خطبة عن ( مواقف من حياة الصحابة )
أكتوبر 14, 2017خطبة عن ( من سمات الصالحين، وأخلاق المقربين)
أكتوبر 14, 2017الخطبة الأولى (الجنة : إنها حلم المؤمنين ،وموعود الصادقين ،ودار المتقين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) 15 محمد
وقال الله تعالى :(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (42) ،(43) الاعراف ، وقال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة، وقال الله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) هود، وقال الله تعالى : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (30) :(32) النحل، وقال الله تعالى : (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) (60): (63) مريم ،وقال الله تعالى : (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (55) :(58) يس
إخوة الإسلام
إنها الجنة ،حلم المؤمنين ، وموعود الصادقين ، ومساكن المقربين ، ودار المتقين ،إنها ( الجنة) قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: « أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ ». رواه الترمذي ،وفي الحديث القدسي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِىَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ». مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِى كِتَابِ اللَّهِ (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، إنها الجنة ، نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة ناضجة, وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة. ولقد استشعر الصحابة رضي الله عليهم غلو السلعة المعروضة عليهم فبذلوا في سبيلها النفوس والأموال والأوقات والراحة ، وآثروا هذه الجنة على كل شيء. فهؤلاء أصحاب بيعة العقبة الثانية حين اشترط عليهم النبي صلى الله عليه وسلم شروطا ، فما وعدهم إلا بالجنة ، ففي مسند أحمد (عَنْ عَامِرٍ قَالَ انْطَلَقَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ إِلَى السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ « لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ وَلاَ يُطِيلُ الْخُطْبَةَ فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْناً وَإِنْ يَعْلَمُوا بِكُمْ يَفْضَحُوكُمْ ». فَقَالَ قَائِلُهُمْ وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ سَلْ يَا مُحَمَّدُ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ ثُمَّ سَلْ لِنَفْسِكَ وَلأَصْحَابِكَ مَا شِئْتَ ثُمَّ أَخْبِرْنَا مَا لَنَا مِنَ الثَّوَابِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْكُمْ إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ. قَالَ
فَقَالَ « أَسْأَلُكُمْ لِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَأَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِى وَلأَصْحَابِى أَنْ تُؤْوُنَا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ ». قَالُوا فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ قَالَ « لَكُمُ الْجَنَّةُ ». قَالُوا فَلَكَ ذَلِكَ ). فمع أنهم رضي الله عنهم وأرضاهم جميعًا في مرحلة الطفولة في الإسلام، فمنهم من أسلم منذ يوم واحد فقط، ومنهم من أسلم منذ يومين، ومنهم من أسلم منذ شهر، أو شهرين، وأقدمهم إسلامًا من أسلم منذ سنتين، وهم الستة الأوائل من الخزرج، ومع هذا، فكانوا يدركون معنى أن الجزاء الجنة ، وما هي الجنة ؟؟ وهذا هو الصحابي (رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ) خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،كان مطلبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة، فقد روى الامام احمد (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَقُومُ لَهُ فِى حَوَائِجِهِ نَهَارِى أَجْمَعَ حَتَّى يُصَلِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعِشَاءَ الآخِرَةَ فَأَجْلِسُ بِبَابِهِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ أَقُولُ لَعَلَّهَا أَنْ تَحْدُثَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَاجَةٌ فَمَا أَزَالُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ». حَتَّى أَمَلَّ فَأَرْجِعَ أَوْ تَغْلِبَنِى عَيْنِى فَأَرْقُدَ. قَالَ فَقَالَ لِى يَوْماً لِمَا يَرَى مِنْ خِفَّتِى لَهُ وَخِدْمَتِى إِيَّاهُ « سَلْنِى يَا رَبِيعَةُ أُعْطِكَ ». قَالَ فَقُلْتُ َنْظُرُ فِى أَمْرِى يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ أُعْلِمُكَ ذَلِكَ – قَالَ – فَفَكَّرْتُ فِى نَفْسِى فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ زَائِلَةٌ وَأَنَّ لِى فِيهَا رِزْقاً سَيَكْفِينِى وَيَأْتِينِى – قَالَ – فَقُلْتُ أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لآخِرَتِى فَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمَنْزِلِ الَّذِى هُوَ بِهِ – قَالَ – فَجِئْتُهُ فَقَالَ « مَا فَعَلْتَ يَا رَبِيعَةُ ». فَقُلْتُ َنعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لِى إِلَى رَبِّكَ فَيُعْتِقَنِى مِنَ النَّارِ. قَالَ فَقَالَ « مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةُ ». قَالَ فَقُلْتُ لاَ وَاللَّهِ الَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمَرَنِى بِهِ أَحَدٌ وَلَكِنَّكَ لَمَّا قُلْتَ سَلْنِى أُعْطِكَ وَكُنْتَ مِنَ اللَّهِ بِالْمَنْزِلِ الَّذِى أَنْتَ بِهِ نَظَرْتُ فِى أَمْرِى وَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ وَأَنَّ لِى فِيهَا رِزْقاً سَيَأْتِينِى فَقُلْتُ أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لآخِرَتِى – قَالَ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلاً ثُمَّ قَالَ لِى « إِنِّى فَاعِلٌ فَأَعِنِّى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ». وموقف آخر يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه في أحداث عزوة بدر كما في صحيح مسلم ، فيقول :(انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَىْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ ». فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ ». قَالَ يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِىُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ بَخٍ بَخٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ ». قَالَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ « فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا ». فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِى هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ – قَالَ – فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ. ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ ).
أيها المسلمون
ولم يكن الصحابة رضوان الله عليهم يتفاعلون مع قضية الجنة فحسب، بل كانوا يتفاعلون أيضًا مع قضية النار. فهذا عبد الله بن رواحة الصحابي الأنصاري العظيم رضي الله عنه وأرضاه لما ودّع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخارجين لسرية مؤتة وسلموا عليهم، بكى عبد الله بن رواحة، فظن الناس أنه يبكي خوفًا من الموت؛ لأنه خارج للجهاد، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال، وقد شعر في سؤالهم بما ظنوه من كونه يبكي خوفًا من الموت والانقطاع عن الدنيا
قال: أما والله ما بي حب الدنيا، ولا صبابة بكم. أي أنه لا يحب الدنيا، ولا يركن إليها وهو أيضًا لا يبكي لأنه ربما يفارقهم، فلا بأس أن يُقتل في سبيل الله، إذن فما الذي يبكيه، يقول رضي الله عنه: ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّ} [مريم:71]. ولست أدري كيف لي بالصدور بعد الورود؟ فبكي رضي الله عنه لأنه تذكر هذه الآية، وهو خارج للجهاد، وقد استشهد بالفعل في هذه السرية رضي الله عنه وأرضاه. فعبد الله بن رواحة هذا الصحابي العظيم مع فضله، ومنزلته، إلا أنه كان يعيش هذه المعاني العظيمة، كان يعيش قضايا الجنة والنار، ويخاف من النار، وكأنه من أهل المعاصي، أو من أهل النفاق، أو أهل الشرك، مع كونه من أعاظم الصحابة رضي الله عنه وأرضاه، ورضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين. فأين نحن من الجنة والنار، لا بد لنا من وقفة نتساءل فيها: لماذا لا نتفاعل مع الجنة والنار كما كان يتفاعل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟ نعم نحن نحب الجنة ونخاف من النار، ولكن هل تملأ قضية الجنة والنار علينا حياتنا كما كانت تملأ على الصحابة حياتهم؟ وهل نعايشها المعايشة التي كان يعايشها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إنها الجنة :حلم المؤمنين ،وموعود الصادقين ،ودار المتقين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أهل الجنة هم فيها شباب جرد مرد ، طول آدم ستون ذراعاً، على مولد عيسى ابن مريم ثلاثة وثلاثين سنة، بيض الألوان خضر الثياب ،يضع أحدهم مائدة بين يديه فيقبل طائر فيقول: يا ولي اللَّه أما إني قد شربت من عين السلسبيل ورعيت من رياض الجنة تحت العرش وأكلت من ثمار كذا طعم أحد الجانبين مطبوخ وطعم الجانب الآخر مشوي،فيأكل منها ما شاء ،وعلى الولي سبعون حلة ليس فيها حلة إلا على لون آخر، وفي أصابعهم عشرة خواتيم كتب على الأول” سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ” وفي الثاني” ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ ” وفي الثالث” تِلْكُمْ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” وفي الرابع: رفعت عنكم الأحزان والهموم. وفي الخامس: ألبسناكم الحلي والحلل. وفي السادس: زوجناكم الحور العين. وفي السابع:” وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ” وفي الثامن: رافقتم النبيين والصديقين. وفي التاسع: صرتم شباباً لا تهرمون. وفي العاشر: سكنتم في جوار من لا يؤذي الجيران” . فمن أراد أن ينال هذه النعيم المقيم فعلى المؤمن أن يداوم على خمسة أشياء: أولها: أن يمنع نفسه من جميع المعاصي ، قال اللَّه تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) النازعات (40) ،(41)
والثاني: أن يرضى باليسير من الدنيا ، ففي سنن ابن ماجة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ هُدِىَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَرُزِقَ الْكَفَافَ وَقَنِعَ بِهِ ». والثالث: أن يكون حريصاً على الطاعات فيتعلق بكل طاعة لعلها تكون سبباً للمغفرة ووجوب الجنة قال اللَّه تعالى: (وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) الزخرف 72، فإنما ينالون ما ينالون بالاجتهاد في الطاعات. والرابع: أن يحب الصالحين وأهل الخير ويخالطهم ويجالسهم ، ففي صحيح البخاري (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ – رضى الله عنه جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِى رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم « الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ » ، والخامس: أن يكثر الدعاء ويسأل اللَّه تعالى أن يرزقه الجنة وأن يجعل خاتمته إلى خير.
الدعاء