خطبة عن الاتحاد وحديث (إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْفُرْقَةُ)
أبريل 20, 2024خطبة عن التواضع وحديث (أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ)
أبريل 20, 2024الخطبة الأولى ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (5) الأحزاب ،وفي سنن ابن ماجه : (عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ».
إخوة الإسلام
من الملاحظ أن الخطأ قد ورد في كتاب الله الكريم وفي السنة المطهرة بمعان مختلفة ،ومنها : الأول : قد ورد التعبير (بالخطأ ) في القرآن الكريم ؛لما هو ضدّ الصواب ،ومثاله قول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء:31] ،وفي قراءة (خَطَأ) بفتح الخاء، فهذا خطأ ،لأنه جريمة شرعيّة ،وفعل شنيع، و(الخطأ) هنا ضدّ ما هو صواب؛ فإن الصواب ليس هو قتل الأولاد ووَأْدهم، وإنما الحفاظ عليهم، وتكريمهم ورعايتهم، وتربيتهم، الثاني : قد يُطلق (الخطأ) على ما هو ضدّ العمد، فتقول: فعلت هذا الأمر خطأً، يعني من غير أن تقصد، وهذا ورد في موضوع القتل ذاته في القرآن الكريم في قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا } [النساء:92]، كأن يكون أراد أن يصيد طيراً فأصاب إنساناً، وهذا هو التي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ». ، الثالث : الخطأ من الناحية الشرعيّة : فيمكن تعريف الخطأ بأنه: ما كان مخالفاً للكتاب، أو السنة، أو إجماع الأئمة والعلماء، وهذا تعريف جيّد، وهو يخرج الأشياء التي لا تكون معارضة للكتاب، ولا للسنة ولا لإجماع العلماء، وإنما تكون اختلافاً للعلماء؛ فهذا لا يُوصف بأنه خطأ، وإنما يكون اختلافاً فيه قول قويّ وأقوى، وقد يكون منه راجح ومرجوح، أو قويّ وضعيف، لكن ليس من الحسن أن نحكم على أقوال أئمة وعلماء أنها خطأ محض، إلا في حالات نادرة لأقوال شاذّة أو مهجورة، ومخالفتها للنصوص ظاهرة، وهذا يعتبر استثناء.، ومن الملاحظ أن هناك فرقا كبيرا بين الخطأ والخطيئة ،فالخطيئة شيء أشنع من الخطأ، والإنسان ربما أراد الحقّ فأخطأه، أما الخطيئة فهي كونه أراد الباطل فأصابه ،والخطيئة قد تُطلق على الخطأ الكبير الشنيع من كبائر الذنوب، وعظائم الموبقات؛ ولذلك جاء في القرآن الكريم قول إخوة يوسف: {قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } [يوسف:97] ، ولم يقولوا مخطئين؛ لأنهم كانوا تعمّدوا هذا الفعل، وأدركوا أن فِعلتهم فِعلة عظيمة، فاجتمع جانبا التغليظ: القصد، والشدّة ،
أيها المسلمون
ومما تقدم : يتبين لنا أن هناك فرقا كبيرا بين من يأتي الفعل الذي يستحق العقاب عليه عن طريق العمد ،وبين من يأتي هذا الفعل عن طريق الخطأ أو النسيان ,لذا كان من دعاء المؤمنين الصالحين أن يغفر الله لهم ما اقترفوه نسياناً أو خطأ ,قال الله تعالى :” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (286) البقرة .
ولهذا فقد فرق الشارع الحكيم في العقوبة بين من يتعمد الفعل ومن يأته عن طريق الخطأ ,قال الله تعالى :” وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (5) الأحزاب . وفي مجال الأيمان والحلف : فرق الشرع بين من يحلف لغواً ،وبين من يحلف وهو يدرك أنه يكذب في حلفه ,قال الله تعالى :” لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (225) البقرة . وقال الله سبحانه :” لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (89) المائدة .،وفي الحديث : (عَنْ عَبْد ِالله بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: الْكَبَائِرُ : الإشْرَاكُ بِاللهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النفسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ) رواه البخاري، وفي مجال القتل أيضا : فرق الشرع في الحد والعقوبة بين من يقتل امرأ عن طريق التعمد وبين من يقتله عن طريق الخطأ , قال الله تعالى :” وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (92) ،(93) النساء ، وفي الحديث : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ ،أَنَّ عُثْمَانَ أَشْرَفَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، وَهُوَ مَحْصُورٌ ، فَقَالَ : عَلاَمَ تَقْتُلُونِي ؟! فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ : رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ ، فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ ، أَوْ قَتَلَ عَمْدًا ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ، أَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ ، فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ) .أخرجه أحمد والنَّسَائِي ،وفي مجال الصيد في الحرم : قال الله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (95) المائدة.، وفي الحديث : (عَنْ جَابِرٍ ،قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلاَلٌ ،مَا لَمْ تَصِيدُوهُ ،أَوْ يُصَادَ لَكُمْ.- وفي رواية : صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلاَلٌ ، وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ،إِلاَّ مَا اصْطَدْتُمْ ،أَوِ اصْطِيدَ لَكُمْ ).أخرجه أحمد وأبو داود والتِّرْمِذِيّ ،وليس هذا النهج الإسلامي الحكيم في مجال الأحكام والعبادات الشرعية وفقط , بل أيضاً في مجال المعاملات والأخلاق , ولقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عملياً ,فكان عليه الصلاة والسلام يفرق بين الخطأ الذي يقع من أحد الناس عن طريق التعمد ,وبين الخطأ الذي يقع عن غير قصد فيعذر صاحبه ويصفح عنه ,ومثال ذلك ما رواه البخاري في صحيحه : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ » ،هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بترك هذا الأعرابي الجاهل حتى ينتهي من بوله ،فلما انتهي أمر أن يراق على بوله ذنوبا من ماء فزالت المفسدة . وفي صحيح مسلم : (ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ « إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ » ،وأيضا ما روي من قصة حاطب بن أبي بلتعة , عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا – رضى الله عنه – يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ « انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ ، فَخُذُوهُ مِنْهَا » . فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ . فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ . فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ . فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يَا حَاطِبُ ،مَا هَذَا » .قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ،لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ ،إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ ،وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا ،وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ ،يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ ،فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي ،وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَقَدْ صَدَقَكُمْ » .قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . قَالَ « إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ،وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ». رواه البخاري ،فقد عذر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وذاك لما علم من حسن نيتهما وسلامة قصدهما وعدم تعمد الخطأ .وذلك على خلاف من كان يتعمد الخطأ ويأتي معترفا به طالباً التطهر من خطأه ,فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحد عليه ,فعَنْ أَبِي الْمُنْذِرِ ،مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ ،عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلِصٍّ ، فَاعْتَرَفَ اعْتِرَافًا ، وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ ؟ قَالَ : بَلَى ، مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلاَثًا ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اقْطَعُوهُ ، ثُمَّ جِيئُوا بِهِ ، قَالَ : فَقَطَعُوهُ ، ثُمَّ جَاؤُوا بِهِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قُلْ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، قَالَ : أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ. أخرجه أحمد وغيره وعَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ؛ إنَّ قُرَيْشا أهَمَّهُمْ شَانُ المرأة الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ . فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلا أُسامة ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . فَكَلَّمَهُ أُسامة . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أتشفع في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ . فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إنما هْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ إنهم كَانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ ، تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ ، أقاموا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَأيْمُ اللهِ ، لَوْ أن فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) رواه البخاري ومسلم ،والمسلم مطالب على كل حال أن يستغفر الله تعالى ويتوب إليه من الخطأ والعمد ,لذا فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَخْطَأْتُ وَمَا تَعَمَّدْتُ ،وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ،وَمَا جَهِلْتُ وَمَا تَعَمَّدْتُ ) أخرجه أحمد
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ « ارْحَمُوا تُرْحَمُوا وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ وَيْلٌ لأَقْمَاعِ الْقَوْلِ وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » ،فالإنسان العاقل هو الذي يستفيد من خطأه ولا يستمر في عناده ,العاقل هو الذي إذا وقع في خطأ سارع بالاسترجاع ، وحاول تصحيح الخطأ الذي وقع فيه سواءٌ كان ذلك الخطأ لفظي أو كتابي أو فعلي، مع أنه – في الغالب- عزيز على النفس ، ويبقى الواحد منا في صراع نفسي بين التصحيح أو الاستمرار في الخطأ؛ وهو بلا شك عناد بتحريضٍ شيطاني – إن صحت التسمية -؛ لأن الخطأ قد بان ،ولا يمنعه من التراجع سوى العناد والكبرياء ,لهذا فهو لا يقوم بالاعتذار والتصحيح ،ولكن العاقل هو الذي إذا وقع في خطأ سارع لتصحيحه وتعديله والاعتراف به دون خوف أو خجل من البشر بل الرجوع لرب البشر ،قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) الأعراف:201، فهذه فرصة ومنحة من الله أن نُراجع أخطاءنا ، ففي سنن الترمذي وصححه الألباني : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ » ،فصحح أخطاءك أخي ولا تكترث بمن يصفك بالتقلب ،أو بتغير الرأي فالأسلم والأنقى هو أن نبادر بالاعتراف بالخطأ قبل أن نغادر هذه الدنيا ونحن مُصرون على الخطأ ،ولنتأمل قول الباري جلَّ في عُلاه : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران 135،. فلنكن أقوياء بالحق ،ولا نكن أعداء له بثباتنا على الخطأ ،ولنعترف بخطئنا حال الخطأ ، فكما قيل ليس هناك خطأ أكبر من عدم الاعتراف بالخطأ.. وقيل أيضاً من يقع في الخطأ فهو إنسان ،ومن لا يعترف به فهو شيطان .
الدعاء