خطبة عن (الحج والرحلة الإيمانية)
مايو 20, 2024خطبة عن ( الحكمة من خلق الجنة والنار )
مايو 25, 2024الخطبة الأولى (الحج رحلة إيمانية) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (125) البقرة
إخوة الإسلام
الحج ركن من أركان الإسلام، وهو رحلة إيمانية واجتماعية وروحية؛ وفيه تهذيب للنفوس، وتطهير للقلوب، وغسل للخطايا، وفيه تجتمع النفوس المؤمنة على المودة والرحمة، وها هو رسول الله – ﷺ- يعلمنا كيف نتخلص في رحلة الحج من أهواء الدنيا، وطبائع النفوس، ونتعلق بالله تعالى، ففي سنن البيهقي: (يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-:«اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا حَجَّةً غَيْرَ رِيَاءٍ وَلاَ هَبَاءٍ وَلاَ سُمْعَةٍ» .وبالإحرام والنية يدخل الحاج في المحيط الرُّوحي، وفي ضيافة الرحمن، ولذلك وجب عليه أن يعلن أنه قد دخل الرحاب، ويقول ملبيا: “لبيك اللهم لبيك، ففي الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ)، فبهذا النداء يكون الحاج قد دخل في مقام الضيافة والنسك، وأنه قد أجاب داعي الله تعالى- إذ دعاه؛ كما في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (24) الأنفال،
والمسلم في هذه الرحلة الإيمانية يترك مظاهر الزينة، فلا يتطيب، ولا يتزين، ولا يقص شعره ولا يحلقه، وذلك لأنه في حال تجرد رُوحي؛ فلا يصح أن يُشغَل عنه بمظاهر مادية؛ وبعد أن قطع الحاج المسافات، وتجرد من الشهوات واللذات، يتوجه الحاج إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة، حيث الكعبة المشرفة والركن والمقام، وهنا تجول في نفسه الذكريات النبوية، فيتذكر نبي الله إبراهيم عليه السلام وهو يُسكن ذريته في هذا الوادي، قائلا: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (37) إبراهيم، ويتذكره عليه السلام وهو يرفع قواعد البيت قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) البقرة (127)، ويتذكر في هذا المقام رسول الله محمدًا- ﷺ- وقد ابتدأ دعوته بمكة، وجهر بها في أعلى الصفا، ويتذكر دعاء النبي- ﷺ- في هذا المقام؛ كما في سنن البيهقي: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ :«اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرّفَهُ وَكَرّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا»
أيها المسلمون
وهناك أسباب وأمور تساعد الحاج على أن تكون رحلته إيمانية: فمن تلك الأمور: التهيؤ لهذه الرحلة: بالتوبة من جميع الذنوب, فيجعل الحاج قلبه خالياً طاهراً من الشبهات، والشهوات, وأن يكون حجه وعمرته بمال حلالٍ, وأن ينوي بحجه وعمرته وجه الله عز وجل, وأن يحرص على مرافقة الصحبة الطيبة، التي تذكره إذا غفل, وتعينه إذا ذكر, وعلى الحاج: أن يشكر الله عز وجل إذا وصل إلى مكة، وأن يستشعر نعمة الله عليه في وصوله لهذه الأماكن بسهولة ويسر، وأن يؤدي المناسك وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي مسند أحمد: (أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لاَ أَدْرِى لَعَلِّى أَنْ لاَ أَحُجَّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الرحلة الإيمانية)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وعلى الحاج: أن يستشعر أسرار المناسك، والحكمة منها, وإجلال الله جل جلاله، وتعظيمه، والتواضع له، والتسليم لأمره، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يعلم الحكمة فيه، والاشتياق إلى الجنة، فالحاج والمعتمر عندما يري الحجر الأسود، يتذكر الجنة ويشتاق إليها, فالحجر الأسود من الجنة, ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «نَزَلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِى آدَمَ»، فيدفعه الشوق إلى الجنة إلى بذل ما يستطيع من الأعمال الصالحة، لينال رضا الله، وليفوز بالجنة,
وإذا سعي الحاج والمعتمر بين الصفا والمروة, تذكر حال أم اسماعيل (هاجر)، ويقينها في الله، وكيف جاءها الفرج بعد الضيق، ووجدت الماء بعد الظمأ، وعليه بالإكثار من الدعاء ففي سنن الترمذي: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ» ،ويستحضر المؤمن فقره, وحاجته إلى الله في هداية قلبه, وصلاح حاله، وغفران ذنبه, وأن يلتجئ إلى الله عز وجل لتفريج ما هو به من النقائص والعيوب, وأن يهديه الصراط المستقيم, وأن يثبته عليه إلى مماته،
وفي الوقوف بعرفة: يتذكر يوم القيامة، وما فيه من أهوال وكروب، والعمل على النجاة منها، فمن وفق لاستشعار تلك الرحلة الإيمانية، عاد من حجه وعمرته بأجر كبير, وثواب عظيم, ففي الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ».
الدعاء