خطبة عن (قُولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، تُفلِحوا)
أغسطس 31, 2019خطبة عن حديث (لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ)
سبتمبر 7, 2019الخطبة الأولى ( لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ ».
أخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم إن شاء الله مع هذا الحديث النبوي الشريف ، والذي يجمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخوف والرجاء ، والرغبة والرهبة ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم : (لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ ) ،قيل أن المعنى : لو يعلم المؤمن الذي وجبت له الجنة ،ما عند الله من العقوبة ،ومن العذاب ،وما أعده لأهل النار فيها، ما طمع في جنة الله عز وجل، بل لتمنى أن ينجو من النار ، ومن العذاب، حتى وإن لم يدخل الجنة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ ». فهذا في حق الكافر، وهو على عكس ما هو في حق المؤمن ، فالكافر لو يعلم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظم العذاب فيحصل له الرجاء، أو أن المراد : أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة، فمن علم أن من صفات الله – تعالى – الرحمة لمن أراد أن يرحمه ، والانتقام ممن أراد أن ينتقم منه: لا يأمن انتقامه من يرجو رحمته، ولا ييأس من رحمته من يخاف انتقامه، وذلك باعث على مجانبة السيئة ولو كانت صغيرة وملازمة الطاعة ولو كانت قليلة ،قال المباركفوري: (إن المؤمن قد اختص بأن يطمع في الجنة، فإذا انتفى الطمع منه فقد انتفى عن الكل، وكذلك الكافر مختص بالقنوط، فإذا انتفى القنوط عنه فقد انتفى عن الكل. وورد هذا الحديث في بيان كثرة رحمته وعقوبته ،كيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن من عذابه، ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه
فالمؤمن يعيش حياته الدنيا بين الخوف والرجاء ،بين الخوف من عذابه ، والطمع في رحمته ، فعلم الإنسان بعظمة الله تعالى وبذنوبه ،وتقصيره في حق الله ،يوجب له الخوف من الله ، من غير أن يصل إلى اليأس من رحمة الله . وعلمه بسعة فضل الله ،وعفوه ،وكرمه ،ورحمته، يوجب له رجاء ،أن يكون من أهل تلك الرحمة الواسعة ، من غير أن يصل إلى الأمن من مكر الله . وبهذا يعتدل سير المسلم إلى الدار الآخرة ، فيجمع بين الخوف والرجاء ، ويجتنب اليأس من رحمه الله ، والأمن من مكره . فبرجاء رحمة الله يعبد المسلم ربه ويطيعه ويعمل الصالحات ، وبالخوف منه يترك معصيته، وقد رغب الله تعالى عباده في رحمته وفضله ورهبهم وخوفهم من عذابه ، فقال الله تعالى : (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) (49) ،(50) الحجر ،وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” ولهذا قال بعض السلف : من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري [ الحرورية : هم الخوارج ] ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن . فما وصل الواصلون إليه بمثل خوفه ورجائه ومحبته ؛ فمتى خلا القلب من هذه الثلاث : فسد فسادا لا يرجى صلاحه أبدا ،ومتى ضعف فيه شيء من هذه: ضعف إيمانه بحسبه ” ،وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :” الواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس، ولا يقنط ويدع العمل ، بل يكون بين الرجاء والخوف يخاف الله ، ويحذر المعاصي ، ويسارع في التوبة ، ويسأل الله العفو، ولا يأمن من مكر الله ويقيم على المعاصي ويتساهل ؛ ولكن يحذر معاصي الله ، ويخافه ولا يأمن ، بل يكون بين الخوف والرجاء ” ،وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :” إن غلب عليه الرجاء ؛ وقع في الأمن من مكر الله ، وإن غلب عليه الخوف ؛ وقع القنوط من رحمة الله ، وكلاهما من كبائر الذنوب ” .
أيها المسلمون
فاحذروا من الشيطان فإنه يريد أن يوقعكم في اليأس من رحمة الله لتتركوا عبادة الله ، أو يوقعكم في الاسراف في الرجاء ، وعدم الخوف من مكر الله ، فتهون عليكم المعاصي ،وفي هذا الحديث رغبنا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وبشرنا في آخره ،كما خوَّفنا في أوله ، ليكون ذلك دافعا لنا إلى الاجتهاد في طاعة الله وإحسان الظن به ، والابتعاد عن معصيته ، وبهذا ينتفع الإنسان بالموعظة التي يسمعها .قال ابن القيم رحمه الله :” الِانْتِفَاعُ بِالْعِظَةِ [الموعظة] : هُوَ أَنْ يَقْدَحَ فِي الْقَلْبِ قَادِحُ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ ، فَيَتَحَرَّكَ لِلْعَمَلِ ، طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنَ الْخَوْفِ ، وَرَغْبَةً فِي حُصُولِ الْمَرْجُوِّ. ولا شك أن العلم بالله يوجب الخوف من الله تعالى ، ولكن يجب أن لا يبلغ هذا الخوف بالإنسان حتى يصل به إلى اليأس من رحمة الله ، قال نبي الله يعقوب عليه السلام : ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف 87. قال ابن القيم رحمه الله :” الْخَوْفُ الْمُوقِعُ فِي الْإِيَاسِ : إِسَاءَةُ أَدَبٍ عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَهُ ، وَجَهْلٌ بِهَا ” ، وقد روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي : إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ ) صححه الألباني في “الصحيحة”، وقال الامام النووي رحمه الله في شرح رياض الصالحين : اعلم أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفا راجيا، ويكون خوفه ورجاؤه سواءً، وفي حال المرض يمحض الرّجاء،
أيها المسلمون
إن الخوف من الله ،يحمل المؤمن على الكف عن محارم الله وحدوده ،والحذر الشديد من الوقوع في أسباب سخط الله ، وغضب الله ، ولعنة الله ، فينزجر قلبه عما حرم الله ،ويتقي بجوارحه من الوقوع في الفواحش والآثام. فالخوف هو السبيل والطريق الذي يمنع المؤمن من الشهوات خشية الوقوع في العقوبة. قال الله تعالى: (وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ) الحجر 50. وقال الله تعالى: ( إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) الاسراء 57. فالخوف المحمود شرعا : هو الذي يحث على فعل الصالحات ،وترك المحرمات ،أما إذا زاد عن حده ، أفضى إلى اليأس ، والقنوط من رحمة الله. والرجاء في رحمة الله تعالى أيضا عمل قلبي جليل. قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة 218. وحقيقة الرجاء في قلب المؤمن : هو طمعه في نيل رضا الله ، ومحبته ، وثوابه من نعيم الجنة ، وطمعه في حال أهل الجنة ، ودخوله فيهم. والرجاء في وعد الله وعطائه ،يحمل المؤمن على الاستمرار في فعل الطاعات ،والمسابقة في الخيرات ،والاجتهاد في استغلال الأوقات ،فيما يعود عليه بالنفع في الآخرة. فمن يرجو رحمة الله يكون قلبه معلقا بنعيم الله ،وما أعده للمتقين في الآخرة ،وجوارحه مسخرة في الصالحات ،فهو يطمع أشد الطمع بالفوز بالجنة والرضا، وعلى هذا فالرجاء هو السبيل والطريق الذي يسوق المؤمن ويحدوه لفعل الصالحات.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والمؤمن ذو القلب الحي ، إذا قرأ نصوص الوعيد ، والعذاب ، وأحوال الكفار والمعاندين والفساق ، واتصافهم بخزي الدنيا وعذاب الآخرة ، أصابه القلق والذعر والخوف الشديد من دخوله فيهم ، وإذا قرأ نصوص الوعد والرجاء والنعيم ، وأحوال الأنبياء والمتقين ،واتصافهم بالذكر الحسن في الدنيا ، والفلاح في الآخرة ، طار قلبه فرحا ، واشتاق لبلوغ الجنة ، وسأل الله أن يكون منهم. فالعلم بعظم العذاب العقاب يوجب الخوف ،والعلم بسعة الرحمة يوجب الرجاء ، وهذا هو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم : « لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ ». فقلب المؤمن ينبغي أن يكون في سيره إلى الله ، بين مقام الخوف ،ومقام الرجاء ،حتى يكون متوازنا في عبادته ، لا يغلب جانب على جانب ،فإن دعته نفسه للمعصية ، تذكر الخوف ، وإن دعته نفسه لترك العمل ، ذكرها بالرجاء ، قال تعالى في وصف المتقين: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ). الاسراء 57، وقال الله تعالى:(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ )الزمر 9 فالصالحون يسابقون في الخيرات وهم يطمعون في رحمة الله ويخافون عذاب الله. ولذلك قال ابن القيم: (القلبُ في سَيره إلى الله عزّ وجلّ بمنزلة الطائر، فالمحبّة رأسه ، والخوف والرجاء جناحاه). فالخوف والرجاء للمؤمن بمنزلة الجناحين للطائر إذا فقد أحدهما لم يستطع التحليق.
الدعاء