خطبة عن (الحج) مختصرة
مايو 19, 2024خطبة عن (الحج رحلة إيمانية) مختصرة
مايو 22, 2024الخطبة الأولى (الحج والرحلة الإيمانية)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (125) البقرة
إخوة الإسلام
الحج ركن من أركان الإسلام، وهو رحلة إيمانية واجتماعية وروحية؛ وفيه تهذيب للنفوس، وتطهير للقلوب، وغسل للأدران، وفيه اجتماع للنفوس المؤمنة على المودة والرحمة، في ظل بيت الله الحرام، والأماكن المطهرة، فحينما يبتدئ الحاج بالإحرام عند الميقات، وينوي أداء فريضة الحج، فكأن هذه المواقيت هي حدود بين متاع الدنيا وأعراضها؛ وحياة الروح ونعيمها، فهي حدود للمكان الذي جعله الله تعالى- لضيافته الروحية، يستضيف فيه عباده المؤمنين، الذين جاءوا إليه من مشارق الأرض ومغاربها، نازعين من قلوبهم وأجسامهم كل مظاهر المادية، ليتجردوا بأرواحهم، وينالوا شرف الضيافة؛ والغذاء الروحي،
وها هو رسول الله – ﷺ- يعلمنا كيف نتخلص في رحلة الحج من أهواء الدنيا، وطبائع النفوس، ونتعلق بالله تعالى، ففي سنن البيهقي: (عَنْ بِشْرِ بْنِ قُدَامَةَ الضَّبَابِيِّ قَالَ: أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِبِّي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَاقِفًا بِعَرَفَاتٍ مَعَ النَّاسِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ حَمْرَاءَ قَصْوَاءَ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ بَوْلاَنِيَّةٌ وَهُوَ يَقُولُ :«اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا حَجَّةً غَيْرَ رِيَاءٍ وَلاَ هَبَاءٍ وَلاَ سُمْعَةٍ». وبالإحرام والنية يدخل الحاج في المحيط الرُّوحي، وفي متسع الضيافة، ولذلك وجب عليه أن يعلن أنه قد دخل في هذا الوادي المقدس، وادي الضيافة الإلهية، ويقول ملبيا: “لبيك اللهم لبيك، ففي الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ ، لاَ شَرِيكَ لَكَ)، فبهذا النداء يكون الحاج قد دخل في مقام الضيافة والنسك، وقد أجاب داعي الله تعالى- إذ دعاه؛ كما في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (24) الأنفال، والحاج يكرر تلك التلبية في كل مرتفع وكل منخفض؛ ليكون في ذكر وتذكر دائم، أنه في ضيافة الرحمن،
والمسلم في هذه الرحلة الإيمانية يترك مظاهر الزينة، وما اختصت به الحياة الأرضية؛ فلا يتطيب، ولا يتزين، ولا يقص شعره ولا يحلقه، وذلك لأنه في حال تجرد رُوحي؛ فلا يصح أن يُشغَل عنه بمظاهر مادية؛ ولأن حياة الرُّوح توجب المساواة؛ إذ الجميع سواء أمام عظمة الخالق، ولا فضل لعربي على أعجمي، ولا لقوي على ضعيف، ولا لغني على فقير، إلا بالتقوى، والزينة فيها مظهر من المظاهر التي تتنافي والمساواة، إذ ليس كل الناس يستطيع أن يتخذ أسبابها؛
وبعد أن قطع الحاج الفيافي والقفار، وتجرد من الشهوات واللذات، ومطالب الجسد، ولم يبقَ له منها إلا الضروري، يتوجه الحاج إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة، حيث الكعبة المشرفة والركن والمقام، وهنا تجول في نفسه الذكريات النبوية، فيتذكر نبي الله إبراهيم عليه السلام وهو يُسكن ذريته في هذا الوادي، قائلا: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (37) إبراهيم، ويتذكره عليه السلام وهو يرفع قواعد البيت مناديا ربه: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (127): (129) البقرة، ويتذكر في هذا المقام رسول الله محمدًا- ﷺ- وقد ابتدأ دعوته، وجهر بها في أعلى الصفا، ويتذكره – ﷺ- وهو يجوس خلال تلك الديار داعيًا إلى دين التوحيد، وتحطيم الأوثان، وأهل الشرك يؤذونه، وهو يجادلهم بالصبر والحلم والرفق، ويتذكر دعاء النبي- ﷺ- في هذا المقام؛ كما في سنن البيهقي: (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ :«اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرّفَهُ وَكَرّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا»
أيها المسلمون
وهناك أسباب وأمور تساعد الحاج على أن تكون رحلته إيمانية: فمن تلك الأمور: التهيؤ لهذه الرحلة: بالتوبة من جميع الذنوب, فيجعل الحاج قلبه خالياً طاهراً من الشبهات، والشهوات, وأن يكون حجه وعمرته بمال حلالٍ, وأن ينوي بحجه وعمرته وجه الله عز وجل, فمن فقد الإخلاص فقد أجهد نفسه، وعاد من حجه وعمرته بلا فائدة, وأن يحرص على مرافقة الصحبة الطيبة، التي تذكره إذا غفل, وتعينه إذا ذكر,
ومن الأمور التي تساعد الحاج والمعتمر على أن تكون رحلته رحلة إيمانية: أن يشكر الله عز وجل إذا وصل إلى مكة، وأن يستشعر نعمة الله عليه في وصوله لهذه الأماكن بسهولة ويسر، وأن يجاهد نفسه على تأدية المناسك وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي مسند أحمد: (أن (جَابِراً يَقُولُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ يَقُولُ لَنَا «خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لاَ أَدْرِى لَعَلِّى أَنْ لاَ أَحُجَّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»، وأن يتجنب محظورات الإحرام, والفسوق والعصيان، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} (197) البقرة،
ومن الأمور التي تساعد الحاج والمعتمر على أن تكون رحلته رحلة إيمانية: أن يستشعر أسرار المناسك، والحكمة منها, وإجلال الله جل جلاله، وتعظيمه، والتواضع له، والتسليم لأمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يعلم الحكمة فيه، والاشتياق إلى الجنة، فالحاج والمعتمر عندما يري الحجر الأسود، يتذكر الجنة, فالحجر الأسود من الجنة, ففي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «نَزَلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِى آدَمَ»، فتشتاق نفس المؤمن إلى الجنة ونعيمها, ويدفعه هذا الشوق إلى بذل ما يستطيع من الأعمال الصالحة، لينال رضا الله، وليفوز بالجنة.
ومن الأمور التي تساعد الحاج والمعتمر على أن تكون رحلته رحلة إيمانية: استشعار خطورة الذنوب، وتأثيرها العظيم والكبير على العبد، وعند ذاك يعزم الحاج والمعتمر على ترك الذنوب كي يسلم من آثارها وتبعاتها, فالذنوب أمراض فتاكة, لا شفاء منها إلا باجتنابها, ومتى كان المرء صادقاً في ذلك، أعانه الله على ذلك،
وإذا سعي الحاج والمعتمر بين الصفا والمروة, تذكر حال أم إسماعيل (هاجر)، ففي حديث طويل في الصحيحين: (ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهْىَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ ،فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِى لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ. قَالَتْ إِذًا لاَ يُضَيِّعُنَا. ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ (رَبَّنَا إِنِّى أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ ) حَتَّى بَلَغَ (يَشْكُرُونَ). وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى – أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ – فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ، الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْىَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ، حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ – قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «فَذَلِكَ سَعْىُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا». – فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ صَهٍ. تُرِيدَ نَفْسَهَا، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ، إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ. فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ، عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ – أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ – حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ ،فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا، وَهْوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ – قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ – أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ – لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا»، فيدل ذلك على توكلها على الله جل جلاله, ومع توكلها بذلت الأسباب بالسعي بين الصفا والمروة,
ومن الأمور التي تساعد الحاج والمعتمر على أن تكون رحلته رحلة إيمانية: الدعاء بصدق، والتضرع، والتذلل لله تعالى، ففي سنن الترمذي: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ،ويستحضر المؤمن فقره, وحاجته إلى الله في هداية قلبه, وصلاح حاله، وغفران ذنبه, وأن يلتجئ إلى الله عز وجل لتفريج ما هو به من النقائص والعيوب, وأن يهديه الصراط المستقيم, وأن يثبته عليه إلى مماته,
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الحج والرحلة الإيمانية)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأمور التي تساعد الحاج والمعتمر على أن تكون رحلته رحلة إيمانية: تذكر يوم القيامة، وما فيه من أهوال وكروب، والعمل على النجاة منها، قال ابن العثيمين رحمة الله: (أن موقف عرفة كموقف يوم العرض, بل ذاك – أي موقف يوم العرض – أعظم, ولا شك أنه أعظم, لأنه يجمع الأولين والآخرين, والمؤمنين والكافرين, والآدميين وغير الآدميين, أما هذا فلا يجمع إلا من حج فقط, وهم طائفة قليلة بالنسبة لموقف العرض, لكنه في الحقيقة مشهد مصغر لمشهد العرض)،
ومن الأمور التي تساعد الحاج والمعتمر على أن تكون رحلته رحلة إيمانية: مجاهدة النفس، وذلك في غض البصر عن النظر إلى ما حرم الله، قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (30)، (31) النور، وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله :(اعلم أن غض البصر عن الحرام واجب, ولكم جلب إطلاقه من آفة، خصوصاً في زمن الإحرام, وكشف النساء لوجههن, فينبغي لمن يتقى الله أن يزجر هواه في مثل ذلك المقام تعظيماً, وقد فسد خلق كثير بإطلاق أبصارهم هنالك)، فمن وفق لاستشعار تلك الرحلة الإيمانية، عاد من حجه وعمرته بأجر كبير, وثواب عظيم, ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ » . ،ونال الحاج لذة العبادة وحلاوتها, وزكت نفسه, وصلح قلبه, ووجد انشراحاً في صدره, وسيجد تغيراً في حاله نحو الأفضل.
الدعاء