خطبة عن (مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)
يوليو 8, 2017خطبة عن (الزكاة والصدقة والفارق بينهما)
يوليو 8, 2017الخطبة الأولى ( التوسل والوسيلة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ [المائدة: 35]، وقال الله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ (56-57) الإسراء
إخوة الإسلام
ما المقصود بالتوسل ؟ ،وما هي الوسيلة ؟ ،وكيف نتوسل إلى الله ؟ ، : جاء في – لسان العرب – الوسيلة: المنزلة عند الملك والدرجة والقربة، ويقول البيضاوي في تفسيره: في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ [المائدة: 35] : أي ما تتوسلون به إلى ثوابه والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي، والوسيلة أيضا هي منزلة في الجنة. وهي التي جاء الحديث كما في صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ». وقال الراغب الأصفهاني : الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحري مكارم الشريعة ، فالوسيلة هي القيام بحقه من توحيده، طاعته بفعل الأوامر، وترك النواهي، وهي الإيمان، والهدى، والتقوى، وهي ما بعث الله به الرسل -عليهم الصلاة والسلام- من قول، ٍوعمل، فهذه الوسيلة واجبة في الواجبات، مستحبة في المستحبات، فالتوسل إليه بتوحيده، والإخلاص له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت هذا أمر لازم وفريضة، في الحجة الأولى من العمر، وكذلك التوسل إليه بترك المعاصي أمر لازم وفريضة، والتوسل إليه بالنوافل، صلاة النافلة، وصوم النافلة، والصدقة النافلة، والإكثار من ذكر الله أيضاً مستحب وقربة وطاعة، وذلك جعله الله من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار، هذه هي الوسيلة في اللسان العربي وفي الفهم الشرعي، ولم نجد من العلماء من قال بأقوال المتأخرين من الضالين: بأن الوسيلة هي التقرب إلى الله بواسطة الأنبياء والأولياء والصالحين. فالتوسل إليه بدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، هذه وسائل شركية يسميها المشركون وسيلة وهي شرك أكبر، وهي المراد في قوله سبحانه: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ) (18) يونس. ويقول -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، (3) الزمر . فهم يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا زلفى، فاتخذوهم وسيلة بهذا المعنى، بدعائهم، وسؤالهم وطلب الشفاعة منهم، والنصر على الأعداء، وشفاء المرضى، ونحو ذلك، وزعموا أنهم بهذا يكون لهم وسيلة وهذا هو الشرك الأكبر، وهذا هو دين المشركين، بل يقول شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام في رسالته – الوساطة: (ومن أثبت الأنبياء وسواهم من مشايخ العلم والدين وسائط بين الله وبين خلقه كالحجاب الذين بين الملك ورعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله تعالى حوائج خلقه، وأن الله تعالى إنما يهدي عباده ويرزقهم وينصرهم بتوسطهم بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملك حوائج الناس لقربهم منه، من أثبتهم الوسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا الخالق بالمخلوق، وجعلوا لله أنداداً. فالمؤمن يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ الاعراف 180 ، وقال تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ الانبياء 83 ، 84 ، وفي مسند الامام أحمد وغيره : ( حدث عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْاَلُكَ بِأَنِّى أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِى لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ . فَقَالَ « قَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِ اللَّهِ الأَعْظَمِ الَّذِى إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ » ، والمسلم يتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ آل عمران 193، وقال تعالى في قصة يونس عليه السلام : ﴿ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ الصافات 143 ، 144، ويتوسل بدعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – كفاحا – وكذلك بدعاء الأولياء والصالحين من الأحياء، فقد قال تعالى في شأن الرسول – صلى الله عليه وسلم -:﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ﴾ النساء 64، وقال تعالى:﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾ التوبة 103، ولما أجدبوا طلبوا منه – صلى الله عليه وسلم – وهو قائم على المنبر أن يدعو الله لهم، فرفع يديه ثم قال: « اللهم أغثنا. اللهم أغثنا» فسقوا. وجاء عمر إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يستأذنه في العمرة، فأذن له ثم قال: « ولا تنسنا يا أخي من صالح دعائك» ، وكان الأسود بن يزيد من صالح التابعين، فقدمه معاوية بن أبي سفيان لصلاة الاستسقاء وقال: اللهم إنا نستشفع إليك بخيارنا، يا يزيد ارفع يديك إلى الله. وعلى هذا فلا يجوز التوسل إلى الله بأهل القبور أياً كانت منزلتهم ولا دعاؤهم والالتجاء إليهم في أي شأن، فقد عد كثير من علماء الإسلام هذا من الأمور الشركية، لأنه دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله. والموحد هو من اجتمع قلبه ولسانه على الله مخلصاً له تعالى الألوهية، وكل من غلا في نبي أو ولي أو صالح فقد جعل فيه نوعاً من الألوهية ، وما أنزل الله الكتب وأرسل الرسل إلا ليُعبد وحده، ولا يدعى معه غيره، والمشركون الذين عبدوا الشمس والقمر والملائكة والجن والأصنام لم ينفعهم قولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فقد افتروا إثماً عظيماً وضلوا ضلالاً بعيداً.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( التوسل والوسيلة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي قصة أصحاب الغار الذين آواهم المبيت، والمطر إلى غار فدخلوا فيه، فانطبقت عليهم صخرة سدت عليهم باب الغار، فقالوا فيما بينهم لن ينجيكم من هذا إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم، فسألوا الله، وتوسلوا إليه بصالح أعمالهم، كما في الصحيحين ( عن سَالِم بْن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ :« انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً ، فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا ، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً ، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَىَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ » . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « وَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَىَّ ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا ، فَامْتَنَعَتْ مِنِّى حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّىَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا ، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ . فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهْىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِى أَعْطَيْتُهَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ . فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِى لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَىَّ أَجْرِى . فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ . فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئْ بِي . فَقُلْتُ إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ . فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ . فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ » . فهذا من لطف الله ومن إحسانه -جل وعلا-، ومن آياته العظيمة أن فرج عنهم، وجعل انطباق هذه الصخرة سبباً لتوسلهم بهذه الأعمال؛ ليعلم الناس فضل الأعمال الصالحة، وأنها من أسباب تفريج الكروب تيسير الأمور وأن الواجب على العبد أن يحذر غضب الله ،وأسباب عقابه، ومتى قدر على المعصية فليحذر، وليبتعد عنها ومتى قدر على البر والخير فليفعل ، هذا هو التوسل المشروع ، وتلك هي الوسيلة كما فهمها العلماء الربانيون .
الدعاء