خطبة حول حديث (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ .. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ)
يوليو 17, 2022خطبة حول قوله تعالى (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)
يوليو 17, 2022الخطبة الأولى ( التسويف والتفريط : الأسباب ،والمظاهر ،والنتائج ،والعلاج)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (10) ،(11) المنافقون
إخوة الإسلام
إن مِن أَخطرِ الأمراضِ الَّتي تُواجِهُ الإنسانَ في عَملِهِ وحَياتِهِ، هي آفَةُ ومرض التَّسوِيفِ والتفريط والمماطلة ،و تَأجيلِ الأَعمالِ وأَداءِ الواجباتِ والحقوقِ، وعَكسُهُ المبادرةُ والمسارعةُ وإتمامُ المُهمَّاتِ وإنجَازُهَا، ومرض التَّسويفُ والتفريط والمماطلة هَادمٌ للعُمُرِ بلا فائدةٍ، مُضيِّعٌ للوقتِ الثَّمينِ بلا منفعةٍ، ومُفوِّتٌ لمصالحِ الإنسانِ بلا ثَمرةٍ، وهو المسؤولُ الأولُ عن الإِخفاقاتِ، والقُصُورِ عَن المعَالِي والإِنجَازاتِ ، وقد نبه الحق – تبارك وتعالى – عباده إلى هذا المرض في آيات كثيرة في كتابه العزيز ، ومنها بقوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (10) المنافقون، وقوله تعالى :{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (99) ،(100) (المؤمنون)، كما نبه إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ » ، وفي المستدرك للحاكم : (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك) . وأما عن أهم السمات أو المظاهر الدالة على التسويف فهي كثيرة نذكر لكم منها : البقاء على المعصية مع الوعد بالتوبة ، وتأجيل عمل اليوم إلى الغد بغير مبرر، وأما عن أسباب التسويف: فمنها : أولا : الأسرة التي تبنى حياتها على التسويف ،فقد ينشأ المسلم في أسرة بنت حياتها على التسويف، ثانيا : صحبة الكسالى والمسوفين: ولا سيما إذا كانت هذه الصحبة قبل إيجاد الحصانة التي تحول دون انتقال عدوى الكسل والتسويف. ثالثا : ضعف ا لإرادة أو الكسل والتراخي مع النفس، رابعا : أمن مكر الله : إذ الإنسان مجبول على المبادرة والإسراع بأداء ما يطلب منه عندما يخاف، وعلى التواني والتفريط إذا أمن، قال سبحانه: { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (98) ،(99) الأعراف ، خامسا : طول الأمل مع نسيان الموت والدار الآخرة: يقول الحافظ ابن الجوزي “يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدا، ولا يغتر بالشباب، والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت الشبان، ولهذا يندر من يكبر، سادسا : الاستهانة بالأمر مع اعتماد المرء على بعض ما وهبه الله من حول وقوة: ولعل خير ما يشرح هذا السبب ويجليه، قصة كعب بن مالك رضي الله عنه وتخلفه عن غزوة تبوك ، سابعا : التعويل على عفو الله ومغفرته مع نسيان شدة أخذه وعقابه : فالعاصي يقول: رب رحيم وينسى ،أنه شديد العقاب، ولو علم أن رحمته ليست رقة، إذ لو كانت كذلك لما ذبح عصفورا، ولا آلم طفلا، وعقابه غير مأمون، فإنه شرع قطع اليد الشريفة بسرقة خمسة قراريط) . ثامنا : عدم المتابعة والمحاسبة من الآخرين: وذلك أن المسلمين بعضهم أولياء بعض، ومقتضى هذه الولاية ينصح بعضهم بعضاً، وأن يتابع بعضهم بعضا بل أن يحاسب بعضهم بعضا وهذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المشار إليهما في قوله سبحانه: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } ( التوبة: 71) ، تاسعا : الانغماس في المعاصي والسيئات: فكثرة المعاصي والسيئات، تقسي القلب، وتؤدي إلى الإهمال، والوقوع في التسويف، ولقد ألمح إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري : (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ،وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ » ، عاشرا : عدم تقدير العواقب والآثار المترتبة على التسويف: وذلك أن الإنسان مجبول على تأخير الشيء، والتواني فيه، إذا لم يقدر عواقبه الوخيمة، وآثاره السيئة، ولعل ذلك من بين الأسباب التي أدت إلى أن تكون أكثر أحكام ديننا الحنيف معللة مقرونة بحكمة التشريع.
أيها المسلمون
وإن المتأمل والمتدبر لأنواع وصور التسويف ، يتبين له أن من أَخطرِ أَنواعِ التَّسويفِ وأَعظَمِهِ، هُو التَّسويفُ في عَلاقةِ الإنسانِ مَعَ ربِّهِ وخالِقِه، فيؤجِّلُ أوامِرهُ التي أَمَرَه بهَا، فتَفتُرُ هِمَّتُهُ ويَظلُّ يُؤجِّلُ في الطَّاعاتِ، بَل رُبَّمَا في الفَرائِضِ حتَّى يُضيِّعُهَا، فإذَا مَا هَمَّ العبدُ بأداءِ الصلاةِ وَسوَسَ لَه الشيطانُ الرجيمُ بأنْ يُؤجِّلُهَا قَليلًا حتَّى يَنتهِي ممَّا هو فيهِ، ولا يَزالُ الشيطانُ به، حتى يَقطَعَ صِلتَهُ بربِّهِ ، ومِنَ أخطر أشكال التسويفِ أيضا : التسويفُ في ردِّ المظالمِ والحقوقِ إلى الخلقِ، وهذا سيِّدُ المسارعينَ إلى الخَيراتِ صلى الله عليه وسلم يقولُ في حديث له : “مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ… الحديث” رواه البخاريُّ. ، كما قرَّرَ أهلُ العلمِ أنَّ حُقوقَ العبادِ لا تَسقُطُ بالتوبةِ، بل لا تَسقطُ حقوقُ العبادِ حتى بالشَّهادةِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قال الإمامُ النوويُّ: “وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “إلاَّ الدَّيْنَ” فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى جَمِيعِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَأَنَّ الْجِهَادَ وَالشَّهَادَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، لَا يُكَفِّرُ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَإِنَّمَا يُكَفِّرُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى”.
أيها المسلمون
وللتسويف آثار ضارة، وعواقب وخيمة في حياة الفرد والمجتمع ، نذكر لكم منها: 1 – الحسرة والندم في وقت لا تنفع فيه الحسرة والندم: وذلك أن المسوف يقضي دهره متعديا على حدود الله، مفرطاً في جنبه ،حتى إذا جاءه الموت، وكشف عنه الغطاء، وعاين الأمور على حقيقتهما ،يتحسر ويندم، ويتمنى التأخير، أو الرجعة إلى الدنيا ليتدارك أمره، وأنى له ذلك، وقد ضاعت منه الفرصة ،وفات الأوان، يقول تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (99)، (100) المؤمنون ، 2 – ومن آثار التسويف الضارة، وعواقبه الوخيمة : الحرمان من الأجر والثواب: فالمسوف حرم نفسه من كثير من الأجر والثواب، وما قيمة الإنسان غدا إذا لقي ربه بغير أجر ولا مثوبة، قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ} (15) ،(16) الزمر ، 3 – ومن آثار التسويف الضارة، وعواقبه الوخيمة : تراكم الذنوب، وصعوبة التوبة : فالتسويف يؤدي إلى تراكم الذنوب، وإذا تراكمت الذنوب ثقلت على المرء، الأمر الذي يؤول به إلى استثقال التوبة وصعوبتها ، 4 – ومن آثار التسويف الضارة، وعواقبه الوخيمة : تراكم ا لأعمال، وصعوبة الأداء : فقد يؤدي التسويف إلى تراكم الأعمال، وتزاحم الأعباء، فلا يدري المرء أيها يقدم، وأيها يؤخر، ومن ثم يتشتت فكره ويضيع سعيه، ويصبح أمره فرطا، ولا يمكن أن ينجز واجباً من الواجبات . 5 – ومن آثار التسويف الضارة، وعواقبه الوخيمة : ضياع الهيبة، وعدم القدرة على التأثير في الناس: فهو بتعديه على حدود الله، وتفريطه في جنبه سبحانه وعدم قيامه بواجبه نحو ربه، ونحو نفسه، وذويه، ونحو أمته، تضيع هيبته من صدور الناس، ولا يتمكن من إتقان أي عمل من الأعمال، الأمر الذي يفقده القدرة على التأثير في الناس،
أيها المسلمون
أما عن علاج التسويف: فما دمنا قد وقفنا على ماهية ومظاهر وأسباب وآثار التسويف، فإنه يسهل علينا أن نسعى نحو العلاج، والوقاية، وذلك على النحو التالي: أولا : أخذ النفس بالحزم، وقوة العزيمة، فتتعب النفس اليوم لتستريح غدا، فمكر الله غير مأمون، والموت يأتي بغتة، قال سبحانه : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} (54) :(56) الزمر ، ثانيا : من وسائل علاج التسويف: تذكير النفس دوماً بأن التسويف عجز وضعف، وخور، وليس من سمات المسلم العجز، والضعف، والخور، ورضي الله عن سيدنا عمر حين قال : ” من القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد ” ، ثالثا : من وسائل علاج التسويف: دوام الدعاء والضراعة إلى الله – عز وجل – بالتحرر من العجز والكسل ، رابعا : من وسائل علاج التسويف: أن تأخذ البيوت نفسها بالحزم والعزم حتى لا تفسد الناشئة من الأولاد، خامسا : من وسائل علاج التسويف: الانسلاخ من صحبة الكسالى، والمسوفين، والارتماء بين يدي ذوي الحزم، والعزم، والقوة، فإن ذلك من شأنه أن يحمل على مجاهدة النفس وأخذها بالحزم، والعزم، والقوة. ، سادسا : من وسائل علاج التسويف: دوام معايشة الكتاب والسنة، فإن هذه المعايشة تكون سببا في معرفة الله حق المعرفة، وإذا عرف المسلم ربه حق المعرفة قضى عمره، وكأنما يمشي على الجمر، بحيث لا تمر عليه لحظة إلا وهو فيها مؤدي ما عليه، مستعد للقاء الله -عز وجل. سابعا : من وسائل علاج التسويف: الاحتراز من المعاصي والسيئات، وإن وقع بادر بالتوبة، ثامنا : من وسائل علاج التسويف: تذكر الموت والدار الآخرة على الدوام، فان مثل هذا التذكر مما يقلل عمر الدنيا في نظر المسلم، ويهون من شأن زخرفها، وزهرتها، وزينتها، ويحمله على المبادرة بالتوبة، وأداء الحقوق لذويها، وإن ثقل الحمل، وعظمت التكاليف . تاسعا : من وسائل علاج التسويف: معايشة السلف في نظرتهم إلى التسويف، ونفورهم منه نفورا شديدا قولا، وفعلا، فكرا، وسلوكا، عاشرا : من وسائل علاج التسويف: أن تقوم الأمة كلها على المستوى القيادي، وغير القيادي، في متابعة ومحاسبة المسوفين، فإن هذه المتابعة، وتلك المحاسبة، تقطع الطريق على النفس، وتحول بينها وبين التسويف، الحادي عشر : من وسائل علاج التسويف: عدم الاستهانة بأي أمر من الأمور، وإن كان هذا الأمر بسيطا، واليقين بأن الأمر كله لله، والفرصة التي في يدك الآن قد تضيع منك غدا ، الثاني عشر : من وسائل علاج التسويف: التذكير الدائب بالعواقب والآثار المترتبة على التسويف، فان هذا التذكير من شأنه أن يشحذ الهمم، والعزائم، وأن يقضي على التسويف عند من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( التسويف والتفريط : الأسباب ،والمظاهر ،والنتائج ،والعلاج)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فيا أيها المسوف في حقوق ربه ، ويا من ضيّع عمره في غير الطاعات، ويا من فرّط في دهره وأضاعه، ويا من بضاعته التسويف والتفريط، وبئست البضاعة، ويا من جعل خصمه القرآن، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة يوم الزحام ، فإذَا كانَ عِقابُ مَن يُسوِّفُ أعمَالَهُ الدنيويةَ هو ضَياعُ بَعضِ الفُرصِ الذهبيةِ ،وفُقدانِ ثِقةِ الناسِ بهِ ،وبأقوالِهِ التي لا يُترجِمُهَا لأعمالٍ، وبالهمِّ وكثرة تأنيب الضمير والقلق، فإنَّ عاقبةَ مَن يُؤخِّرُ المبادرةَ بالتوبةِ والإنابةِ إلى اللهِ ،ويَتَّبعُ أَهواءَ نفسِه ،ووساوسِ الشيطانِ الذي يُغرِيهِ بطُولِ الحياةِ ، ويخدَعُه بأوهامِ تَسويفِ الإقلاعِ عن الكبائرِ والإصرارِ على الصغائرِ إلى أجلٍ غيرِ مسمَّى، هِيَ خَسارةُ دُخولِ الجنَّةِ والتمَتُّعِ بنعِيمِهَا الخالدِ، وتَعريضُ النَّفسِ لأهوالِ نَارِ جهنَّمَ، فالتسويف يقطع الأعمار، ويضيع الأوقات، ويفسد الحياة، فتيقظوا فالأيام دائبة.. وتحفظوا فالسهام صائبة.. واحذروا دنياكم فما هي مواتية.. واذكروا أخراكم فها هي آتية.. أما رأيتم الدنيا فقد أبانت خدعها ومكرها.. إذا بانت من جمعها مكرها.. أين الارتياد للسلامة غدا؟! أين الاستعداد قبل الندامة أبدا؟! كأنكم بالمسير عن الربع قد أزف.. وبالكثير من الدمع قد نزف.. وبالمقيم قد أبين مما ألف.. وبالكريم قد أهين لما تلف.. يا طالب الدنيا دنا فراقها … تزويجها أسرع أم إطلاقها” ، فيا إخواني شحم المنى هزال.. وشراب الآمال سراب.. ولذات الدنيا منام وخيال.. فتيقظ لنفسك واذكر زوالك.. ودع الأمل ولو طوى الدنيا وزوى لك.. فكأنك بالموت قد حيرك وأبدى كلالك، ونسيك الحبيب لأنه أرادك له لا لك.. وخلوت تبكي خلالك في زمان خلا لك.. وشاهدت أمرا أفظعك وهالك.. تود أن تفتديه بالدنيا لو أنها لك.. فتنبه من رقاد الهوى لما هو أولى لك.
الدعاء