خطبة عن (الاِسْتِغْفَارِ) مختصرة
أكتوبر 19, 2022خطبة عن (السمعة الحسنة والسيرة الطيبة )
أكتوبر 19, 2022الخطبة الأولى ( التَبْصِرَة ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) ق (6) :(11)
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع قوله تعالى: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) ق: (8)، وبداية فقد خلق الله تعالى السموات والأرض وما فيهما من الآيات العظيمة ،وفعل سبحانه ما فعل: من مد الأرض، ومن تثبيتها بالجبال، ومن إنبات كل صنف حسن من النبات فيها، لأجل أن يبصر عباده بدلائل وحدانيته سبحانه وقدرته، ويذكرهم بما يجب عليهم نحو خالقهم من شكر وطاعة ،يقول ابن عاشور : (وإنما كانت التبصرة والذكرى علة للأفعال المذكورة، لأن التبصرة والذكرى من جملة الحِكم التي أوجد الله تلك المخلوقات لأجلها. وليس ذلك بمقتضى انحصار حكمة خلقها في التبصرة والذكرى، لأن أفعال الله تعالى لها حِكَم كثيرة عَلِمنا بعضها ، وخفي علينا البعض)، فهذا الخلق العظيم فيه دليل على كمال قدرة الله تعالى، وما فيها من الحسن والإتقان، وبديع الصنعة، وبديع الخلقة، وفيه دليل على أن الله أحكم الحاكمين، وأنه سبحانه بكل شيء عليم، وأن ما فيها من المنافع والمصالح للعباد، دليل على رحمة الله، التي وسعت كل شيء، وفيه دليل على جوده، الذي عم كل حي، وما فيها من عظم الخلقة، وبديع النظام، وفيه دليل على أن الله تعالى، هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، ولم يكن له كفوًا أحد، وأنه الذي لا تنبغي العبادة، والذل والحب إلا له سبحانه وتعالى.
أيها المسلمون
وقوله تعالى: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) ق: (8)، فالتبصر والتّبصّرة معناها: النظر في الشيء ،والتأمل فيه ،والعلم به ،وقيل: هي الفطنة، والثّبات في الدّين، ومعرفة الحقّ من الباطل بظهور البراهين، فالمطلوب مِنَ الإنسَان أن يسـتِخْدامَ بصـيرَتِهِ ،وقُدراتِهِ العقليـّة في تَحليل الأمور وفَهْمِها، والبَصيرَةُ هيَ المعْيارُ والمقياسُ لإنسَـانيّةِ الإنْسَـانِ، فَبِدونِ البصيرَةِ لاَ يَكُونُ الإنسانُ إنْسَـاناً، قال الله تعالى: (كَـثيراً مِـنَ الـجِـنِّ والإنْـسِ لَـهُـمْ قُلـوبٌ لاَ يَفْـقَهونَ بِهَـا ولَـهُـمْ أَعْـيُنٌ لاَ يُبْصِـرونَ بِهَـا ولَـهُـمْ آذانٌ لاَ يَسْـمَـعـونَ بِهَـا) الأعراف: 179. لذا ،فقد أنزل الله تعالى البصائر في القرآن الكريم ليستبصر بها أصحاب العقول، ويهتدي بها ألوا الألباب، قال اللّهُ تعالى : (قَد جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِـنْ رَبِّكُمْ فَـمَنْ أبْصَرَ فَلِـنَفْـسِهِ ومَنْ عـمِيَ فَعَلَيْهَا) الأنعام: 104،
فمن نعم الله العظيمة على العبد أن يرزقه البصيرة، وهذه البصيرة التي هي بصر بالشيء وخبرة، وعلم به وفطنة، وإدراك له ونظر فيه، هذه البصيرة هي المعرفة والتحقق والحجة واليقين والبرهان، وهذه البصيرة هي نور في القلب، فإذا قال في الدعاء: (اللهم اجعل في قلبي نوراً)، فإن هذا النور في القلب هو البصيرة، وهو للأرواح كالماء للأرض اليابسة، وهو للقلوب كالضياء للبصر، وهذه البصيرة هي نور يقذفه الله تعالى في قلب العبد، فيرزقه بصيرة في الأسماء والصفات، وفي أمر الله تعالى ونهيه، وفي وعده ووعيده، وقد جاءت البصيرة في قوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ) يوسف: 108، فالبصيرة في الدين من عرفها ورُزقها وذاقها ،فإنه يسير في حياته على هدى من ربه، فلا تختلط عليه الأمور، ولا تتشابه عليه الافهام، لأنه ذو بصيرة ، فهو يعرف ويميز الحق من الباطل، قال الله تعالى : (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الملك:22، وهذه البصيرة هي المذكورة في قوله تعالى: (نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) النور:35، ومن كانت له بصيرة كان ظنه بالله حسناً، ومعرفته بالله طيبة، وكان فهمه للحلال والحرام صحيحاً، جيداً، وكان عنده فقه في الأحكام، وفي المقابل: من حرم البصيرة فقد حُرم ذلك كله، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (39) ،(40) النور، فكن أخي مستبصرًا بالقرآن، مستنيراً بنور القرآن، مستبصراً ببصائر القرآن، مهتدياً بهدي القرآن، فأنت وحدكَ الذي تعلم ميزان نفسكَ، وتعرف بها مقاديرها وتدرك حجمها، قال تعالى: ” بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ” القيامة (14) ،(15) ، فلا يضرّك حينها قادحٌ ،ولا ينفعك مادحٌ، فإذا فقهتها ألجمتها فألزمتها الأدب، فلا أنتَ تُغالي حين التّعالي، ولا أنتَ تسرفُ حين السقوط ،و لا تسعى لتبتغي بينهما سبيلاً.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( التَبْصِرَة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن هذا الكون الكبير الذى نعيش في جزء صغير منه، ليطالبنا القرآن أن ننظر فيه، وأن نتأمل بكل ما لدينا من طاقات، ونعم وإمكانات، وهبها الله تعالى لنا، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِى جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (النحل:78-79). والإنسان خُلِق جاهلا، ولكنّه مزوّد بكل الأدوات والوسائل اللازمة للمعرفة، فوهبه اللهُ السمعَ قبل كل الحواس، ثم البصر، ثم الفؤادَ، وهو العقل، وهذه هي نوافذ الإنسان على الكون الكبير من حوله، فعليه أن يوظفها في معرفته، وقبل ذلك في معرفة نفسه، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} (الطور:35-36). فعلى الإنسان المستخلف في هذه الأرض: أن ينظر في هذا الكون الكبير، الذى يُحيط به، فهو عن يمينه وعن شماله، ومن بين يديه ومن خلفه، ومن فوقه ومن تحته، وقد دعاه ربُّه وخالقُه ،وخالق الكون من قبله، أن ينظر فيه، ليس مجرد نظر العين، ولكنَّ المرادَ نظرُ العقل المفكر، الذى يتأمّل ويتدبّر، ويقارن ويوازن، قال الله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (20) العنكبوت، وقال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (95) :(99) الانعام .
الدعاء