خطبة عن حديث: (سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
يناير 19, 2019خطبة عن (مع الزهد والزاهدين)
يناير 19, 2019الخطبة الأولى (التكافل والتضامن الاجتماعي ) (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا .جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما:(عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُمْ ».
إخوة الإسلام
لقد حثَّ الإسلامُ المؤمنين على أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يُعِينَ بعضُهم بعضًا على نوائب الدهر، وكذا تفريجُ الكُربات، وإعانةُ ذوِي الحاجات، وإنظارُ المُعْسِر ،وجعَل الاسلام ذلك من أعظم الأعمال، وأفضل القُرُبات والمندوبات في أوقات الأزمات، وهو ما يسمى اليوم ( بالتكافل والتضامن الاجتماعي ) ،فالتكافل والتضامن الاجتماعي بابٌ عظيمٌ من أبواب الثواب والأجر، فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ .. ) ، ومن الأمثلة العظيمة على التكافل الاجتماعي والتعاون على البر والتقوى: ما كان يفعلُه الأشعريون قديمًا، ففي الحديث المتقدم ، في الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ ، فَهُمْ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُمْ » ،فجعَلَهم النبيُّ منه ،وجعل نفسَه منهم ، وذلك تكريمًا لهم على هذا الصنيع المبارك. قال الإمام النووي -عليه رحمة الله تعالى – صاحب رياض الصالحين : (معنى « أَرمَلُوا » : فَنِيَ طَعَامهمْ . وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضِيلَة الْأَشْعَرِيِّينَ ، وَفَضِيلَة الْإِيثَار وَالْمُوَاسَاة ، وَفَضِيلَة خَلْط الْأَزْوَاد فِي السَّفَر ، وَفَضِيلَة جَمْعهَا فِي شَيْء عِنْد قِلَّتهَا فِي الْحَضَر ، ثُمَّ يَقْسِم ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهَذَا الْقِسْمَة الْمَعْرُوفَة فِي كُتُب الْفِقْه بِشُرُوطِهَا ، وَمَنَعَهَا فِي الرِّبَوِيَّات ، وَاشْتِرَاط الْمُوَاسَاة وَغَيْرهَا ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد هُنَا إِبَاحَة بَعْضهمْ بَعْضًا وَمُوَاسَاتهمْ بِالْمَوْجُودِ ). كما جاء في فضائل التكافل الاجتماعي قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ ) رواه ابن حبان بإسناد صحيح. ودعا الاسلام إلى الايثار : وهو تفضيل الآخر على نفسك ،رغم حاجتك للمال ،أو لغيره مما ينفق في سبيل الله تعالى ،وذلك كما في قوله تعالى :(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر 9 ، فحقيقة الإيثار على النفس : هو بذل المال للغير عند حاجته ، مقدما بذلك غيره على نفسه، كما فعل الصديق رضي الله عنه حين تصدق بكل ماله ، كما في سنن الترمذي بسند صحيح :(وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ »قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ، وروى الامام مالك في الموطإ :(عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِىَ صَائِمَةٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إِلاَّ رَغِيفٌ فَقَالَتْ لِمَوْلاَةٍ لَهَا أَعْطِيهِ إِيَّاهُ. فَقَالَتْ لَيْسَ لَكِ مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ أَعْطِيهِ إِيَّاهُ قَالَتْ فَفَعَلْتُ – قَالَتْ – فَلَمَّا أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ – أَوْ إِنْسَانٌ – مَا كَانَ يُهْدِى لَنَا شَاةً وَكَفَنَهَا فَدَعَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ كُلِى مِنْ هَذَا هَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِكِ ). وكما فعل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تصدق بالعير وما تحمله من تجارة حين قدمت والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فخرج الناس إليها.
أيها المسلمون
فعلى المسلم أن يبادرَ إلى فعل الخيرات، وأن يُكثرَ التقربَ إلى الله بإعانة المحتاجين، فإن في ذلك تفريجًا لكرُباته يومَ القيامة، ولا يخفَى عِظَمُ كُربات الآخرة بالنسبة لكُربات الدنيا، فمن كسا لله عزّ وجلّ كساه الله، ومن أَطعمَ لله عزّ وجلّ أطعمَه اللهُ، ومَن سقَى لله عزّ وجلّ سقاه الله، ومن عفا لله عزّ وجلّ أعفاه الله. فبَقَدْرِ زهدك في الدنيا ونفعك للناس يكون حبُّ الله لك، وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إذَا عَمِلْته أَحَبَّنِي اللَّهُ ، وَأَحَبَّنِي النَّاسُ ، فَقَالَ : ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّك اللَّهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبَّك النَّاسُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ ، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ .
أيها المسلمون
ومن المعلوم أن التضامن والتكافل الاجتماعي في الإسلام هو نظام كامل متكامل وشامل، يسعى إلى تحقيق العيش الكريم لكل فرد في المجتمع – سواء أكان مسلماً أو غير مسلم-، وليس أدل على ذلك ممَّا ذكرته كتب السيرة، أن أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، رأى شيخاً متوكئاً على عصاه وهو يسأل الناس، فسأل عنه، فقيل: إنه كتابي، وفي رواية – نصراني- فقال: «خذوا هذا وضرباءه إلى بيت المال، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته وتركناه عند شيبه» (كتاب الخراج لأبي يوسف). وفي فضل حُسْن المعاملة والتجاوز عن المُعْسرين جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّ رَجُلاً لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى، أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَلَمَّا هَلَكَ، قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لا، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ لِي غُلامٌ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى، قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، قَالَ اللَّهُ، تَعَالَى: قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ) (أخرجه النسائي).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الأولى (التكافل والتضامن الاجتماعي ) (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا .جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي فضل ( التضامن والتكافل الاجتماعي ) وقضاء حوائج الناس جاء في الحديث عَنِ ابن عمر، رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لهُ، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ) (أخرجه الطبراني في المعجم الكبير). ومن المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف، جعل من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى إدخال السرور على الناس، حيث إنه يساعد الناس، فلا يأتيه مريض أو فقير أو محتاج إلا أعانه، فهو يقضي حوائجهم وَيُفرّج كرباتهم ويغيث الملهوفين منهم، فقضاء حوائج الناس وتنفيس الكربات وفعل المعروف وعمل الخير، صفات كريمة ينبغي على المسلم أن يتحلى بها. فما أحوج أبناء أمتنا اليوم إلى التراحم والتكافل فيما بينهم، بأن يعطف الغني على الفقير ويرحم القوي الضعيف، فنحن أبناء أمة واحدة، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً، وروى البخاري في صحيحه : أن (النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى »
الدعاء