوبة المتهاونين)
يناير 25, 2017خطبة عن ( إن العين حق )
يناير 25, 2017الخطبة الأولى” البيت المسلم: مميزاته ،ودعائمه” (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80]. وروى البخاري في صحيحه (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » . قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ »
أيها المسلمون
من نِعَم الله – تعالى – على عباده في هذه الحياة، أنْ هيَّأ لهم البيوت التي يسكنون فيها ، فقال تعالى (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ) [النحل: 80].، فالبيوت جعلها الله سكنًا ورحمةً، ولباسًا وموَّدة، يتفيَّأ المسلم خلالها عن الحر, ويستدفئُ بها من البرد، وتسترُه عن الأنظار، وتحصنُه من الأعداء. قال الحافظُ ابنُ كثير في تفسير قوله تعالى (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ) قال: “يذكر – تبارك وتعالى – تمامَ نِعَمه على عبيده، بما جعل لهم من البيوت، التي هي سكن لهم ، يأوون إليها ويستترون، وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع”. والبيت المسلم هو الَلبِنة القويةٌ في بناء المجتمع المسلم ،الملتزمِ بمنهج الله في هذه الحياة، والأسرة في الإسلام نظام إلهي، ومنهجٌ رباني، وهَدْي نبوي، وسلوك إنساني، والحياة في بيوت المسلمين عبادة شاملة، وتربية مستمرة؛ فالحياة الأُسرية التي تقام بزواج رجل وامرأة هي آية من آيات الله -سبحانه وتعالى-. يقول الله – تعالى-: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]. فقد جعل الله – تعالى – البيوت سكنًا يأوي إليها أهلُها، تطمئنُّ فيها النفوسُ, وتأمنُ فيها الحرماتُ، وتسترُ فيها الأعراض، ويتربَّى في كنفها الأجيال، وهو – سبحانه وتعالى – يريد بذلك من البيوت أن تكون قلاعَ خيرٍ ومحبةٍ ووئامٍ، وحصونَ برٍّ وحنانٍ وأمانٍ, وديارَ خيرٍ وفضيلة وإحسانٍ.
والمسلم يدرك قدرَ نعمة السكن والمأوى عليه ، حينما يرى أحوال مَن سُلبوا هذه النعمةَ، من المشرَّدين واللاجئين من إخواننا في العقيدة والدين, الذين يعيشون في الملاجئ، أو على أرصفة الشوارع، حينها يعلم المسلم يقينًا معنى التشتُّتِ والحرمان، الناجمينِ عن فقد السكن والمأوى. كما تبرز عظمةُ هذه النعمة – نعمةِ السكنِ والمأوى – أمام المسافر واضحةً جليةً، ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ »
أيها المسلمون:
من هنا جاء الاهتمام العظيم في الإسلام بإصلاح البيوت؛ لأن الأسرة هي الدِّعامة الأساس في صرح الأمة، واللبنة الأولى في تكوين المجتمع، فعلى قدر ما تكون اللبنة قويةً يكون البناء راسخًا منيعًا، وكلما كانت ضعيفة كان البناء واهيًا، آيلاً للانهيار والتصدع. لذا كان للبيت المسلم خصائص ومميزات ، تميزه عن غيره من البيوت . فالبيت المسلم هو المدرسة الأولى التي يتخرج منها الأعضاءُ الفاعلون في المجتمع، سلبًا أو إيجابًا، ساسةٌ وقادة، علماءُ وقضاةٌ، مربونَ ودعاةٌ، وطلاب ومجاهدون، وزوجاتٌ صالحاتٌ، وأمهاتٌ مربياتٌ. ولقد سعى الإسلام سعيًا حثيثًا لإصلاح الأسر والبيوت، وبدأ ذلك بالأسس التي يتكوَّن منها البيت المسلم، وفي مقدمة ذلك اختيارُ الزوجة ذاتِ الصلاحِ والدينِ؛ لأنها – بإذن الله تعالى – أهمُّ عوامل الإصلاح للبيت بعد الرجل؛ ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ » ، وأما من ناحية الزوجة فقد أرشدَ الإسلام الأولياءَ إلى اختيار الزوج الصالح، ذي الخُلقِ القويم، والدين المستقيم؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: « إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ » رواه ابن ماجه ،وباجتماع الزوج الصالح ،والزوجة الصالحة، يُبنى البيتُ الصالح – بإذن الله تعالى – قال تعالى : {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف: 58]. والبيت المسلم له خصوصية تميزه عن غيره، فهو بيت قائم على الإيمان والعمل الصالح هو بيت قائم على الدين والتقى، فالرابط بين أفراده رابطة الإيمان، وعندما يتخلى عن الإيمان ، لم يكن لذلك البيت ارتباطاً قويا، قال الله جلَّ وعلا: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الطور 21 ،ومن مميزات البيت المسلم أنه بيت قائم على ذكر الله جلَّ وعلا وطاعته، فالأذكار حصن للبيت من كل سوء من شياطين الإنس والجن، ولهذا جاءت الآداب الشرعية لتحصين البيوت وحفظها من مكائد شياطين الإنس والجن، فشرع للمسلم أولاً أن يذكر الله عند دخول منزله ، ففي سنن ابن ماجة (عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا ثُمَّ لْيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ ». وقال تعالى (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) النور (61) ،وفي سنن الترمذي بسند حسن أن : (أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا بُنَىَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ » ،ويسن له إن يذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ ، ففي صحيح مسلم (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ ». ومما يحفظ البيت من السوء والشر والبلاء أداء نوافل الصلوات فيه، فإن السنة للمسلم أن يصلي النوافل في البيوت، فالنوافل مستحبة فعلها في البيت أفضل ليقوى الإخلاص واليقين وليتأسى بك أهل بيتك فيعملون مثل أعمالك ولهذا جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ » وفي البخاري يقول صلى الله عليه وسلم : « اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا » ،وفي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: « إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْرًا ».
أيها المسلمون
والبيت المسلم قائم على العلم والعمل ، فأفراده يعلم بعضهم بعضا ، وينصح بعضهم بعضا ، فالأب ذو علم وتقى ،يوجه الأبناء والبنات ،ويحثهم على الآداب الشرعية ،من آداب الطهارة ،وأحكام الصلاة ،وآداب الاستئذان، والحلال والحرام ، فتراه موجهاً لأهل بيته ، يعلمهم وينصحهم ، حتى يكون البيت قائماً على معرفة الحق والعمل به،
والبيت المسلم من مميزاته : أن أسراره محفوظة ،وخلافاته مستورة ، وفي صحيح مسلم أن (أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا »،والبيت المسلم قائم على الحياء، فالحياء خير كله ،والحياء لا يأتي إلا بخير، فهو بيت ليس فيه ما يخدش الحياء والكرامة ، أو يروج الرذيلة والسيئ من الأخلاق ، ومن مميزات البيت المسلم أيضاً :أن هذا البيت إنما يؤمه ذوو التقى والصلاح ، ومن يحبون الخير وأهل الخير ،ومن عندهم استقامةٌ وسلوك حسن ، ففي سنن الترمذي بسند حسن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ ».والبيت المؤمن :بيت يتعاون فيه أهله على البر والتقوى، وعلى طاعة الله ،وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأي ضعف في المرأة أو قصور في سلوكها ،فإن الرجل الصالح يصحح الأوضاع ،ويقوي ما أعوج من السلوك ،ويبذل جهده لتوجيه المرأة، وإصلاح شأنها وإبعادها عن كل ما يخالف الشرع، وكذلك المرأة المسلمة ،فهي متعاونة مع زوجها ، عندما ترى نقصا أو خللا فهي ذات نصح وتوجيه ،وصبر وتحمل ،ونصيحة للزوج وسعياً في إنقاذه من عذاب الله، فهو بيت يقوم على التعاضد والتناصر والتعاون والتناصح ،وعلى الخير والتقوى، في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ « قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ ». وفي الحديث: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ » رواه أبود داود وغيره .والبيت المسلم حريصٌ أهلُه على الصلاة جماعة، يخرجون إليها مبكِّرين؛ قال – تعالى -: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، وعَنِ الْقَاسِمِ قَالَ ،قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : ( حَافِظُوا عَلَى أَبْنَائِكُمْ فِي الصَّلاَةِ ،ثُمَّ تَعَوَّدُوا الْخَيْرَ ،فَإِنَّمَا الْخَيْرُ بِالْعَادَةِ ). رواه البيهقي. والبيت المسلم معطر بذكر الله وقراءة القرآن، ومحصن من الشيطان، وقد رغَّب – صلى الله عليه وسلم – في قراءة القرآن في البيوت، لا سيما سورة البقرة؛ لأن قراءتها في البيت تطردُ عنه الشياطين – بإذن الله تعالى – فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِى تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ »رواه مسلم ،كما بيَّن – صلى الله عليه وسلم – الفرقَ بين البيت الذي يُذكر الله فيه، والبيتِ الذي لا يُذكر الله فيه ، كما في الصحيحين (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم قال « مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِى يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِى لاَ يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ ». فكم في بيوت المسلمين من بيوت ميتة؛ بل هي في الحقيقة مأوى للجن والشياطين، بعيدةٌ عن ذكر الله، مليئةٌ بالفساد والمنكرات، لا يُسمعُ فيها إلا مزاميرُ الشياطين، وأصواتُ المطربين والمطربات؛ وما أقبحَ البيوتَ إذا خلتْ من ذكر الله، فاجتالتْها الشياطينُ، وعششت فيها وفرخت، فصارت قبورًا موحشةً، وأطلالاً خربةً، فعميت قلوبُ ساكنيها، وابتعدت عنها الملائكة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية” البيت المسلم: مميزاته ،ودعائمه” (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والبيت المسلم يقوم على احترام الجار وإكرام الضيف ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في البخاري « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ » ،وفيه يقول صلى الله عليه وسلم « وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ » . قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الَّذِى لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ »، فحق الجار أن “تنصره إذا استنصرك، وتعينه إذا استعانك، وتقرضه إذا استقرضك، ، وتعوده إذا مرض، وتتبع جنازته إذا مات” كل هذا من حقوق الجار، ومن مميزات البيت المسلم أنه بيت فيه الرفق والطمأنينة، فإن الرفق نعمة من الله، وفي مسند أحمد (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ ». فالأب رفيقِ في تعامله مع أبنائه وبناته ، وهو ناصح لهم، وهم يفرحون به إذا رأوه ويستريحون معه إذا جالسوه ، وهم يأنسون به ويأنسون بجلوسه لأنهم يرون أن فيه الشفقة والحنان والرفق، فهو ليس بذيء اللسان ،ولكنه مهذب القول ،كاف الشر ،باذل للمعروف ،فينشأ في هذا البيت فتيان وفتيات على أحسن الأخلاق وأتمها. والبيت المسلم مطهر من صوت إبليس؛ قال – تعالى : {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64]، وقال مجاهد: صوت الشيطان الغناء، وقال صلى الله عليه وسلم :« لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ) رواه البخاري ،وقال الوليد بن يزيد: “إياكم والغناءَ؛ فإنه يَنقص الحياءَ، ويزيد الشهوة، ويهدم المروءة ، وإنه لَيَنوبُ عن الخمر، ويفعل ما يفعله السكر”، وقال الإمام أبو حنيفة: الاستماع إلى الأغاني فسق، وقال مالك: إنما يفعله الفساق، وقال الإمام أحمد: “الغناء يُنْبِت النفاق في القلب، لا يعجبني”. والبيت المسلم سليم من المخالفات التي نهى عنها اللهُ ورسوله؛ عن أبي طلحة – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال: « لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ » متفق عليه. ومن مميزات البيت المسلم أنه قائم على الدقة والملاحظة ، فالرجل ينظر في أبنائه وبناته ، ويتابع أبناءه، أين يذهبون؟ ومن يصاحبون؟ وهل صحبتهم ورفقتهم رفقة صالحة أم جلساء سوء ، فكم من شباب صالح جرهم دعاة السوء إلى رذائل الأخلاق والأعمال ، وفي الصحيحين (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً » ،والبيت المسلم يُعنى بحسن تربية الأولاد؛ امتثالاً لقوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، والتربية مسؤولية ملقاة على عاتق الوالدين؛ ففي الصحيحين قال – صلى الله عليه وسلم -: ((وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ – )). وإحسان تربية الأولاد تجعلهم ذخرًا لوالديهم يوم القيامة؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَارَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ » رواه أحمد
أيها المسلمون:
وربُّ البيت المسلم ،لا ينشغل عن تدبير شؤون بيته وأسرته، بحجة العمل والارتباطات؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. )) الترمذي ، فإن بعض الآباء – هداهم الله – يضِنُّ أحدهم على أسرته وزوجته بساعة في اليوم، ويوم في الأسبوع، يقضي حاجاتهم، ويصلح شؤونهم، ويلعب معهم، يحاورهم، يناقشهم، وكذلك الأم التي تخرج للعمل وتترك الأولاد، لتربيهم الخادمات، أو يرعاهم السائقون فهؤلاء مصدر خطر على الأطفال، والبيت المسلم يجب أن يصان من المجلات الهابطة، والقنوات الماجنة، ومواقع الإنترنت غير اللائقة، ومن مات وقد أدخل القنوات الماجنة إلى بيته، فيُخشى عليه من قول النبي – صلى الله عليه وسلم كما في البخاري -: « مَا مِنْ وَالٍ يَلِى رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَمُوتُ وَهْوَ غَاشٌّ لَهُمْ ، إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » ، فعلى الوالدين أن يحذَرا ذلك ، ويحذِّرا أولادهما من الاستخدام السيئ للإنترنت، والبيت المسلم متميز في إسلامه، يوالي ويحب في الله، ويعادي ويبغض في الله، ولا يتشبه بأعداء الله، ولا يقلِّدهم, ولا يشاركهم أعيادَهم الشركية والبدعية؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: « مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ »رواه أبود داود والبزار والبيت المسلم يُحافَظ فيه على الفطرة، فالرجل يحافظ على رجولته، والمرأة تحافظ على أنوثتها؛ فيُصان الأولادُ عن التشبه بالنساء، والبناتُ عن التشبه بالرجال، فإنَّ تشبُّه أحد الجنسين بالآخر، من مظاهر التميع والتفرنج – وهو بابُ شر، ووسيلة لإشاعة الانحلال في المجتمع، وفتح لأبواب الفساد؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ) رواه البخاري. فاتقوا الله – تعالى – واعلموا أن بيوتكم أمانة في أعناقكم، استرعاكم الله على مَن فيها مِن الزوجات والأولاد، والله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعى: أحَفِظَ أم ضيَّع؟ فيا خيبةَ مَن ضيع الأمانة، وأساء التربية! قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التحريم: 6، 7].
الدعاء