خطبة عن حسن الخلق ،وحديث (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً )
فبراير 6, 2021خطبة عن قوله تعالى ( وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى )
فبراير 13, 2021الخطبة الأولى ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (30)،(31) الزمر
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (31) الزمر ، فقد جاء في تفسيرها للإمام الطبري : إنك يا محمد ستموت , وإنكم أيها الناس ستموتون, ثم إن جميعكم أيها الناس تختصمون عند ربكم, مؤمنكم وكافركم, ومحقوكم ومبطلوكم, وظالموكم ومظلوموكم , حتى يؤخذ لكلّ ذي حق حقه ،الصادق الكاذب, والمهتدي الضال, والضعيف المستكبر ، وفي تفسير بن كثير : قال ابن أبي حاتم : (عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ {30} ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 30-31] “.قَالَ الزُّبَيْرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , يُكَرَّرُ عَلَيْنَا مَا كَانَ مِنَّا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَوَاصِّ الذُّنُوبِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، لَيُكَرَّرَنَّ عَلَيْكُمْ، حَتَّى يُؤَدَّى إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» . قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنَّ الأَمْرَ لَشَدِيدٌ) ، وروى الإمام أحمد في مسنده : عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ » ، وفيه أيضا : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَلاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَيَخْتَصِمَنَّ كُلُّ شَيْءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى الشَّاتَانِ فِيمَا انْتَطَحَتَا ». وروى الامام أحمد : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ فَقَالَ « يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ تَدْرِى فِيمَ تَنْتَطِحَانِ ». قَالَ لاَ. قَالَ « لَكِنَّ اللَّهَ يَدْرِى وَسَيَقْضِى بَيْنَهُمَا » ، كما روى الإمام مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ) ، وقد روى ابن منده في كتاب ” الروح ” ، عن ابن عباس أنه قال : يختصم الناس يوم القيامة ، حتى تختصم الروح مع الجسد ، فتقول الروح للجسد : أنت فعلت . ويقول الجسد للروح : أنت أمرت ، وأنت سولت . فيبعث الله ملكا يفصل بينهما ، فيقول [ لهما ] إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير والآخر ضرير ، دخلا بستانا ، فقال المقعد للضرير : إني أرى هاهنا ثمارا ، ولكن لا أصل إليها . فقال له الضرير : اركبني فتناولها ، فركبه فتناولها ، فأيهما المعتدي ؟ فيقولان : كلاهما . فيقول لهما الملك . فإنكما قد حكمتما على أنفسكما . يعني : أن الجسد للروح كالمطية ، وهو راكبه . وفي الوسيط لطنطاوي : إنكم جميعا يوم القيامة عند ربكم وخالقكم تختصمون وتحتكمون ، فتقيم عليهم – أيها الرسول الكريم – الحجة ، بأنك قد بلغت الرسالة ، وهم يعتذرون بالأباطيل والتعليلات الكاذبة ، والأقوال الفاسدة ، وسينتقم ربك من الظالم للمظلوم ، ومن المبطل للمحق . وفي تفسير القرطبي : قال ابن عمر : لقد عشنا برهة من دهرنا ونحن نرى هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فقلنا : وكيف نختصم ونبينا واحد وديننا واحد ، حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف ، فعرفت أنها فينا نزلت . وقال أبو سعيد الخدري : ( كنا نقول : ربنا واحد ، وديننا واحد ، ونبينا واحد ، فما هذه الخصومة ؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا : نعم هو هذا ) . وقال إبراهيم النخعي : لما نزلت هذه الآية جعل أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقولون : ما خصومتنا بيننا ؟ فلما قتل عثمان – رضي الله عنه – قالوا : هذه خصومتنا بيننا
أيها المسلمون
والتخاصم : هو التحاكم إلى الله تعالى ، فيستوفي من حسنات الظالم بقدر مظلمته ، ويردها في حسنات من وجبت له ، وهذا عام في جميع المظالم ، كما في صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ». وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَىْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ »
أيها المسلمون
ومن الأمور المفزعة والمقلقة، أنك وأنت تحاسب يوم القيامة ، يظهر لك خصوم لا تعرفهم ، أو لم ترهم ، ويخاصمونك أمام الله، ويأخذون من حسناتك ،وأنت في أشد الحاجة لحسنةٍ ترجح موازينك ليغفر الله لك بها : فكم من مرة قذفت وسببت كل الملتزين بالدين ، والمحافظين على السنة ، لأن رجلا يلبس ثوب الاسلام ، قد أخطأ في حقك ، فيخاصمك كل هؤلاء يوم القيامة أمام الله ، وكم من مرة سببت كل أصحاب المهنة ، أو الحرفة ، أو المؤسسة والشركة ، من أجل مظلمة لك عند فرد فيها ، فيخاصمك هؤلاء جميعا يوم القيامة ، وكم من شخص وأنت تقود سيارتك يعترضك بدون قصد ، فتشتمه وتمضي، سمعك أم لم يسمعك ، فقد سمعك الله تعالى، وأصبح خصما لك يوم القيامة، وأنت لا تعرفه. وكم من مرة ، رأيت شخصا لا تعرفه في الشارع ، فتكلمت أمام من هو يسير معك على لبسه ،أو شكله ،أو هيئته، أو مشيته ، أو تصرف قام به ، وسجلت عليك غيبة لشخص سيكون خصيما لك يوم القيامة وأنت لا تعرفه. وكم مرة تشاجرت مع شخص ما ، فشتمت أمه ، أو أباه ، أو أهله، فأصبح هؤلاء كلهم خصماء لك يوم القيامة، وأنت لا تعرفهم. وكم من مرة وأنت في حوار مع شخص ما ، وتحدثتم في أمور أحد البلدان، فقلت عنهم، مثلا : الشعب المصري كذا، أو الشعب السعودي كذا، أو الشعب … كذا. ولم يدر في بالك أنك ستقف خصمهم فردا فردا ، لكل أفراد ذلك الشعب أمام الله يوم القيامة، لأن شملتهم بغيبتك ،أو بقذفك ، أو بشتمك، وأنت لا تعرفهم. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلىَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يَقْتَصُّ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى الْجَمَّاءُ مِنْ الْقَرْنَاءِ، وَحَتَّى الذَّرَّةُ مِنْ الذَّرَّةِ) رواه أحمد. فأنظر أخي :كم من الخصوم سيأتي يوم القيامة ليقتص منك، ويأخذ من حسناتك.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده : (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاشْتَرَيْتُ بَعِيراً ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلِي فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْراً حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ الشَّامَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ قُلْ لَهُ جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ. فَقَالَ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ نَعَمْ. فَخَرَجَ يَطَأُ ثَوْبَهُ فَاعْتَنَقَنِي وَاعْتَنَقْتُهُ فَقُلْتُ حَدِيثاً بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْقِصَاصِ فَخَشِيتُ أَنْ تَمُوتَ أَوْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ – أَوْ قَالَ الْعِبَادُ – عُرَاةً غُرْلاً بُهْماً ». قَالَ : قُلْنَا َمَا بُهْماً قَالَ « لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ وَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ ». قَالَ قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلاً بُهْماً. قَالَ « بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ».
فاتقوا الله عباد الله ، واحذروا مظالم العباد بأخذ أموالهم، والتعرض لأعراضهم، وتضييق قلوبهم، وإساءة الخلق في معاشرتهم، فإن ما بين العبد وبين الله خاصة ،فالمغفرة إليه أسرع ،ومن اجتمعت عليه مظالم ،وقد تاب عنها ،وعسر عليه استحلال أرباب المظالم، فليكثر من الحسنات ، فعساه أن يقربه ذلك إلى الله تعالى ،فينال به لطفه الذي ادخره لأحبابه المؤمنين ، في دفع مظالم العباد عنهم .
الدعاء