خطبة عن (الله الحافظ الحفيظ)
يونيو 14, 2025خطبة عن (إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) 2
يونيو 14, 2025الخطبة الأولى ( يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ »، وفي رواية لمسلم : « يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ ».
إخوة الإسلام
يبيَّن لنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديثِ أنَّ اللهَ تبارك وتعالى ينزِلُ من كلِّ ليلة حينَ يبقى الثُّلثُ الأخير مِن اللَّيل، ويقول: (مَن يدعوني فأستجيبَ له، ومَن يسأَلُني فأُعطيَه، ومَن يستغفِرُني فأغفِرَ له؟) ،فهذا وقتٌ شريفٌ مرغَّبٌ فيه، خصَّه اللهُ تعالى بالنُّزولِ فيه، وتفضَّلَ على عبادِه بإجابةِ مَن دعاه فيه، وإعطاءِ مَن سأَله؛ إذ هو وقتُ خَلوةٍ وغفلةٍ واستغراقٍ في النَّومِ، واستلذاذٍ به، ومفارقةُ اللَّذَّةِ والرَّاحةِ صعبةٌ على العبادِ؛ فمَن آثَر القيامَ لمناجاة ربِّه والتضرُّعِ إليه في غفران ذنوبِه، وفَكاكِ رقبتِه مِن النَّار، وسأَله التَّوبةَ في هذا الوقتِ الشَّاقِّ، على خَلوةِ نفسِه بلذَّتِها، ومفارقةِ راحتِها وسَكَنِها- فذلك دليلٌ على خُلوصِ نيَّتِه، وصحَّةِ رغبته فيما عند ربِّه، فضُمِنت له الإجابةُ الَّتي هي مقرونةٌ بالإخلاصِ وصدقِ النِّيَّةِ في الدُّعاء؛ إذ لا يقبَلُ اللهُ دعاءً مِن قلبٍ غافلٍ لاهٍ؛ فلذلك نبَّه اللهُ عبادَه إلى الدُّعاء في هذا الوقتِ، الَّذي تخلو فيه النَّفسُ مِن خواطرِ الدُّنيا؛ ليستشعِرَ العبدُ الإخلاصَ لربِّه، فتقَعَ الإجابةُ منه تعالى؛ رِفقًا مِن اللهِ بخَلقِه، ورحمةً لهم.
وقد بين العلماء أن قوله صلى الله عليه وسلم : (يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ) فهو نزول يليق بالله ،وليس مثل نزولنا، ولا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه، فهو ينزل كما يشاء، ولا يلزم من ذلك خلو العرش فهو نزول يليق به جل جلاله، وثلث الليل يختلف في أنحاء الدنيا ،وهذا شيء يختص به تعالى ،لا يشابه خلقه في شيء من صفاته ،كما قال سبحانه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11]، وقال جل وعلا: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) [طه:110]، وقال تعالى في آية الكرسي: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَآءَ) [البقرة:255]، والآيات في هذا المعنى كثيرة ،وهو سبحانه أعلم بكيفية نزوله. فعلينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله تعالى ، فهو سبحانه لا يشبه خلقه في شيء من صفاته. بل على الوجه الذي يليق به سبحانه ،ولا نعلم كيفيته ، فلا نشبهه بالخلق ولا نمثله ،ومن التزم بهذا الأمر سلم من شبهات كثيرة، ومن اعتقادات لأهل الباطل كثيرة عديدة وحسبنا أن نثبت ما جاء في النصوص وألا نزيد على ذلك.
ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بالله، ونعلم كذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أفصح الخلق، ونعلم كذلك أنه صلى الله عليه وسلم هو أصدق الخلق فيما يخبر به، فليس في كلامه شيء من الكذب، ولا يمكن أن يتقول على الله تعالى شيئاً ،لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في أحكامه، قال الله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} الحاقة (44): (47) ، ونعلم كذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصح الخلق للخلق، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يساويه أحد من الخلق في النصيحة للخلق، ونعلم كذلك أنه صلى الله عليه وسلم لا يريد من العباد إلا أن يهتدوا، وهذا من تمام نصحه أنه لا يريد منهم أن يضلوا، فهو عليه الصلاة والسلام، أعلم الخلق بالله، وأنصح الخلق للخلق، وأفصح الخلق فيما ينطق به، وكذلك لا يريد إلا الهداية للخلق.
أيها المسلمون
وقوله تعالى: (مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ » فالله سبحانه وتعالى –في هذا الوقت من الليل- يطلب من عباده أن يدعوه، ويرغِّبهم في ذلك، فهو يستجيب لمن دعاه، ويطلب منهم أن يسألوه ما يريدون، فهو يعطي من سأله، ويطلب منهم أن يستغفروه من ذنوبهم فهو يغفر لعباده المؤمنين، والمراد بالطلب الحث والندب ،قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55]، ورغَّبَ سبحانه في ذلك بأن وعد بالاستجابة لمن توجه إليه بالدعاء وجعله جوهر العبادة؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]، وورد في “سنن أبي داود” عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، قَالَ رَبُّكُمُ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾». ولأن الله تعالى هو الجواد الكريم المتفضل على عباده ،يأمرهم بالدعاء في كل الأوقات، إلا أنه تعالى خصَّ بعض الأوقات بمزيد فضل يستحب عدم إغفالها في الاستغفار والتضرع والسؤال؛ وذلك كيوم الجمعة، ويوم عرفة، والثلث الأخير من الليل في كل ليلة؛ ولا تتوقف الفيوضات الربانية والنفحات الإلهية في باب الدعاء؛ فيرشد الحق سبحانه وتعالى عباده إلى مفاتيح الخير؛ ومنها: الأسماء الحسنى، قال تعالى: ﴿وَللهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180]، تلك الأسماء الحسنى التي أُمِرْنَا أن ندعو الله بها؛ فنقول: يا رحيم ارحمنا، ويا رزاق ارزقنا، ويا لطيف الطف بنا في جميع المقادير، وهكذا في جميع الأسماء بما يتناسب مع الدعاء.
ومن آداب الدعاء: أن يتحقق الداعي بحسن الظن بخالقه، وأنه سيجيب دعاءه ويحقق له مطلوبه ورجاءه؛ ففي “سنن الترمذي” عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ»، والله تعالى كريم حيي يستحي أن يدعوه عبده فلا يجيبه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا» “سنن أبي داود”. وينبغي الإلحاح في الدعاء؛ فإن الله يحب الـمُلحِّين في الدعاء، وأن يتمثَّل شروط الإجابة من إطابة المطعم من الرزق الحلال الطيب، وينبغي أيضًا ألا يستبطئ رحمات ربه تعالى ويتعجل الإجابة.
والله تعالى يقول في الآية الكريمة: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ الاعراف (55)، أي: إذا كنت أيها العبد داعيًا فاستحضر عظمة الخالق سبحانه بالانكسار والتذلل إليه، وإظهار الضعف والتضرع له؛ فهذا أقرب للقبول، وكذلك: اعلم أيها العبد أن ربك سميع قريب مجيب الدعاء؛ فلأجل ذلك احرص على الإخلاص في الدعاء، وترك الرياء؛ فإن هذا أدعى للمنح والعطاء. فالدعاء من أكبر أبواب الخير متى طُرِق فُتِح، وهو سبحانه كريم إذا دُعي أجاب، وإذا سئل أعطى، يمنح ولا يمنع إلا لحكمة وإن لم ندركها بعقولنا القاصرة، والمرء مأجور على كل حال، فينبغي عليه الاستفادة والانتفاع بهذا الباب ولزومه؛ فهو فعل الأنبياء والصالحين، وعباد الله المتقين
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فيا أصحاب الحاجات؛ ويا طالبي المغفرة والعفو والغفران ،الله جلَّ وعلا ينزل إلى السّماء الدّنيا كلّ ليلة، يقترب منّا، ويعرض علينا رحمته واستجابته، وعطفه ومودّته، وينادينا نداء حنونًا مشفقًا.. فأين نحن من هذا العرض السّخيّ؟ فقُم أيّها المكروب في ثلث اللّيل الأخير، وقُل: لبّيك وسعديك، أنا يا مولاي المكروب وفَرَجُك دوائي، وأنا المهموم وكشفُك سَنائي، وأنا الفقير وعطاؤك غَنائي، وأنا الموجوع وشفاؤك رجائي.. قُم وأحْسِن الوُضوء، ثمّ أَقِم ركعات خاشعة أظهر فيها لله ذُلَّك واستكانتك له، وأطلعه على نية الخير والرّجاء في قلبك، ولا تُبيّت فيه سوء نية، ثمّ تَضرَّع وابتهل إلى ربّك، واشكي إليه كَربَك راجيًا منه الفرج، وتيقَّن أنّك موعود بالاستجابة فلا تعجل، فإنَّ الله قد وعدك إن دعوتَه أجابك، فقال سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} النمل (62 ) ، ثمّ وعدك أنَّه أقرب إليكِ في الثلث الأخير، فتمَّ ذلك وعدان، والله جلَّ وعلا لا يخلف الميعاد.. فقُم يا ذا الحاجة ولا تستكبر عن السّؤال، فقد دعاك مولاك إلى التعبُّد له بالدّعاء فقال سبحانه: {وَاسْأَلُواْ اللهَ مِن فَضْلِهِ} النساء (32) ، وخير وقت تسأله فيه هو ثلث اللّيل الأخير.. قُم ولا تيأس مهما اشتدَّ اضطرارك، فربَّكِ قدير لا يعجزه شيء، وإنَّما أمره إذا قضَى شيئًا أن يقول له كن فيكون. وتَذكّر أنَّ الله سبحانه من جميل رحمته قد حرَّم عليكِ سوء الظنّ به، كما حرَّم عليكِ اليأس من رحمته، فقال سبحانه: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف (87) ، فقُم وأحْسِن الظنّ بربّك، وتحنّن إليه بجميل أوصافه ،وسعة رحمته ،وجميل عفوه ،وعظيم عطفه ورأفته، فحاجتُك ستقضى ،وكربك سيزول، فلا تيأس ،واطلب في محاريب القيام الرَّوْح والريْحان.
الدعاء