خطبة عن(من أحكام الشريعة: جلب المصالح .ودرء المفاسد)
فبراير 7, 2017خطبة عن ( أهمية الاصلاح بين المتخاصمين)
فبراير 8, 2017الخطبة الأولى ( الخوف من الله ) ( وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران 175 . وروى الترمذي بسند حسن (أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ».
إخوة الإسلام
الخوف من الله من أفضل مقامات الدين وأجلِّها ، وهو من أجمع أنواع العبادة التي أمر الله سبحانه بإخلاصها له ، قال تعالى : ( فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران 175 ، ووعد الله سبحانه وتعالى من حقق مقام الخوف منه بجنتين ، فقال تعالى : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) الرحمن 46 ، وأثنى الله على الملائكة بأنهم يخافون ربهم من فوقهم ، فقال تعالى : ( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ) النحل 50 . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ : الْخَوْفُ مِنْ اللَّهِ ” . والخوف النافع للعبد : هو الخوف الذي يحمله على طاعة الله ، وطلب مرضاته ، وترك ما يغضبه ويسخطه ، سبحانه . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” الخوف من الله تعالى يكون محمودًا ، ويكون غير محمود : فالمحمود : ما كانت غايته أن يحول بينك وبين معصية الله ، بحيث يحملك على فعل الواجبات ، وترك المحرمات ، فإذا حصلت هذه الغاية سكن القلب واطمأن ، وغلب عليه الفرح بنعمة الله ، والرجاء لثوابه . وغير المحمود : ما يحمل العبد على اليأس من روح الله والقنوط ، وحينئذ يتحسر العبد وينكمش ، وربما يتمادى في المعصية لقوة يأسه “.
أيها المسلمون
وفي قول الله تعالى : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران 175 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخَافَ أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ، وَلَا يَخَافَ النَّاسَ ، كَمَا قَالَ : ( فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) المائدة 44 ؛ فَخَوْفُ اللَّهِ : أَمَرَ بِهِ ، وَخَوْفُ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ : نَهَى عَنْهُ ، وقَالَ تَعَالَى :(لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ) البقرة 150 ؛ فَنَهَى عَنْ خَشْيَةِ الظَّالِمِ ، وَأَمَرَ بِخَشْيَتِهِ . وَقَالَ تعالى : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (39) الأحزاب ، وَقَالَ تعالى : (إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) النحل (51) ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ : يَا رَبِّ إنِّي أَخَافُك وَأَخَافُ مَنْ لَا يَخَافُك : فَهَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ ، ولَا يَجُوزُ ؛ بَلْ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَخَافَ اللَّهَ وَحْدَهُ ، وَلَا يَخَافَ أَحَدًا ؛ فَإِنَّ مَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ : أَذَلُّ مِنْ أَنْ يُخَافَ ؛ فَإِنَّهُ ظَالِمٌ ، وَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ ؛ فَالْخَوْفُ مِنْهُ قَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ .
وَإِذَا قِيلَ : قَدْ يُؤْذِينِي ؟ قِيلَ : إنَّمَا يُؤْذِيك بِتَسْلِيطِ اللَّهِ لَهُ ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ دَفْعَ شَرِّهِ عَنْك دَفَعَهُ ؛ فَالْأَمْرُ لِلَّهِ ؛ وَإِنَّمَا يُسَلَّطُ عَلَى الْعَبْدِ بِذُنُوبِهِ ، وَأَنْتَ إذَا خِفْتَ اللَّهَ ، فَاتَّقَيْتَهُ ، وَتَوَكَّلْتَ عَلَيْهِ : كَفَاكَ شَرَّ كُلِّ شَرٍّ ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَيْكَ ، فَإِنَّهُ قَالَ تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق 3، وَتَسْلِيطُهُ يَكُونُ بِسَبَبِ ذُنُوبِك ، وَخَوْفِك مِنْهُ . فَإِذَا خِفْتَ اللَّهَ ، وَتُبْتَ مِنْ ذُنُوبِك ، وَاسْتَغْفَرْتَهُ : لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْكَ ، كَمَا قَالَ تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الأنفال 33 ، وعلى ذلك : فلا ينبغي إطلاق هذا القول ؛ بل حقه أن يضاف إلى ” المناهي اللفظية ” التي ينبغي توقيها . والخوف : عرفه الراغب الأصفهاني بقوله: توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة. ويضاده الأمن، ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية ،وعرفه الجرجاني فقال: الخوف توقع حلول مكروه، أو فوات محبوب . وقيل: فزع القلب من مكروه يناله أو من محبوب يفوته . وقد ذُكر الخوف في القرآن ودل على عدة معاني: بمعنى الهزيمة، قال تعالى-: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ }النساء 83. وبمعنى الحرب والقتال، قال –تعالى-: { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ }الأحزاب 19. بمعنى العلم والدراية، قال تعالى :{ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا } البقرة (182) أي علم. بمعنى النقص، قال تعالى: { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ } النحل 47، أي تنقص. وبمعنى الرعب والخشية من العذاب والعقوبة، قال –تعالى-: { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا } السجدة 16. وقال تعالى: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) الرحمن 46 ، وفي مسند الإمام أحمد (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ ». وفيه : (عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ». قَالُوا وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِىَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ».
أيها المسلمون
ولقد تكلم السلف الصالح عن الخوف من الله، فهذا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- يقول: لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحداً لخفت أن أكون أنا هو. وعن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال:
وعد الله المؤمنين الذين خافوا مقامه، وأدوا فرائضه الجنة. وبكى أبو هريرة – رضي الله عنه – في مرض موته، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي بُعْد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يُؤخذ بي!!. وقال عبد لله بن مسعود – رضي الله عنه-: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل يخشى أن ينقلب عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال به هكذا. وقال ذو النون:
الناس على الطريق ما لم يَزُل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلوا عن الطريق. وقال الحسن: الرجاء والخوف مطيتا المؤمن. وقال عمر بن عبد العزيز: من خاف اللهَ أخاف اللهُ منه كلَّ شيء، ومن لم يخف اللهَ خاف من كل شيء.
وقال هرم بن حيان: وددت –والله- أني شجرة أكلتني ناقة، ثم قذفتني بعراً، ولم أكابد الحساب يوم القيامة، إني أخاف الداهية الكبرى!. وقال أبو سليمان الداراني: إن أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله – عز وجل-، وكل قلب ليس فيه خوف فهو قلب خرب. وقال الغزالي: إن الرجاء والخوف جناحان، بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود، ومطيتان بهما يقطع من طرق الآخرة كل عقبة كؤود. وقال أبو علي الروذباري: الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير، وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهب صار الطائر في حد الموت ..
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الخوف من الله ) ( وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأقدم لكم نماذج من سيرة الخائفين: وأولهم سيد الخائفين – سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم-: ففي سنن الترمذي بسند حسن (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ،قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ. قَالَ « شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلاَتُ وَ (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) وَ (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) » ، وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّى وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ) ، وكان إذا تغيرت الريح دخل وخرج، وعُرف ذلك في وجهه.. وكان يبكي حتى يبل ثوبه ويبل الثرى بدموعه.. وفي صحيح البخاري (قَالَتْ وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ . قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا ، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ . فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا ( هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) » ، وفي مسند أحمد : (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ بَصُرَ بِجَمَاعَةٍ فَقَالَ « عَلاَمَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلاَءِ ». قِيلَ عَلَى قَبْرٍ يَحْفِرُونَهُ. قَالَ فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَدَرَ بَيْنَ يَدَىْ أَصْحَابِهِ مُسْرِعاً حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ فَجَثَا عَلَيْهِ – قَالَ – فَاسْتَقْبَلْتُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ لأَنْظُرَ مَا يصْنَعُ فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى مِنْ دُمُوعِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا قَالَ « أَيْ إِخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا ». 2. أما خوف جبريل وميكائيل- عليهما السلام-: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- :” مررت ليلة أُسري بي بالملأ الأعلى، وجبريل كالحِلْس البالي من خشية الله -تعالى-” رواه الطبراني في معجمه ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ « مَا لِى لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكاً قَطُّ قَالَ مَا ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ »رواه أحمد . 3. وأما عن خوف عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: فقد تركت الدموع خطين أسودين في وجهه. وقد قرأ مرة آية ففزع ومرض حتى عاده الصحابةُ شهراً. وكان عمر يخاف الله في رعيته وهذا الأمر مشهور عنه، ولقد اشتهر عمر رضي الله عنه بالعدل وقول الحق والوقوف عنده، وما ذاك إلا لما وقر في القلب من إيمان وخوف من عذاب الله. 4. وأما عن خوف الفضيل بن عياض- رحمه الله-: فقد قال هارون الرشيد: ما رأت عيناي مثلَ الفُضيل بن عياض، قال لي -وقد دخلت عليه-: يا أمير المؤمنين، فرِّغ قلبك للحزن والخوف حتى يسكناه، فيقطعاك عن معاصي الله، ويباعداك من عذاب النار. وقال يحيى بن أيوب: دخلت مع زافر بن سليمان على الفضيل بن عياض بالكوفة، فإذا الفضيل وشيخ معه، قال: فدخل زافر وأقعدني على الباب. قال زافر: فجعل الفضيل ينظر إلي ثم قال: يا أبا سليمان، هؤلاء أصحاب الحديث، ليس شيء أحب إليهم من قرب الإسناد، ألا أخبرك بإسناد ولا شك فيه، عن رسول الله، عن جبريل، عن الله: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ، فأنا وأنت يا أبا سليمان من الناس، قال: ثم غشي عليه وعلى الشيخ، وجعل زافر ينظر إليهما. قال: ثم تحرك الفضيل، فخرج زافر وخرجت معه، والشيخ مغشي عليه. وعن إبراهيم بن الأشعث قال: كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة، لا يزال يعظ ويذكر ويبكي؛ حتى لكأنه يودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة؛ حتى يبلغ المقابر فيجلس، فكأنه بين الموتى جالس، من الحزن والبكاء، حتى يقوم ولكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها. 5. وأما عن خوف علي بن الفضيل… قتيل القرآن: قال محمد بن بشر المكي: كنا يوماً ماضين مع علي بن الفضيل، فمررنا بمجلس بني الحارث المخزومي، ومعلمٌ يعلم الصبيان، قال: ويقرأ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} فشهق ابن الفضيل شهقة خرَّ مغشياً عليه، فجاء الفضيل فقال: بأبي قتيل القرآن! ثم حمل، فحدثني بعض من حمله أن الفضيل أخبره أن علياً ابنه لم يصل ذلك اليوم الظهر ولا العصر، ولا المغرب ولا العشاء، فلما كان في جوف الليل أفاق. وقال أبو بكر بن عياش: صليت خلف فضيل بن عياض صلاة المغرب، وإلى جانبي علي ابنه، فقرأ الفضيل: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} فلما بلغ: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} سقط عليٌ مغشياً عليه، وبقى الفضيل لا يقدر يجاوز الآية، ثم صلى بنا صلاة خائفٍ، قال: ثم رابطت علياً فما أفاق إلا في نصف الليل.
أيها المسلمون
وللخوف من الله وخشيته فوائد متعددة : فمن فوائد الخوف من الله وخشيته : 1. الفوز بالجنة والنجاة من النار. ففي صحيح البخاري (عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُسِيءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ ، فَقَالَ لأَهْلِهِ إِذَا أَنَا مُتُّ فَخُذُونِي فَذَرُّونِي ، فِي الْبَحْرِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ ، فَفَعَلُوا بِهِ ، فَجَمَعَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِى صَنَعْتَ قَالَ مَا حَمَلَنِي إِلاَّ مَخَافَتُكَ . فَغَفَرَ لَهُ » ، 2. الخوف من الله يُبعد الإنسان عن الوقوع في المعاصي. فقد روى الترمذي بسند حسن : (أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ». 3. ومن فوائد الخوف من الله : الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة. ففي صحيح ابن حبان (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه جل وعلا قال : وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة) ، 4. والخوف من الله دليل على كمال الإيمان. 5. والخوف من الله يثمر محبة الله وطاعته. 6. والخوف من الله يورث المسلم الشفقة على الخلق. 7. والخوف من الله دليل على صفاء القلب وطهارة النفس. 8. والخوف من الله سبب لهداية القلب. 9. والخوف من الله يحمل الإنسان المسلم على التخلق بالأخلاق الحسنة وتجنب الكبر والعجب .
الدعاء