خطبة عن قوله تعالى (جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا)
فبراير 3, 2018خطبة عن (شفاء القلوب من أمراض الذنوب)
فبراير 10, 2018الخطبة الأولى ( التورع عن الفتيا ، وصفات العالم المفتي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (7) الأنبياء، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَسَّانَ الأَعْرَجَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى الْهُجَيْمِ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا هَذِهِ الْفُتْيَا الَّتِي قَدْ تَشَغَّفَتْ أَوْ تَشَغَّبَتْ بِالنَّاسِ أَنَّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ فَقَالَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- وَإِنْ رَغِمْتُمْ ). وفي سنن أبي داود : أن أبا (هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أُفْتِىَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ ». زَادَ سُلَيْمَانُ الْمَهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ « وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ ».
إخوة الإسلام
إن التّصدُّر للفتوَى أمرٌ عظيمٌ ، ولا يجوزُ الإقدامُ عليه إلاَّ لمن كان ذا عِلمٍ وافر وعقلٍ سَديد، وعلى هذا المنهجِ تربّى السلَف الصالح، وتواصى عليه العلماءُ الربانيون، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: (أيُّ سماء تُظِلُّني وأيُّ أرضٍ تُقِلُّني إن أنا قُلتُ في كتاب الله ما لا أعلم؟!)، ويقول عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله: “أدركتُ عشرين ومائةً من أصحابِ رسول الله ، فما كان مِنهم مُحدِّثٌ إلاَّ ودَّ أنَّ أخاه كفاه الحديث، ولا مُفتٍ إلاَّ ودَّ أن أخاه كفاه الفُتيا”. فالفتوى مجالٌ عظيمُ الخطر ،كبيرُ القدر، فلا بدّ من إحكامِ قواعدِها الشرعيّة ،وضوابطها الدينيّة، خاصةً في نوازل الأمّةِ ، وأيّام الفتن، قال الله سبحانه: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون) [النحل: 116]، وفي الصحيحين :(عَنِ الْمُغِيرَةِ – رضى الله عنه – قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ كَذِبًا عَلَىَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ ، مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ » ، وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَقَوَّلَ عَلَىَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَمَنِ اسْتَشَارَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ فَقَدْ خَانَهُ وَمَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا غَيْرِ ثَبْتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ » ، وفي الصحيحين :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا ، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا »
أيها المسلمون
وقد علم سلفنا الصالح خطورة الفتوى ، وكانوا يهربون منها ، ولا يتحرجون من قول : ( لا أعلم ، ولا أدري ، والله أعلم ) ، قال عليٌّ رضي الله عنه: (وا بَردها على كبدي ـ ثلاث مرات ـ، أن تسألَ الرجلَ عمّا لا يعلم، فيقول: الله أعلم)، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إذا غفل العالم عن لا أدري أُصيبَت مقاتِلُه)، وعن عقبةَ بن مسلم قال: صحبتُ ابن عمر رضي الله عنه أربعةً وثلاثين شهرًا، فكثيرًا ما كان يُسأَل فيقول: لا أدري، ثم يلتَفتُ إليَّ فيقول: تَدري ما يريدُ هؤلاء؟! يريدون أن يجعلوا ظهورَنا جِسرًا إلى جهنّم. وقال بعضهم: (كان الصحابة يتدافعون أربعةَ أشياء: الإمامةَ، والوصيةَ، والوديعةَ، والفُتْيَا. وقد جاء رجل من أهل البادية طلق امرأته ثلاثاً إلى عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر فقال: ما تريان؟ فقال ابن الزبير: “إن هذا الأمر ليس لنا فيه قول، فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم ائتنا فأخبرنا، يعني لا يكفي أن تذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة وتسمع الفتوى وتذهب إلى امرأتك، إما لفراقها أو لإعادتها، على حسب الفتوى، لا يكفي هذا، ولكن ارجع إلينا فأخبرنا بما قال لك، فذهب السائل فسألهما، فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته، أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة، ويقول عبد الله بن الإمام أحمد: كثيراً ما يسأل الإمام أحمد عن المسائل فيقول: لا أدري، ويقف إذا كانت مسألة فيها اختلاف وكثيراً ما يقول: سل غيري ،فإن قيل له: من نسأل؟ قال: سلوا العلماء، ولا يكاد يسمي رجلاً بعينه، وقال: وسمعت أبي يقول: “كان ابن عيينة لا يفتي في الطلاق، ويقول: من يحسن هذا”. مع أنه من أهل الفتوى المعروفين ، وقال ابن عباس: “كل من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون”. يقول عبد الرحمن بن مهدي: “سأل رجل من أهل المغرب مالك بن أنس عن مسألة فقال: لا أدري، فقال: يا أبا عبد الله تقول لا أدري؟ قال: نعم، فأبلغ من وراءك أن مالك قال لا أدري”. وأقوالُ التابعين في ذلك مشهورةٌ متواتِرة، قال أبو حصين : “إنَّ أحدَكم ليُفتي في المسألة ولو ورَدت على عمَرَ لجمع لها أهل بدر”، وقال أبو عثمان الحدَّاد: “مَن تأنَّى وتثبَّت تهيَّأ له من الصّواب ما لا يتهيَّأ لصاحب البديهة”، ومكَث سُحنون متحيِّرًا في فتوى ثلاثةَ أيام، ولما قيل له قال: مسألةٌ معضِلة، قال المُستفتي: أنتَ لكلّ مُعضِلة، قال: هيهات يا ابن أخي، ليس بقولك هذا أبذُلُ لك لحمي ودمي إلى النار.
أيها المسلمون
وليتذكَّر من ابتُلِي بالفتوَى وجوبَ التثبُّت والتأنِّي، ومراعاة المشورة وتقليب أوجه النظر، وعدم التسرُّع والتعجُّل، فبذلك يقع المُفتي في الزّلل، ويُجانبُ الصواب، كما نرى ذلك في أرض الواقع اليوم . قال مالك: “العجلة في الفتوى نوعٌ من الجهل والخَرَق”، وقال ابن القيم: “وكان السّلَف من الصحابة والتابعين يكرَهون التسرُّع في الفتوى”، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِزِيَادٍ : هَلْ تَدْرِى مَا يَهْدِمُ الإِسْلاَمَ؟ زَلَّةُ عَالِمٍ وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ ولنتذكَّر أنّ أعظمَ الضماناتِ لصحّة الفتوى واستقامتِها على طريقةِ الشريعةِ الإسلامية الحرصُ على مراعاةِ التورُّع عن الفتوَى ما أمكَن، قال عطاء رحمه الله: “أدركتُ أقوامًا إن كان أحدُهم ليُسأَل عن الشيءِ فيتكلَّم وإنّه ليرعُد”، وسئل الشعبي مرة عن مسألة فقال: (لا عِلْمَ لي بها)، فقيل له: ألا تستحي، فقال: (ولم أستحي مما لم تستحِ الملائكة منه حين قالت: ﴿ لَا عِلْمَ لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾ البقرة: 32 ، وقال العلماء: (كـان ابـن عمر رضي الله عنهما يُسْأَلُ عن عشر مسائل فَيُجِيبُ عن واحدةٍ ويَسْكُتُ عَن تِسْعٍ). والعلماء ينقلون عن مالك ويتداولون في كتبهم، أنه سئل عن أربعين مسألة فأجاب عن ست وثلاثين مسألة بقوله: لا أدري، وأجاب السائل عن أربع. وكان ابنُ المسيّب لا يكاد يُفتي إلا قال: اللهم سلِّمني وسلِّم مني، وقال سفيان الثوري: “أعلمُ الناس بالفُتيا أسكتُهم عنها، وأجهلُهم بها أنطقُهم”، وقال مالك رحمة الله: “ما أفتيتُ حتى شهِد لي سبعون من أهل المدينة أني أهلٌ لذلك”، ثم قال: “أدركتُ أهلَ العلم والفقه ببلدنا إذا سُئِل كأن الموتَ أشرفَ عليه”، ويقول أيضًا لمن سأله: “ويحك! تريد أن تجعلني حُجَّة بينك وبين الله، فأحتاج أنا أولاً أن أنظرَ كيف خلاصي، ثم أُخلِّصُك”، ويقول الشافعي رحمه الله: “ما رأيتُ أحدًا جمع الله جلّ وعلا فيه من آلة الفُتيا ما جمع في ابنِ عيينة أَسكَتَ منه على الفُتيا”، وعن سُحنون أنه قال يومًا: “إنا لله، ما أشقى المُفتي والحاكم!”، ثم قال: “ها أنا ذا؛ يُتعلَّمُ مني ما تُضرَب به الرقاب، وتُوطَأ به الفُروج، وتُؤخَذ به الحقوق، أما كنتُ عن هذا غنيًّا؟!”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( التورع عن الفتيا ، وصفات المفتي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومع هذا فلابدّ للناس ممن يجيبهم في مسائلِ دينهم، ويُبيِّن لهم أحكامَ ربِّهم، ولكن هذا يجب أن لا يقومَ به إلا العلماء المُؤَهَّلون الذين بلغوا في العلمِ أعمَقَه، وفي العقل أرجحه، وفي الحكمةِ أتمَّها، وفي التروِّي أشدَّه، وفي الخبرة أعظمَها. وقد جاء الوعيد الشديد في حق من كتم العلم ، وفي حق من جرؤ على العلم، وقال فيه بغير مستند، ولا دليل، ولا برهان من الكتاب والسنة. يقول الله -جل وعلا-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} الأعراف:33 والله -جل وعلا- أخذ العهد وا لميثاق على أهل العلم أن يبينوه للناس ولا يكتموه، ولو لم يسأل، لا بد من البيان ولو لم يسأل الإنسان، لكن إذا سئل تعين؛ لأنه لا يجوز تأخير هذا البيان عن وقت الحاجة.يقول الله -جل وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة:159-160، ويقول -جل وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} البقرة:174 ،ويقول -جل وعلا-: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} آل عمران: 187 وفي صحيح البخاري :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَلَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا ، ثُمَّ يَتْلُو ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ) إِلَى قَوْلِهِ ( الرَّحِيمُ ) ،فالكتمان مغبته وخيمة، كما أن الجرأة من غير تأهل أيضاً شأنها عظيم وخطير، وفي سنن الترمذي 🙁 عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ». وعن ابن مسعود أنه قال : من كان عنده علم فليقل ، ومن لم يكن عنده علم فليقل : الله أعلم ، فإن الله قال لنبيه : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ( صّ:86) ، وعن أبي موسى قال : في خطبته من علم علماً فليعلم الناس ،وإياه أن يقول ما لا علم له به ، فيمرق من الدين ويكون من المتكلفين
أيها المسلمون
والعالم المفتي لا بد من أن يتحلى بهذه الأوصاف الثلاثة: العلم والدين، والورع؛ لأن بعض الناس عنده علم، ولكن ليس عنده ورع، إذا لاح له مطمع دنيوي أو شرف أو جاه، تخطى هذا العلم الذي يحمله، وتجاوزه، وبعضهم ليس عنده دين يحميه وبعضهم ليس عنده علم، فلا بد من توافر الأمور الثلاثة ،وقال عليٌّ رضي الله عنه: (إِنَّ الفَقِيْهَ كُلَّ الفِقيْهِ الَّذِي لَا يُقَنِّطُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ الله، وَلَا يُؤَمِّنُهُم مِنْ عَذَابِ الله، وَلَا يُرَخِّصُ لَهُم فِي مَعَاصِي الله، وَلَا يَدَعُ القُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَا عِلْمَ فِيْهَا، وَلَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَا فَهْمَ فِيْهِ، وَلَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَا تَدَبُّرَ فِيْهَا) . وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: (لَا يَتَمَكَّنُ الْمُفْتِي وَلَا الْحَاكِمُ مِنْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلَّا بِنَوْعَيْنِ مِنَ الفَهْمِ: أَحَدُهُمَا: فَهْمُ الْوَاقِعِ وَالْفِقْهِ فِيهِ وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ مَا وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: فَهْمُ الْوَاجِبِ فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ فَهْمُ حُكْمِ الله الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ، ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ).
الدعاء