خطبة عن (حسن الخاتمة، وسوء الخاتمة)
يناير 20, 2018خطبة عن اسم الله (الْقَادِرُ، الْقَدِيرُ، المُقْتَدِر)
يناير 20, 2018الخطبة الأولى ( الثبات على الدين الحق وقول الحق)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (112)، (113) هود، وقال الله تعالى : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) الاحقاف 35 ، وروى الترمذي في سننه : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ « نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ».
إخوة الاسلام
إن الثبات على دين الله الحق ، والثبات على قول الحق ،لخلقٌ عظيم، ومعنىً جميل، فالثبات على الإسلام ، والاستمرار على كلمة الحق، نعمة عظيمة ،يمنحها الله لصفوة خلقه، وامتن بها عليهم ، فقال تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم: {وَلَولا أَن ثَبَّتنَاكَ لَقَد كِدتَّ تَركَنُ إلَيهِم شَيئًا قَلِيلاً} [الإسراء: 74]. والثبات يعني الاستقامة على الهدى، والتمسك بالتقى، وحمل النفس على سلوك طريق الحق والخير، والبعد عن الذنوب والمعاصي، وهو أيضاً الالتزام بالمبادئ والقيم، والمداومة في سلوك طريق الخيرات ، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ » ، والثَّبات على الحق في القول والمعتقد ، ليس بالأمر اليسير ، إلا على من يَسَّره الله عليه، وخاصة في زمن الفتن، وتقلب الأحوال؛ فقد يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً؛ يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، كما روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ؛ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا ، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا». ولأهمية الثبات على الحق ، والاستقامة على الدين ، فقد أوجب الله على المسلم في كل صلاة أن يسأل ربه أن يهديه إلى صراطه المستقيم؛ ويجنِّبه طريق المغضوب عليهم، وطريق الضالين ، ولأهمية الثبات على الحق ، والخشية من تقلب القلوب وتغير الأحوال ،فقد روى الترمذي : أن (شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ قُلْتُ لأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ عِنْدَكِ قَالَتْ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لأَكْثَرِ دُعَائِكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ قَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِىٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ ». فالمسلم ينبغي أن يكون على بصيرةٍ من أمره ،فيلزم طريق الحقّ، ولا يحيد عنها مهما تغيّرت الظّروف والأحوال ، فالثبات على الحق ، والتمسك بحبل الله ،ودينه الذي ارتضاه لعباده ،يجب أن يكون همّ كل مؤمن صادق؛ فلا ينجرف مع كل ناعق، أو يتبع كل منحرف ؛ حتى لا يقع فريسة سهلة لشياطين الجن والإنس ،الذين يزينون الباطل؛ ويلبسونه لبوس الحق، ليسهل قبوله لدى ضعاف العلم والدِّين. وفي هذا الزمان كثرت الابتلاءات والفتن بكل أنواعها، وتنوعت وسائل الإضلال والإفساد والمحن حتى أصبح القابض على دينه كالقابض الجمر، فأهل الحق هم أعظم الناس صبراً على أقوالهم ومعتقداتهم، ففي البخاري ، يقول هرقل لأبي سفيان :(وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ ) ، ولا شك أن الفتن التي يتعرض لها المؤمنون في هذه الأزمنة المتأخرة كثيرة متنوعة، فهناك فتن الشبهات والشهوات، وفتنة المال والجاه، وفتنة الشهرة، وهناك فتنة غلبة الظلمة والطواغيت وما يمارسونه مع المؤمنين من سجن واعتقال وتعذيب وتكذيب وغير ذلك من الفتن الكثيرة، نسأل الله العافية.
أيها المسلمون
ومن الثبات على الحق قول (كلمة الحق) ، فعلى المسلم أن يقول الصدق وأن ينطق بالحق، ولو كره الناس ذلك، لقوله تعالى: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور ) [لقمان:17]. و(كلمة الحق) قذيفة ربَّانية في وجه الباطل، تُزلزل كيانه، وتحطم أركانَه، وتقهره وتُهلكه، حتَّى يصل الهلاك إلى دماغه، فيعطب ويتلف، يقول تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء:18]. و(كلمة الحق) ما كانت تُقال لِتُقمَع، بل لكي يظهر أثرُها ويسْطَع، ويزهق الباطل ويُقلع، ولئن ابتُلي صاحبها فلا بدَّ له من أصدقاء صدق يُدافعون عنه، ولا يُبقونه لظلم السجَّان، ولا لطغيان السلطان، ولا لتجاهل الأصحاب والخلاَّن. و(كلمة الحق) تحتاج لأشخاص يقولونها ويقولون بها، ويثبتون عليها ولا يتراجعون عنها، لأنَّها (حق)، والحق لا رجعة فيه. و(كلمة الحق) لها ضريبةٌ اشتكى منها كثيرٌ مِمَّن قالها، وهي بُعد كثيرٍ من الناس عن قائلها، إمَّا خوفًا مِمَّا سيحصل لهم من أذى السلطان أو الناس، أو أنَّ كثيرًا من الناس لا يُعجبهم الصدع بالحق، لأنَّ لسان حالهم كلسان حال من قال: “مَا سَمِعْنا بهذا في آبائنا الأولين”، ومِمَّا جاء عن أبي ذر قوله: “مَا زَالَ بِي الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى مَا تَرَكَ الْحَقُّ لِي صَدِيقًا”، و(كلمة الحق) قد تكون سهلةً ميسَّرة إن كانتْ لا تغضب مَن قلتها أمامهم، لكنَّها مُرَّة للغاية إن قلتها أمام من تظن أنَّهم سيأبونها ويُعرضون عنها، ويثنون أعطافهم نكاية بصاحبها، وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ أَمَرَنِى خَلِيلِى -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْعٍ أَمَرَنِى بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ وَأَمَرَنِى أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِى وَلاَ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِى وَأَمَرَنِى أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ وَأَمَرَنِى أَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً وَأَمَرَنِى أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا وَأَمَرَنِى أَنْ لاَ أَخَافَ فِى اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ وَأَمَرَنِى أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ). و(كلمة الحق) مُرَّة فلا تزدْها مرارة بمرارة أسلوبك، فمَن يريد أن يتكلَّم بالحق فعليه باللطف والرفق واللين والحلم والعلم، لعلَّها تصادف قلبًا خاليًا، فيتمكَّن قائلها من إيصالها إليه، وتذكر قوله تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:43– 44]، فأمرهم الله باللين والرفق مع ذلك الطاغية، مع أنَّه تعالى يعلم في سابق علمه أنَّ فرعون لن يتذكر ولن يخشى، ولكنَّها المهارة في تأدية الحق. و(كلمة الحق) تقال في أي مكان، فهي كلمة نورانيَّة، وحجَّة ربانيَّة، ومنحة إلهيَّة، وفي صحيح مسلم (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِى اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ). و(كلمة الحق من أعظم الجهاد) ، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ » ،و(كلمة الحق) كما أنَّها تُقال أمام السلطان، فلابدَّ من قولها أمام الجماهير والإخوان والأصحاب والحشود، ولربما يكون قولها أمامهم أصعب من أن تقال أمام السلطان! فكم من جَريءٍ في كلمة الحق أمام السلطان ضعيف جبان في قول كلمة الحق أمام الجماهير، خصوصًا إن كانوا من أتباعه ويعلم أنَّ (كلمة الحق) قد تخالف أكثرهم أو كثيرا منهم! و(كلمة الحق) لا يُستحيى منها ولا ينبغي الخجل من قولها، فإنَّها كلمة أصلها ثابت وفرعها في السماء، لأنَّها كلمة طيبة ولا بد أن تكون كذلك ، ففي سنن ابن ماجة (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَامَ خَطِيبًا فَكَانَ فِيمَا قَالَ « أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ رَجُلاً هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ ». قَالَ فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ وَقَالَ قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا.
واعلموا أن السكوت عن قول (كلمة الحق) أحيانًا قد يكون من الحق، فقد روى مسلم (عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ رَجُلٌ لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ الأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ رَجُلٌ يَأْتِينِى بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ « أَلاَ رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ « أَلاَ رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ فَقَالَ « قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ ». فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِى بِاسْمِى أَنْ أَقُومَ قَالَ « اذْهَبْ فَأْتِنِى بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَىَّ ». فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِى فِى حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِى ظَهْرَهُ بِالنَّارِ فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِى كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَلاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَىَّ ». وَلَوْ رَمَيْتُهُ لأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِى فِى مِثْلِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ فَأَلْبَسَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّى فِيهَا فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ « قُمْ يَا نَوْمَانُ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الثبات على الدين الحق وقول الحق )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد ذكر العلماء عوامل وأسباباً تعين المسلم على الثبات على الحق، نذكر لكم منها على سبيل المثال لا الحصر : أن من أسباب الثبات ووسائله المعينة عليه : اللجوء إلى الله وإعلان الافتقار إليه ودعاؤه: فليس للعبد غناء عن ربه طرفة عين، فإن لم يثبته ربه ضل وهلك وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) (74) الاسراء ، ومن أسباب الثبات: تدبر القرآن ومدارسته والعمل به: قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)(32) الفرقان ، وقال تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (102) النحل ، ومن أسباب الثبات ووسائله المعينة عليه : العمل بطاعة الله والكف عن معاصيه: فالطاعات أغذية للقلوب، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) (66) النساء ، ومن أسباب الثبات ووسائله المعينة عليه : كثرة ذكر الله عز وجل، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (الأحزاب: 41ـ 43)، ومن أسباب الثبات ووسائله المعينة عليه : القرب من العلماء العاملين فإن العلماء هم ورثة الأنبياء الذين يأخذون بأيدي أتباعهم إلى الله، ومن أسباب الثبات ووسائله المعينة عليه : الصبر والاستفادة من قراءة تراجم سلفنا الصالح-رحمهم الله- وأخذ العبرة والعظة منها،حيث كانوا كالجبال الشامخات لم تَهزهم الفتن ولم تحركهم المحن ،فثبتوا رغم ما حلَّ بهم ،فنفع الله بهم الإسلام والمسلمين ، ومن عوامل الثبات على الحق: الدعاء : فالمؤمن إذا تعرض للفتن والابتلاء أول ما يتبادر إلى ذهنه هو اللجوء إلى الله تبارك وتعالى الذي بيده مقاليد الأمور، الذي يقول لشيء كن فيكون، قال الله تبارك وتعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (سورة آل عمران:146148).، والغلام المؤمن في قصة أصحاب الأخدود عندما وقع في الابتلاء له لجأ إلى الله تبارك وتعالى وقال كما في صحيح مسلم : (اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ )، فنجاه الله من كيد الملك ومكره ، ومن عوامل الثبات على الحق تعلم العلم النافع، فالذين يتصدون للشبهات والشهوات هم أهل العلم، أما أهل الجهل فهم وقود كل فتنة، فالذي يجهل الحق بأدلته من الكتاب والسنة عرضة للفتن والعياذ بالله تعالى.
الدعاء