خطبة عن (وقفات وتأملات في سورة الفاتحة
أبريل 21, 2018خطبة عن قوله تعالى (فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
أبريل 21, 2018الخطبة الأولى ( التنوع والتوازن والشمول .. في شخصية الرسول )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الاحزاب (21)، وروى الترمذي بسند صحيح : ( عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فقال :(فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِىي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ». وفي سنن البيهقي :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ ».
إخوة الإسلام
إن العقل البشري يقف عاجزا أمام شخصية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وإذا كانت الأمور التي تحيّر الدارس لشخصيته كثيرة، ولكن من أبرز الجوانب المحيرة لنا ،ولغيرنا من غير المسلمين ، هو: ذلك ( التنوع والتوازن والشمول .. في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ) فجوانب شخصية الرسول –صلى الله عليه وسلم- متعددة تعددًا يجعله منفردًا، وليس عن البشر العاديين فحسب ،بل حتى عن الرسل المصطفين ، والأنبياء المختارين ، فشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم تمثلت فيها كل جوانب الحياة، فكان أبًا، وكان زوجًا، وكان رئيس دولة ومؤسسها، وكان القائد الأعلى لجيش الإسلام والمحارب الفذ، وبعث للإنسانية عامة ،فشرع لها بأمر الله ،ما يلزمها في كل جوانب حياتها ،العقدية ،والعبادية ،والاقتصادية ، والاجتماعية والأخلاقية ،والسياسية، وكان صلى الله عليه وسلم المستشار والقاضي ،والمربي والمعلم والمهذب ،والعابد والزاهد ،والصابر والرحيم… إلى آخر صفاته -عليه الصلاة والسلام- التي استوعبت كل جوانب الحياة. ومن الواضح أن الحكمة في (التنوع والتوازن والشمول في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ) ،أن الله -جلّت حكمته- جعل الإسلام المنزل على رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- جعله نظامًا شاملاً لجوانب حياة البشر كلها، وجعل حياة رسوله نموذجًا حيا ، وتطبيقا عمليا لدينه كله في كل جوانبه، فالبشر فيهم الأب والابن والزوج، وفيهم السياسي ،والاقتصادي ،ورجل الشورى، وفيهم المحارب والمسالم، وفيهم المبتلى والمعافى، وفيهم الراعي والرعية، وفيهم العامل والتاجر، فالحياة البشرية متعددة الجوانب، وكل إنسان يعيش حياته تختلف في بعض جوانبها أو تتفق مع الآخرين، وقد فرض الله على البشر -على اختلاف مستوياتهم وابتلاءاتهم – أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتهم في كل شيء، فلابد أن تكون شخصيته صلى الله عليه وسلم متعددة الجوانب والمواقف ، ليكون موافقا لهذا التعدد، وليكون قدوة لكل البشر في كل شيء ، بل ومن الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، قد تعرض لكل الابتلاءات والاختبارات والفتن التي قد يتعرض لها البشر ،ليكون لهم فيه أسوة حسنة ، وقدوة طيبة في تعاملهم مع هذه الابتلاءات ، فعلى سبيل المثال لا الحصر : فالرسول صلى الله عليه وسلم ابتلي بالصحة والمرض ، والفقر والغنى ، والفرح والحزن ، والضيق والفرج ، والحب والكراهية ، ووهب الأولاد ، وفقد الأحباب ،وشكر في أخلاق ، واتهم في عرضه ، وتكلموا في عدله ، وكذا في ظلمه وجوره ،وعاش سعادة مع زوجاته ،ولقي منهن اعراضا ،وانتصر جيشه مرات ،وهزم جيشه أخرى ، أحبه من أحبه ،وابغضه من أبغضه ،وهكذا .. فقد تعرض صلى الله عليه وسلم لكل أنواع الابتلاءات ،ليكون قدوة للمسلمين في كل ابتلاء يتعرضون له في حياتهم ، عملا بقوله تعالى :( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الاحزاب (21)، ونحن لضعفنا وقلة علمنا ، فلا نستطيع أن نحيط بجوانب شخصية الرسول –صلى الله عليه وسلم كلها ، ولكننا سوف نشير إلى بعضها، فنقول:
أولاً: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان الأخلاقي الأول؛ قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، حيث أن أبرز سمة في شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- المتعددة الجوانب أخلاقياته التي لا مثيل لها، والتي جمعت أخلاقيات العالم كله، مع انعدام التصرفات غير الأخلاقية. فأخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- العظيمة ، هي ميزة شخصيته الكبرى، حتى إنه ليحدد مهمة رسالته بقوله: « إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ » رواه أحمد، وأخلاقه كما وصفته سيدتنا عائشة -رضي الله عنها- هي القرآن؛ ففي مسند أحمد (عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ سَأَلَتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ : (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ ). فقد كان صلى الله عليه وسلم قمة الأخلاق ، فكان القمة في الصبر، والرحمة ،والحلم، والكرم، والتواضع، وغيرها وغيرها… ، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الميزان الذي توزن بتصرفاته أخلاق البشر، ويتحدد بهذه التصرفات حدود كل خلق، فلا يطغى خلق على خلق ، والعالم لم يعرف ارتفاعًا في الأخلاق في كلياتها وجزئياتها وأبعادها وشمولها ، كما عرفه في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكما شهد بذلك القرآن العظيم، وأن منتهى آمال أهل الأخلاق أن يقلدوه في خلق واحد من أخلاقه، وهم لا يرتقون بهذا الخلق إلا إلى بعض ما عنده -صلى الله عليه وسلم-.
ثانيًا: (ومن جوانب التنوع والتوازن والشمول .. في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ): أنه كان رجل الأسرة الأول: فقد كان يعدل بين نسائه في السكن والنفقة والكسوة والمبيت والزيارات والوقت، وكان إذا أراد السفر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وأنه كان ينزل على مشورة بعض نسائه، وأنه كان يسمح لهن بمناقشته، وكان يداري قلوبهن حتى تصفو، وكن يأخذن حريتهن في الكلام فيسمع ويرد ويؤدب، ويحفظ لخديجة -رضي الله عنها- ذكراها بشكل منقطع النظير، فهو آية الوفاء في دنيا المروءة، وكان من وفائه لها أن يبر كل امرأة كانت لها صلة بخديجة، ثالثًا: (ومن جوانب التنوع والتوازن والشمول .. في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ): أنه كان المعلم والمربي الأول: فقد حدد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهمته بقوله كما في صحيح مسلم : (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا ».والقرآن الكريم ذكر هذه المهمة الأساسية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصراحة فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، فقد أحصت هذه الآية من مهمات الرسول التعليم والتربية، تعليم الكتاب والحكمة وتربية الأنفس عليهما، وكان الجانب الأعظم من حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستغرقًا بهذا الجانب، إذ إنه هو الجانب الذي ينبع عنه كل خير، ولا يستقيم أي جانب من جوانب الحياة سياسيًّا أو اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا أو عسكريًّا أو أخلاقيًّا إلا به، ولا يؤتى الإنسان ،ولا تؤتى أمة ،ولا تؤتى الإنسانية ،إلا من التفريط في العلم الصحيح، والانحراف عنه، إما إلى الجهل ،أو إلى ما يضر علمه ولا ينفع. فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بدأ تشكيل أمة جديدة ،لها كل مقوماتها ،الفكرية ،والسلوكية ،والأخلاقية والتشريعية، والدستورية، خذ مثلاً شخصية عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كيف كان في الجاهلية، ولولا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعاش عمر ومات عمر وما أحس به أحد، ولكنه ما إن يشرب كأس الإسلام من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يصبح عمر العبقري الفذ، ورجل الدولة العظيم الكبير، ورمز العدل الذي لا يكون إلا معه مع الحزم والرحمة، وسعة الأفق ،وصدق الإدراك ،وحسن الفراسة، ما كان لعمر رضي الله عنه أن يكون شيئًا ،لولا أنه تربى في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فأخذ منه العلم ،والحكمة ، والتربية. وأيضا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- راعي الإبل المهان في قريش، الذي ما كان ليعرفه إلا سيده ومن يستخدمه، هذا الرجل النحيل القصير الحَمِش الساقين، ماذا يصبح بعد أن ربته يد النبوة؟! ، يصبح الرجل الذي يعتبر مؤسس أكبر مدرسة في الفقه الإسلامي ،والتي ينتسب إليها أبو حنيفة النعمان، ويصبح الرجل الذي يقول فيه عمر لأهل الكوفة: لقد آثرتكم بعبد الله على نفسي. إن العالم ما شهد ولن يشهد مربيًا كنبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد فعل ما فعل بإمكانياته المحدودة ماديًا، وبشعب أمِّي عمليًّا، ونقل أمة بهذه الفترة المحدودة في الناحية النفسية والأخلاقية والفكرية والحضارية والعسكرية والسياسية.
رابعًا: ( من جوانب التنوع والتوازن والشمول .. في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ): أنه كان رجل الدولة الأول سياسيًّا : فقد كان -صلى الله عليه وسلم- قائدًا سياسيًّا فذًّا، فقد استوعب دعوته ووثق في نصرها، وقد كان يعرف ما يريد ،ويوضح لأصحابه كيف ستفتح بلاد فارس والروم، وقد كان بارعًا في الإقناع، فقد دخلت أقوام في دعوته نتيجة براعته في الدعوة والإقناع، وقد استوعب المستجيبين للدعوة تربية وتنظيمًا وتيسيرًا، وكان أتباعه يثقون الثقة المطلقة به، وكان يعرف إمكانياتهم ويوجههم بحسبها، وكان يحل المشكلات الطارئة، وكان يفاوض ،ويقاتل ،ويسالم ،وهو بعيد النظر والمعرفة بالواقع، وقادر على الاستفادة من النصر، وعلى إقامة دولة استطاعت أن تبقى قرونًا طويلة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( التنوع والتوازن والشمول .. في شخصية الرسول )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن الدين جاء ليحكم الحياة، وتأثير الحكام على واقع الناس كثيرٌ، ولا أحد يجادل فيه، فأنا وأنتَ نؤثر على فرد أو فردين أو ثلاثة، لكن الله يَزَع بالسلطان ما لا يَزَع بالقرآن، والوسائل التي تمتلكها السلطات في هذا العصر وسائل جبارة وكبيرة ،وتساهم مساهمة كبيرة في صياغة حياة الناس ،وعقولهم وتفكيرهم، وفي هذا ما يردّ على من يدعي أن المسلم عليه أن يعيش في المسجد فحسب ، ولا يخرج إلى الحياة فيقودها ، ويحكمها بشرع الله ، كما يدعي من يدعي. والنبي -صلى الله عليه وسلم- جاء بإصلاح الدين، وإصلاح الدنيا، والجمع بين مصلحة الروح والجسد، وحث على القيام بالأمرين، وأن كل واحد منهما ممهد للآخر، ومعين عليه. فكان -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه كما في صحيح مسلم : « اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِيَ الَّذِى هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِى وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِى وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ ». فهذه الشمولية كانت من أبرز خصائص دعوته -عليه الصلاة والسلام-. خامسًا: (ومن جوانب التنوع والتوازن والشمول .. في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ): أنه كان الرجل العسكري الأول: فنبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- في القيادة العسكرية كان قائدا فذا ، ويمثل دائمًا القمة التي لا يرقى إليها الآخرون، فقد كان يخطط ويحارب ،ويستعمل الخدعة ،ويبعث بالسرايا والمستطلعين ،ويستخدم كل الفنون الحربية،
أيها المسلمون
إن التنوع والتوازن والشمول .. في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ) تعني أن حياته هي الأسوة ، بحيث أنها تسع الناس زماناً ومكاناً ،وأشخاصاً ،بالقدوة والهداية، وذلك ما لم يتوفر لسيرة بشرٍ على الإطلاق إلا لسيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم، فهي وحدها التي يجد فيها كلُّ أصنافِ الناس وطبقاتهم وفئاتهم القدوة في كل زمانٍ ومكان. فالحاكم أو الأمير أو الرئيس يجد في السيرة النبوية الزكية زاده وقدوته في أصول القيادة والسياسة وإقامة العدل، والمحكوم يجد في السيرة زاده كذلك ، وقل مثل ذلك في القضاة والخصوم، وفى الجنود والمحاربين، وفى الأغنياء والفقراء، وفى التجار والزُّراع والصناع، وفى الدعاة والمصلحين ، وكل طوائف المجتمع، فكل أولئك إذا اتخذوا من السيرة المباركة أسوةً وقدرةً وجدوا فيها النور الذي يُسْتَضاء به في ظلمات الحياة، والمثل الأعلى الذي تنشده الإنسانية. لقد عاش صلي الله عليه وسلم غنيا، ورأينا كيف كان ينفق من ماله بلا حساب، وعاش فقيراً ولو شاء أن تسيل معه جبال الدنيا ذهبا وفضة، لسالت. وكان لا يدخر لقوته، ولما أدركه الموتُ، كان يقول لأهله وهو في سكرات الموت: إن هناك سبعة دنانير عنده، ويدلهم على مكانها، ويأمرهم بإخراج هذه الدنانير، ثم يُغمى عليه، ثم يفيق فيسأل: ماذا فعلتم بالدنانير؟!! صلى الله عليك يا رسول الله! وكان أباً، وعلم الآباء كيف تكون التربية، فهو رحيمٌ يُقَبِّل الأولادَ ويَحْنُو عليهم ويَعِظُهم ويُعلِّمهم برفق ، وإذا أردت أن تتأسى به قاضيا مثلا، فإنك تجده صلي الله عليه وسلم ينصح القاضي ويقول: “لاَ تَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَان”، وعندما تقضي لا بد أن تقضي بالعدل، وإن استطعت أولاً أن تصلح بين الخصمين، فلابد أن تصلح بينهما، وإذا لم تستطع، فلا بد أن تقضي بالحق. وهكذا .. لو أردت في أي مجال من مجالات الحياة وفي كل أحوالها أن تؤلف كتابا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فستجد أن حياته صلي الله عليه وسلم على قصرها كانت هداية وقدوة لكل شخص في كل حال، فقد تزوج وطلق، وحارب وسالم، وعادى ووالى، وباع واشترى، وفعل كل شيء فيه أسوة وقدوة ، فكان حقا صلى الله عليه وسلم متنوعا ومتوازنا وشاملا.
الدعاء