خطبة عن (الأمانة وصورها)
أبريل 16, 2024خطبة عن (الخبر اليقين عند سيد المرسلين)
أبريل 16, 2024الخطبة الأولى (الحلال والحرام)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) (116) النحل، وفي صحيح مسلم: (أن أَبا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ».
إخوة الإسلام
إن بيان الحلال والحرام لهو من مقصود الوحي الإلهي، فما جاءت الرسالات إلا لتبين للناس ما تفعله، وما لا تفعله، قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (157) الاعراف، ومن المعلوم أن الحلال: هو كل شيء مادي أو معنوي أباحه الشرع، وتجاوز عن حرمته، وأذن للناس بفعله، ورفع الحظر عن ممارسته، وأن الحرام: هو كل ما نهى عنه الإسلام، بحكمه الشرعي الواضح، بحيث يستحق من يفعله جزاء في الدنيا أو الآخرة، والحلال: هو ما أحله الله ورسوله، والحرام: هو ما حرمه الله ورسوله، ولا يجوز لأحد أن يحلل أو يحرم إلا بدليل شرعي من الكتاب والسنة، وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النحل:116،117]، وفي سنن البيهقي وحسنه الألباني: (عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (مَوْقُوفا) قَالَ: (إِنْ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رُخْصَةً لَكُمْ لَيْسَ بِنِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا)، وفي سنن البيهقي والدارقطني: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – رَفَعَ الْحَدِيثَ قَالَ: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلاَلٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُو حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ عَافِيَتَهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ نَسِيًّا». ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: 64]
هذا ولا يجوز لأحد أن يتكلم في الحلال والحرام إلا العلماء العالمين بالكتاب والسنة، ولا يجوز أيضا التحايل في فعل الحرام، (فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» رواه أحمد، ومن أشهر صور التحايل على فعل المحرم، ما حكي عنه القرآن الكريم، حين حرّم الله على اليهود الصيد يوم السبت، فاحتالوا على ذلك باتخاذ الحياض، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة، فتبقى فيها فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء، فيأخذونها يوم الأحد، قال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) (الأعراف:163).
ومن الحيل المعاصرة ما يعمد إليه الناس لأكل الربا، تحت أسماء مستحدثة، أو شرب الخمر بأسماء غير اسمها، وهذا لا ينفي عن الرِّبا حرمته، ولا عن الخمر تحريمها، ففي مسند أحمد: (لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا)،
ومن أساليب التحايل: البعد عن العلماء الثقات، والتقدم لأنصاف العلماء للفتيا، وهذا تجاوز لحد الحلال والحرام، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا، ففي الصحيحين: (أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».
ومن رحمة الله تعالى بعباده: أن بيّن لهم الحلال، وفصّل لهم الحرام في محكم تنزيله، وعلى لسان رسوله في السنة النبوية المطهرة، قال الله تعلى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) (الأنعام :119). وقال تعالى: (وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7). فالحلال الواضح الذي لا لبس فيه، لا حَرَج في فعله، وكذلك الحرام البين لا رُخْصَة في إتيانه، ما لم تكن هناك ضرورة مستثناه، وبين هاتين المنطقتين الواضحتين: الحلال البَيّنٌ والحرام البَيّنٌ، منطقة يلتبس فيها الحِلُ بالحُرْمَة، وهي ما تسمى “بالأمور المشتبهات”. ففي الصحيحين: (أن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)، فحثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمين على الورَعِ، وترْكِ المُتشابهاتِ في الدِّينِ، وبيَّنَ أنَّ الحَلالَ ظاهرٌ واضحٌ، وهو كلُّ شَيءٍ لا يُوجدُ دَليلٌ على تَحريمِه؛ مِن كتابٍ أو سُنَّةٍ، أو إجماعٍ أو قياسٍ؛ وذلك لأنَّ الأصلَ في الأشياءِ الإباحةُ، وكذلك الحرامُ ظاهرٌ واضحٌ، وهو ما دلَّ دَليلٌ على تَحريمِه، سواءٌ كان هذا الدَّليلُ مِن الكِتابِ، أو مِن السُّنَّةِ، أو مِن الإجماعِ.
وبيَّنَ صلى الله عليه وسلم أنَّ بيْن الحلالِ والحرامِ قِسمًا ثالثًا، وهو المُشتبِهاتُ، وهي الأمورُ الَّتي تكونُ غيرَ واضحةِ الحُكمِ مِن حيثُ الحِلُّ والحُرمةُ، فلا يَعلَمُ الكثيرُ هل هي حَلالٌ أو حَرامٌ، ويَدخُلُ في ذلك جَميعُ الأُمورِ المشكوكِ فيها؛ ثمَّ أوضَحَ صلى الله عليه وسلم أنَّ مَن اجتنَبَ المُشتبِهاتِ فقدْ طلَبَ البَراءةَ لنفْسِه، فيَسلَمُ له دِينُه مِن النَّقصِ، وعِرضُه مِن القدْحِ والذِّمِّ والسُّمعةِ السَّيِّئةِ، أمَّا مَن وقَع في الشُّبهاتِ واجترَأَ عليها، فقد عرَّض نفْسَه للخطَرِ، وأوشَكَ على الوُقوعِ في الحرامِ، فمن ورع المسلم أن يتجنب هذه الشبهات، حتى لا تقوده إلى مواقع الحرام،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الحلال والحرام)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
والله سبحانه وتعالى لم يكن ليُحَرّم على عباده شيئاً، إلاّ أحل لهم ما هو أطيب منه، ما لم يكن التحريم عقاباً لجرم ارتكبه الناس؛ ففي هذه الحالة يُحَرّم الله عليهم ما يحله لغيرهم. فقد حُرِّم على اليهود بعض أصناف الطيبات، عقاباً لهم على بغيهم، وانتهاكهم حرمات الله، قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (النساء:160،161).
وقد حرّم الله الربا، وعوض الناس عنه التجارة الحلال الرابحة؛ وحرّم الزنا واللواط وأحلّ الزواج الحلال؛ وحرّم شرب المسكرات، وأحلّ الأشربة النافعة غير المُذْهِبة للعقل والوعي؛ وحرّم خبائث المأكولات، وأحلّ المطاعم الطيبة التي تقوي الجسدّ والروح.
ومن المبادئ التي قررها الإسلام: أن الأصل فيما خلق الله من أشياء ومنافع الحل والإباحة، فلا حرام إلا ما ورد نص صريح بتحريمه في القرآن أو السنة، وقد استدل العلماء، على ذلك بآيات القرآن الواضحة، كقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا) (البقرة:29) فما كان الله ليخلق هذه المخلوقات ويسخِّرها للإنسان، ثم يَحْرِمه منها، دون علة أو سبب يقدّره الله ويعلمه. وقد حَرّم الله أشياء مما خلق، أو أباحها، بشروط خاصة، لسبب وحكمة؛ قد نعرفها أو نجهلها، ولكن جهل سبب التحريم لا يعني عدم القبول بما حرّم الله تعالى.
الدعاء