خطبة عن (الناس والحساب)
أبريل 28, 2023خطبة عن أحوال أهل القبور وحديث (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ)
أبريل 29, 2023الخطبة الأولى ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) (120) الانعام
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم – إن شاء الله- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز ، نتلوها ، ونتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ،فقد قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها : ودعوا، أي (اتركوا) أيها الناس، علانية الإثم، وذلك ظاهره ، وسرّه ، وذلك باطنه، وقيل : كان أهل الجاهلية يستسرُّون بالزنى, ويرون ذلك حلالا ما كان سرًّا, فحرّم الله السر منه والعلانية ، فكل معصية لله ظهرت أو بطنت فهي حرام) ، وقوله تعالى : ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾ ،فالأمر في هذه الآية الكريمة للوجوب، وهو موجَّهٌ لسائر المكلفين إنسًا وجنًّا، وهو محرِّمٌ لكل ما يستقبح فعله ، وهو حاضٌّ بمفهوم المخالفة على جميع مكارم الأخلاق، وهو لصرامته وروعة بيانه، شديد الإيجاز، مؤلف من أربع كلمات لا يحتاج إلى الشرح اللغوي ، وذهب بعض العلماء إلى أن الإثم الظاهر والباطن خاص بأكل الميتة وبشرب الخمر علانيةً وتسترًا، وفسر غيرُهم الإثم الظاهر بالزنا المعلن بذوات الرايات، والباطن بالزنا الخفي واتخاذ الأخدان، وذهب آخرون إلى أن الإثم الظاهر هو الطواف بالبيت عراةً، والباطن هو الاستسرار بالزنا، ونقول : إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيكون التحريم عامًّا في جميع الآثام، وهو ما بيَّنه الله تعالى بقوله عز وجل: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ ﴾ [الأعراف: 33]؛ أي: حرَّم أصناف الفاحشة المعلنة والمستترة ؛ كالزنا وما في حكمها أو صفاتها، كما حرم الإثم مطلقًا، وهو كل ما يوجب العقوبة قولًا وعملًا ونيَّات ، ولذلك عقَّب الله تعالى على هذا الأمر بقوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴾ [الأنعام: 120]؛ أي: إن مرتكب الإثم بكل أصنافه الظاهرة والخفية، سيجازى بالعذاب الدائم يوم القيامة إن كان مستحلًّا له، فإن لم يكن مستحلًّا له ،ولم يتُب، ولم يعفُ الله عنه، عُذِّب على قدر ذنبه، وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإثم، ففي صحيح مسلم : (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ».، ولا يَحيك في صدر المؤمن، ويخشى الفضيحة فيه أو عقوبته، إلا ما خالف الشريعة، وعارض الفطرة السوية، وأخلَّ بالمُروءة ، ومطلق الإثم الذي تحرِّمه هذه الآية الكريمة، منه ما هو متعلق بالمعتقد، ومنه ما هو متعلق بالنية والقصد والإرادة، ومنه ما يتعلق بأمراض القلوب وخطرات النفس، أو أعمال الجوارح الظاهرة والمستترة، فإثم المعتقد هو الشرك بالله تعالى؛ قال الله عز وجل: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، ومنه إنكار ألوهيته عز وجل أو ربوبيته، أو أسمائه وصفاته، أو إشراك غيره معه فيها، عقيدة قلبية أو عبادة عملية، ومنه ما اجتمع فيه الإيمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم مع أعمال جُعِل فيها لغير الله نصيبٌ؛ فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ » ،
وأما إثم النية والقصد والإرادة، فيتعلق بقصد العامل بعمله، هل هو لله أم لغير الله، للخير أم للشر؟ وذلك ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري : (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ » ، وفي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ مَثَلُ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْماً فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ فِي مَالِهِ فَيُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْماً وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالاً فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَا لِهَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مَثْلَ الَّذِى يَعْمَلُ ». قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَهُمَا فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْماً فَهُوَ يَخْبِطُ فِيهِ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْماً فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِى يَعْمَلُ ». قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ ».،
وأما إثم أمراض القلوب ،وخطرات النفس، فكثيرة، وعلى رأسها النفاق ،والحسد ،والحقد، والعجب، والكبرياء ،والرياء، والنجوى ،والوساوس، والأماني الضالة، وسوء التأويل لأقوال المسلمين وأعمالهم، والميل للإضرار بالخلق، وإيثار الدنيا على الآخرة، وهي كلها همٌّ ،وغم ،وحزن، وضائقة نفس في الدنيا، ومحاسبة في الآخرة، سواء ظهرت آثارُها في تصرفات المرء ،وأقواله ،وأفعاله، أم لم تظهر؛ وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » ، وروى مسلم في صحيحه : (قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ».، ومع ذلك فإن من يشغل قلبه بأمراضه ونجواه، وإن لم يصاحب ذلك عزمٌ واعتقاد يكون قد ضيَّع مكسبين، أولهما أجر شغل النفس بالخير والفضيلة، وثانيهما راحة البال والسكينة والقلب المطمئن إلى ربه؛ ففي سنن ابن ماجه :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ « هُوَ التَّقِىُّ النَّقِيُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ ».، وقال صلى الله عليه وسلم محذرًا من أمراض القلوب كما في مسند أحمد : (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةُ الشَّعْرِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ »، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَنَاجَشُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا » ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ».،
وأما إثم الجوارح – وهي أعضاء المرء- التي يكتسب بها الإثم أو الأجر؛ أخذًا وعطاءً وعملًا ، وممارسة في السر أو العلن، سمعًا وبصرًا وفمًا ولسانًا، ويدًا ورِجلًا – فإن استعملت في العبادة والخيرات والمباحات، كانت السلامة والأجر الحسن، وإن استعملت في المحرمات والمكروهات، ومُخلات المروءة، كان الإثم والندم، واستعمالها في الإثم عادةً يبدأ صغيرًا وخفيًّا ما دام المرء محتفظًا ببعض حيائه، ثم تنفرج زاوية الجراءة على الله تعالى بالتدريج، وتنسلخ عن القلب فطرةُ استقباح المحرمات والمعاصي والذنوب، فتصير له عادة وسجيةً، ويرفع عنه الحياء من الله، والحياء من الناس، فيقع في التهتُّك والمجاهرة إلى حدٍّ يفتخر فيه بارتكابها ويحدث الناس بها؛ وفي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ رَفَعَهُ قَالَ « إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ أَعْضَاءَهُ تُكَفِّرُ لِلِّسَانِ تَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّكَ إِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا ».، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ » . ،
فحماية الجوارح من الآثام خيرُ سبل النجاة بين يدي الله تعالى يوم القيامة، وخير ما يحفَظ به المرء سلامة جسده ومُروءته، ويوفر به لنفسه الراحة والطمأنينة وسعادة الدنيا والآخرة؛ ففي صحيح البخاري : (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ » ، وفي سنن البيهقي : (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ».،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والمتأمل والمتدبر لقوله تعالى : (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) (120) الانعام ،يتبين له أن الحق تبارك تعالى لما حرَّم على عباده بالكلية بقوله عز وجل: ﴿ وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ ﴾ – أتْبعه بالتحذير من عاقبة الارتكاس في معصية الله سرًّا وعلانية، عمل جوارح ونيات قلوب، ومقاصد تصرُّفات، فقال عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴾ [الأنعام: 120]، ولفظ ﴿ يَكْسِبُونَ ﴾ في هذه الآية الكريمة لغةً من” الكسب”، وهو طلب الرزق، ومنه نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن كسب الزانية الذي نزل به القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [النور: 33]، كما نهى عن كسب المغتاب بقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن قام بأخيه مقامَ رياءٍ وسُمعةٍ، أقامَه اللهُ عزَّ وجلَّ يومَ القيامةِ وسمَّع به). والتعبير عن ارتكاب الإثم بلفظ الكسب إشارة إلى ما يخسره المرء في الدنيا والآخرة عندما يجعل رزقه آثامًا ظاهرة وباطنة، بدل أن يجعله حسنات وأعمالًا صالحة، ورزقًا حلالًا طيبًا، وما يكسبه في آخرته من عقوبة على قدر ما اقترفه من الآثام.، إلا أن الآثم في كل الأحوال ما لم يرتكب شركًا بيْنَ مآلين اثنين: أحدهما أن يتوب قبل مماته، فيغفر له؛ كما في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 60]، والثاني: أن الله عز وجل إن لم يعاقبه، فقد يعفو عنه ما لم يُشرك؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].
الدعاء