خطبة حول معنى حديث ( أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ )
ديسمبر 30, 2023خطبة عن (من بشريات الرسول لأصحابه)
ديسمبر 31, 2023الخطبة الأولى (الثقة في موعود الله)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) آل عمران:154، وقال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس:82، وفي صحيح البخاري يقول النبي ﷺ: (وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ،وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»
إخوة الإسلام
الثقة بالله تعالى صرح شامخ في قلب كل مؤمن، فبالثقة بالله لا تهز هذا القلب العواصف والمصائب والمحن، بل تزيده شموخاً ورسوخاً، ونحن – المسلمين- في هذا الزمان، زمان الفتن والاستضعاف، في أمس الحاجة إلى تجديد الثقة في موعود الله تعالى، فلا بد أن نؤمن أنه بعد الظلام يطلع الفجر، وبعد الكرب يأتي الفرج، وأن مع العسر يسرا، وبعد هذا الضعف والذلة سوف تأتي القوة والعزة، ويأتي النصر والتمكين للمسلمين، فالمسلم لا ييأس، ولا يقنط، ولا ينقطع رجاؤه في الله، ولكنه يثق في الله القادر على كل شيء، وبيده مقاليد الأمور
والثقة بالله صفة من صفات الأنبياء والمرسلين؛ فهذا خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- حينما ألقي في النار، كان على ثقة عظيمة بالله؛ حيث قال: “حسبنا الله ونعم الوكيل”، فكفاه الله شر أعدائه، وحفظه من أن تصيبه النار بسوء، فقال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء(69)].
وحين أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلده مكة مهاجرا إلى المدينة ،قَالَ صلى الله عليه وسلم مخاطبا مكة «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ»، فأنزل الله عليه قرآنا، يبشره برجوعه وعودته إلى مكة فاتحا منتصرا، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) القصص: (85)، فكان فتح مكة في العام الثامن للهجرة، ولما فر نبينا -عليه الصلاة والسلام- من الكفار في الهجرة، فدخل الغار؛ كان واثقا صلى الله عليه وسلم بحفظ الله له من كيد الكفار، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي بَكْرٍ – رضي الله عنه – قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» ، إنها الثقة في الله، وحين شكا إلى النبي بعض أصحابه رضي الله عنهم شدة الأذى من المشركين، كان رسول الله واثقا من نصر الله لدينه، فكان يقول لهم: (وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»،
وهذه أم موسى – عليه وعليها السلام- عاشت في زمن حاكم جبار عنيد، وطاغوت فريد؛ إنه فرعون، فقد كان يقتل أبناء بني إسرائيل، ويستحيي نساءهم، فلما ولدت أم موسى وليدها ذكرا، علمت أنه سيُقتل، فدعت ربها أن يحفظ لها وليدها، لثقتها بربها، فقال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (7) القصص، ولأنها تثق في موعود الله، وضعت وليدها في التابوت، وألقته في البحر، فالعقل يقول أن الطفل سيغرق ويموت، أما الثقة في موعود الله فتقول أن الله تعالى سيعيده إليها سالما، فأمر الله تعالى ماء البحر أن يحمله إلى قصر فرعون نفسه، قال تعالى: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) (39) طه، ولكي يعيش مكرما، ويتربى منعما في قصر فرعون، جعل محبته في قلب آسية امرأة فرعون، قال تعالى: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) القصص (9)، وقال تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (39) طه، ولما أصبح الطفل الوليد بداخل القصر، عُرضت عليه المراضع، ولكنه رفض، وأبى إلا ثدي أمه، قال تعالى: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (12)، (13) القصص، فتأمل في هذه الثقة العظيمة من أم موسى -عليه السلام- في وعد الله تعالى؛ وقد حقق الله لها ما وعدها به، ورد لها فلذة كبدها، وحفظه من كل سوء ومكروه،
وهذه أم إسماعيل وابنها، عليهما السلام وضعهما نبي الله إبراهيم عليه السلام عند البيت الحرام، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس فيه أنيس، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: أالله الذي أمرك بهذا؟، قال: “نعم” قالت: إذن لا يضيعنا، هذه هي الثقة بالله، فالله تعالى لا يضيع عبده المؤمن أبدا، فحين نفد ماء السقاء، وعطشت هاجر وعطش وليدها، أخذت تعمل بالأسباب، فسعت بين الصفا والمروة، تبحث عن الماء لوليدها الذي يتلوى من شدة العطش، ففعلت ذلك سبع مرات، فتنزل رحمة الله بها، فإذا هي بالماء تحت أقدام وليدها، فمن وثق بالله كفاه ،فشربت وأرضعت وليدها، فالله تعالى لا يضيع عباده المؤمنين حينما يثق في الله
فيا أيها المسلم المستضعف كن واثقا بوعد الله، فمن كان مريضا فليثق في الله فهو يشفيه، ومن كان فقيرا فليثق بالله فهو يغنيه، ومن كان ذليلا مستضعفا فليثق بالله فهو يعزه وينصره ويقويه، (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) آل عمران: 154
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الثقة في موعود الله)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وفي هذا الزمان الذي نعيش فيه، ومع هذه الحال التي وصلنا إليها نحن المسلمين، لابد من الثقة في موعود الله ورسوله، بأن العاقبة للمتقين، وأن النصر للمؤمنين، فما نراه الآن من ضعف للمسلمين، ومن تسلط من الكفرة وأعداء الدين، ومن عاونهم من المنافقين، فهذا الحال لن يدوم، فمهما طالت ظلمة الليل، فلا بد من بزوغ نور الفجر، ومهما علا الباطل ، فلابد من ظهور الحق، فثق بالله أيها المؤمن، بأن الله تعالى سينصر الاسلام والمسلمين، وان الخلافة على منهاج النبوة قادمة، لا شك في ذلك، وعاصمتها القدس الشريف، فهذا موعود الصادق المصدوق، حين قال: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ» رواه أحمد، وفي سنن أبي داود: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلاَفَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلاَزِلُ وَالْبَلاَبِلُ وَالأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنَ النَّاسِ مِنْ يَدِى هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ»، وروى الطبراني في “المعجم الكبير “عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلَانُ)، فاليسر يأتي بعد العسر، والفرج يأتي بعد الضيق، فلا يأس ولا قنوط، ولكن علينا أن نعمل بطاعة الله، ونعمل بأسباب القوة، وان نتوكل على الله، ونكون على ثقة بموعود الله تعالى
فيا أيها المسلم وأيتها المسلمة: كن واثقا بأن الله ناصر دينه، وعباده المؤمنين؛ فقد وعد الله تعالى بذلك، فقال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر(51)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ} [الصافات(171) (172)، فإذا كنت مؤمنا بالله، واثقا بوعده؛ فلا تهن ولا تحزن، قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران (139)]، فكن واثقا بالله، واثقا بحفظه لك إذا كنت حافظا لحدوده، واثقا بأنه كافيك ورازقك، ومثيبك على أعمالك الصالحة، وأنه ناصر دينه، وأولياءه،
الدعاء