خطبة عن الأخوة في الإسلام وقوله تعالى (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ)
مايو 27, 2023خطبة عن (الحج رحلة إيمانية)
يونيو 3, 2023الخطبة الأولى ( إنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
(عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:{إنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ} رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ ،وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ،وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ :{الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ}،وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَهُ :{لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ الدُّعَاءِ} وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
إخوة الإسلام
لقد أمر الله عباده بالدعاء فقال الله تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر (60) ، فالآية تدل على الوجوب ،ولأن ترك العبد دعاء ربه من الاستكبار وهو كفر، وقال الله تعالى : (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) النساء (32) ،وقال الله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الاعراف (55) ،ومن المعلوم أن الدعاء نوعان: دعاء عبادة ،ودعاء مسألة ،ويراد به في القرآن هذا تارةً ،وهذا تارةً أخرى. وقد يراد مجموعهما ، فدعاء المسألة: هو طلب ما ينفع الداعي من طلب نفع أو كشف ضر ،وأما دعاء العبادة: فهو التوسل إلى الله تعالى لحصول مطلوبه، أو كشف الشر عنه بإخلاص العبادة له وحده ، قال شيخ الإسلام : والدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة، وكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة، قال تعالى: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ الاعراف (55)،وقال تعالى : ﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾ الانعام (41) ،وأمثال هذا في القرآن كثير في دعاء المسألة، وهو يتضمن دعاء العبادة، لأن السائل أخلص سؤاله لله، وذلك من أفضل العبادات، وكذلك ذاكر الله والتالي لكتابه فهو طالب من الله في المعنى فيكون دعاء عبادة ، والدعاء يشتمل على خصائص جليلة ،ومزايا كثيرة ، لا توجد في غيره من أنواع العبادات ،فنفع الدعاء يقع في الحياة والممات ،حيث ثبت انتفاع الميت بدعاء الأحياء ،من ولد أو والد أو قريب ،ومن خصائص الدعاء : سهولته ،وعدم تقيده بزمان ولا مكان ولا حال ،واشتماله على حضور قلبي لا يوجد في غيره ،فإن من تعبد بالصلاة والزكاة والصيام يغلب عليه فيها الغفلة ،فإذا دعا استدعى ذلك له حضور في قلبه ، ولاشتمال الدعاء على التذلل ،وإظهار الفاقة ،وذل العبودية ،وعز الربوبية ،كما يجتمع في الدعاء الكثير من أنواع العبادات : ففيه توجه القلب إلى المدعو وقصده بكليته ،وفيه رجاء إجابته للدعاء، والرغبة إليه رغبة صادقة مع قطع الرجاء والأمل عن غيره ،وفيه الخوف من عدم إجابته ، والرهبة والخشية منه ،وفي الدعاء التوكل والاعتماد عليه في قضاء الحاجات، وفيه تعظيم المدعو بأنواع التعظيم : من التضرع والتذلل والخضوع والتملق والانطراح بين يديه ،وكذا ذكر المدعو باللسان واللهج باسمه في السر والعلن وندائه والاستغاثة به والهتاف باسمه ، وفيه محبة المدعو ،فإن النفس مولعة بمحبة من يحسن إليها ،وهو يشتمل أيضا على التواضع وإظهار الفقر والحاجة والانكسار بين يدي الله تعالى ،والتذلل له ،والتبري من الحول والقوة إلا به، وكذا البكاء ورفع اليدين إلى السماء ،وكذا يكون الإخلاص يقويا في الدعاء ،
أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا أن الدُّعاء مِن العِباداتِ الجليلةِ ، والتي حثَّ عليها الشرعُ ، ورغَّبَ فيها، وفيها يَكونُ العبدُ قريبًا مِن اللهِ تعالى؛ ففي الدُّعاءِ يَقِفُ العبدُ بينَ يدَيِ اللهِ سائِلًا حاجتَه ،متوسِّلًا إليه بأسمائِه وصِفاتِه، مُتوجِّهًا إليه بقَلبِه، مُثنِيًا عليه بلِسانِه لا واسطةَ بينَه وبينَ اللهِ عزَّ وجلَّ ،
وفي هذا الحديثِ الذي هو بين أيدينا اليوم ، يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: “الدُّعاءُ هو العبادةُ”، أي: مِن أجلِه تَكونُ العبادةُ؛ لأنَّ العبدَ في دُعائِه لربِّه يَكونُ مُعترِفًا بكَمالِ رُبوبيَّتِه وأُلوهيَّتِه، ويَكونُ مُقبِلًا على اللهِ مُعرِضًا عن غيرِه، يَدْعوه بأسمائِه الحُسْنى ، لا يَدْعو أحَدًا غيرَه ، مِن نبيٍّ أو وليٍّ، مُستعينًا به في قَضاءِ حَوائجِه في الدُّنيا والآخرةِ، ثمَّ قرَأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم قولَه تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، أي: اعبُدوني، وقيل: اسأَلوني؛ لأنَّ الدُّعاءَ إمَّا أن يَكونَ دُعاءَ عِبادةٍ وهو الثَّناءُ على اللهِ بصِفاتِه وأسمائِه، أو دُعاءَ مَسألةٍ، وهي سؤالُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ حاجتَه، وطلَبُ الرَّحمةِ والمغفرةِ، وقولُه تعالى: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ}،أي: أُثِبْكم على عِبادتِكم ،وأُعْطِكم ما تَسأَلون؛ {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ}، أي: يَكونون مُتكبِّرين عِن عِبادتي ودُعائي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، أي: يَكونُ جَزاؤُهم أنَّهم يَدخُلون النَّارَ وعَليهِمُ الذِّلَّةُ والصَّغارُ؛ جزاءَ استِكْبارِهم عن دُعاءِ اللهِ وعبادتِه.
أيها المسلمون
فيا أيها المريض الذي أقعدك المرض وأتعبك ،وأسهر ليلك ،وأشقى نهارك ،وصرفت فيه أكثر أموالك ،عليك بالدعاء ،ويا من أثقلت الديون كاهله ،وأشغلت باله ،وأربكت حسابه ، أتريد التخلص من هذه الديون؟ ، اكثر من الدعاء ،وأنت أيها الفقير الذي أجاع بطنه ،وأرهق عياله، وبسط يده يستجدي الناس أعطوه أو منعوه ، خذ بأسباب الرزق ، وليلهج لسانك بالدعاء ، ويا أيها المظلوم ، ويا من هُضم حقه ،وتحطمت نفسيته ،وضعفت معنوياته ،هل تريد نصر الله؟، ورفع الظلم عنك؟ ، فارفع يديك بالدعاء ،وأنت يا من كان عقيماً ،ولم تحمل زوجته ،وهو يتمنى الولد, كن كنبي الله زكريا ، وارفع يديك بالدعاء ، قال الله تعالى : (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (38) :(39) آل عمران، وأنت يا أيها الطالب الذي يتخوف في دراسته ،ويخاف من عدم النجاح ، وأيها الطالب الحريص على التفوق والنجاح ،اعلم أن أمرك كله بيد الله ،وتوفيقك بيد الله ،فعليك بالدعاء ، وأنت أيها الأب الذي يرجو صلاح أبنائه ،وتفوقهم في الدنيا والآخرة , ويخشى عليهم من الانحراف والضلال ومجالسة الأشرار ,ويتمنى أن يرفعوا رأسه ،وينفعوا أباهم ومجتمعهم وأمتهم ،فمع عملك بالأسباب لا تنس الدعاء ،وأنت يا أخي الذي ارتكب المعاصي والذنوب ،ويريد أن يتوب ،ويرجع إلى علام الغيوب ،ويا من معصية تكاد أن تهلك دينه ودنياه ,وكلما أراد الخلاص منها ازداد لها توقّداً وبها تعلقاً ،الطريق من هنا ،فعليك بالدعاء ،نعم إنه الدعاء ،أن ترفع يدين طاهرتين إلى رب كريم ، وتسأله سؤال تضرع وذل ومسكنه ،وحاجة وافتقار إلى صاحب الجود والإنعام والرحمة والإحسان ,تدعوه متأدباً بآداب الدعاء ،فان هذا الدعاء لا يرد بإذن الله أبداً ، فادع الله ، فإذا دعوته سيستجيب لك ،فإن الله جعل على نفسه حقاً أنك إذا دعوته ورجوته أن يستجيب لك مباشرة ، قال الله تعالى : ” وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (60)غافر ،وقال الله تعالى : ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186) البقرة ، فالدعاء دال على قرب صاحبه من الله ،فيسأله مسألة القريب للقريب ، لا نداء البعيد للبعيد ،فما تدعو الله بشيء ملتزماً بآداب الدعاء إلا واستجاب الله لك بأحد طرق الاستجابة المعروفة ، فاحمل همّ الدعاء ولا تحمل همّ الإجابة ، وأنت لو دعوت البشر فإنهم يغضبون ،وعليك يتكبرون ،ولك لا يستجيبون ،فلا تفر إليهم مهما كانوا أطباء أو موظفين أو أصحاب مالٍ وجاه ، فإذا رفعت يدك إلى الله ، استحي منك الجبار تبارك وتعالى ، وصاحب الملك والملكوت والعزة والجبروت ، نعم يستحيي منك أن يرد يديك صفراً ” ، فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا” رواه أبو داود ، ولا تحمل همّ الإجابة ،ولكن احمل همّ الدعاء, فادع وتيقن الإجابة واعلم بالفرج، فإنك تدعو من بيده ملكوت السماوات والأرض ، وهو أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، أعطى عبده قبل أن يسأله ، وفوق ما يؤمله ، وهو يشكر القليل من العمل وينميه ،ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه، يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ، لا يشغله سمع عن سمع ،ولا تغلطه كثر المسائل ،ولا يتبرم بإلحاح الملحين ، بل يحب الملحين في الدعاء ، ويحب أن يسأل ، ويغضب إذا لم يسأل ، ويستحي من عبده.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي هذا الحديث فوائد جمة ، وثمرات متعددة : أما الفائدة الأولى فهي : أن للدعاءِ مكانة عظيمة؛ فهو من أعظم العبادات وأجلِّها، محبوبٌ لله عز وجل، وفيه إظهارٌ لذلِّ العبودية لله تعالى والافتقار إليه، ونفي الكبرياء عن عبادته ، والفائدة الثانية : وجوب إخلاص الدعاء لله وحدَه لا شريك له، واستحضار القلب حين الدعاء، ووجوب إطابة المطعم، وذلك بكسب الحلال، وتجنُّب الكسب الحرام ، واستحباب ابتداء الدعاء بحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومشروعية التوسُّل إلى الله تعالى بصفاته الحسنى؛ مثل: برحمتك أستغيث، بكرمك ألوذُ، أو بالأعمال الصالحة التي عمِلها الإنسان مخلصًا لله تعالى فيها؛ واستحباب الطهارة واستقبال القبلة أثناء الدعاء ، واستحباب اغتنام أوقات الإجابة وتحرِّيها؛ كالثلث الأخير من الليل، وآخر ساعة بعد العصر من يوم الجمعة، واغتنام الأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء؛ مثل: حال السجود، والصيام، والسفر ، واستحباب رفع اليدين حال الدعاء ، والإلحاح فيه، بتكراره ثلاثًا إذا دعا، وتكراره مرارًا ، وتجنُّب الدعاء المحرَّم؛ كالدعاء بالإثم، والدعاء بما فيه قطيعة رحمٍ.
الدعاء