خطبة عن (أسباب نعمة التوفيق) مختصرة
يونيو 23, 2024خطبة عن (أسد الله حمزة)
يونيو 24, 2024الخطبة الأولى (التضرع) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) (94) الاعراف
إخوة الاسلام
هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز تبين لنا أن الغاية من أخذ العباد بالبأساء والضراء، أن يتضرعوا إلى الله، وأن يتوبوا ويرجعوا إليه، فالتضرّع والدعاء يرفعُ الله به العذاب والعقاب، ويردّ به البلاء، قال ابن القيم: «الله يبتلي عبده ليسمع تضرّعه ودعاءه والشكوى إليه)، فالله تعالى يحب انكسار قلبِ عبدِه بين يديه، وتذلله له، وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه، فعليك اخي المسلم وأختي المسلمة بالتضرع إلى الله، والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذلّ والضعف بين يديه، فرحمته سبحانه أقرب إلى عباده المتضرعين، والله تعالى جعل التضرع إليه سببًا في اتقاء سخطه وعذابه، ومعيناً على الاستغفار، والتوبة، والإنابة،
والرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد المتضرعين، فقد كانت حياته كلها تضرعا لله، ففي كل أحواله كان متضرعا خاشعا متذللا لربه تبارك وتعالى، فحينما أراد الاستسقاء: خرج متواضعا متضرعا، حتى أتى المصلى، فلم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، حتى سقاه الله، وفي الجهاد: رأيناه صلى الله عليه وسلم يتضرع ويدعو في غزوة بدر، ويستنصر ربه، حتى أنزل الله المدد: ففي صحيح مسلم: (قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ». فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ) فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ). وعند الكرب كان يتضرع إلى ربه، ففي صحيح البخاري: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ»،
والتضرع إلى الله نهج جميع الأنبياء والمرسلين، فكان التجاؤهم لله سبحانه سمة بارزة في سيرتهم، حين كان ينزل بهم البلاء ،ويشتد عليهم الكرب، فهذا نوح عليه السلام يناجي ربه بأن ينجيه من الكرب العظيم، قال تعالى: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (75)، (76) الصافات،
وهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام يتضرع إلى الله أن يجعل أفئدة الناس تهوي إلى مكة، حيث ترك زوجته وولده، فقال: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (37) إبراهيم،
وهذا نبي الله أيوب عليه السلام يتضرع إلى الله أن يكشف عنه ضره، (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) (83)، (84) الأنبياء، فما تضرع إلى الله تعالى عبد إلا وكشف الله عنه ضره، واسبغ عليه نعمه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (التضرع)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وللدعاء والتضرع إلى الله فضائل متعددة، ومنها: النجاة من الكروب، ورفع البلاء النازل، والنجاة من عذاب الله، ونيل رضا الله وبلوغ جنته، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [هود: 23]،
ألا فلنكثر من المسألة والتضرع، وذكر الله، وعمل الخيرات، ونلحُّ في الدعاء، (فعَنْ عَائِشَة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: (إِذَا سَأَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيُكْثِرْ ،فَإِنَّهُ يَسْأَلُ رَبَّهُ) رواه ابن حبان، فإذا أصاب العبد ما يكرهه، أو خشي ما يصيبه، فمن السنة أن يدعو الله تعالى ويتضرع إليه أن يرفع عنه البلاء، ويصرف عنه شر ما يخشاه. ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ». وروى الحاكم وحسنه الألباني: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة). وفي سنن البيهقي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاَءِ الدُّعَاءَ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا». قَالُوا إِذاً نُكْثِرُ. قَالَ «اللَّهُ أَكْثَرُ». الدعاء