خطبة عن حديث (تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ)
يناير 5, 2019خطبة عن: ( لاَ عَدْوَى )
يناير 12, 2019الخطبة الأولى التفاؤل والتشاؤم : ( لاَ طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ )
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« لاَ عَدْوَى ، وَلاَ طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ » قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ « كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ »
إخوة الإسلام
الطيرة هي التشاؤم (بمرئي كرؤية طائر أو انسان ) أو بمسموع ( كأن يسمع كلمة من انسان فيتشاءم منها ) والعرب كانوا إذا عزموا على أمر ، أتوا بطائر ، فأطلقوه ، فإن راح الطائر جهة الشمال ، تشاءموا ، وتوقفوا عن الأمر ، وإن راح الطائر جهة اليمين ، تفاءلوا ومضوا فيه ، فجاء الإسلام وأنكر ذلك وأبطله ، فالتشاؤم ليس له أصل ، ولا ينطبق على الحقيقة، وهو من فعل الشيطان، فلذلك لا ينبغي للإنسان أن يتشاءم ؛ لا من رقم، ولا من يوم، ولا من شخص قال الله تعالى :(طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ) [ يس : 19]، ومعنى الآية أن الإنسان أخطاؤه وذنوبه هي التي تسبب له المتاعب ؛ وأن استقامته وإخلاصه تسبب له البهجة والسعادة، فسعادتك منك، وشقاؤك منك، فلا علاقة لأحدٍ بذلك، أما أن تنسب هذا الشر إلى فلان، أو هذا الشر إلى هذا الرقم، أو هذا الشر إلى هذا اليوم، أو هذا البيع الذي لم ينعقد إلى فلان، لما دخل علينا لم ينعقد ، فهذا كله كلام لا معنى له، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الطِّيَرَة شِرْك، الطِّيَرَة شِرْك، الطِّيَرَة شِرْك) رواه أبو داود، قال النووي: «الطيرة شرك أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر، وإذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد».
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ ، قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ « كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ »، فالتفاؤل سنة نبوية، وصفة إيجابية للنفس ، والتفاؤل يترك أثره على تصرفات الإنسان ومواقفه، ويمنحه سلامة النفس ،والهمة العالية، ويزرع فيه الأمل، ويحفزه على العمل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن الذي له علاقة بالعمل والأمل، ففي أشد المواقف وأصعبها كان صلى الله عليه وسلم يغرس في نفوس أصحابه الضعفاء والمضطهدين التفاؤل والأمل، وعدم اليأس واليقين بموعود الله ونصر عباده المؤمنين ، وقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ :بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ ، فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ . فَقَالَ « يَا عَدِىُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ » . قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا . قَالَ « فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ ، حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ ، لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ » – قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِى فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلاَدَ « وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى » . قُلْتُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ قَالَ « كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ ، فَلاَ يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ ،….. قَالَ عَدِىٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ ، لاَ تَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ – صلى الله عليه وسلم – « يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ »
أيها المسلمون
فما أحوجنا إلى اتباع هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التفاؤل ،بل في حياته وأخلاقه كلها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاءل بالرؤية الصالحة التي يراها ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقِبَةَ فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ » .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية التفاؤل والتشاؤم ( لاَ طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ)
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زال حديثنا موصولا عن بعض الصور من تفاؤل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ففي يوم الحديبية، يوم أن منع أهل مكة محمدًا (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه من العمرة، وأرادوا المفاوضات حول ذلك الأمر، أرسلوا رسلاً يفاوضونه فلم يصلوا إلى صلح، فأرسل أهل مكة رجلاً – أسلم فيما بعد – اسمه سهيل بن عمرو، فقال (صلى الله عليه وسلم): «لقد سهَّل الله لكم من أمركم» تفاؤلاً باسم الرجل ، وفي موطإ مالك :(عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلَقْحَةٍ تُحْلَبُ « مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا اسْمُكَ ». فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ مُرَّةُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اجْلِسْ ». ثُمَّ قَالَ « مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا اسْمُكَ ». فَقَالَ حَرْبٌ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اجْلِسْ ». ثُمَّ قَالَ « مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا اسْمُكَ ». فَقَالَ يَعِيشُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « احْلُبْ ». وعندما أسمى الامام علي ( رضي الله عنه ) ولديه ( الحسن والحسين حربا ، سماهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حسنا وحسينا )
وللتفاؤل فوائد متعددة ، وثمار كثيرة ، فمن فوائد التفاؤل: – حسن الظن بالله تعالى، وأنه يجلب السعادة إلى النفس والقلب ، والتفاؤل فيه ترويح للمؤمن وسرور ، وفي الفأل الحسن تقوية للعزائم، ومعونة على الظفر، وباعث على الجد. وفيه اقتداء بالسنة المطهرة،
الدعاء