خطبة عن ( البيوع المحرمة )
أبريل 5, 2017خطبة عن ( الدنيا ممدوحة أم مذمومة )
أبريل 5, 2017الخطبة الأولى ( الدنيا ممدوحة أم ملعونة )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام ..ولك الحمد أن جعلتنا من امة محمد عليه الصلاة والسلام….. واشهد أن لا اله إلا لله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد انه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اما بعد ايها المسلمون
قال الله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) آل عمران
إخوة الإسلام
تناولت معكم في اللقاء السابق مفهموم الدنيا عند المؤمن … و توقفت معكم عند هذا السؤال… نحن نسمع من يلعن الدنيا ..ونسمع من يمدح الدنيا.. فهل الدينا ملعونة و مذمومة ؟؟… أم هي ممدوحة؟؟ ، فأقول.. إن الحكم على ذلك ..يترتب على مفهوم الدنيا فمن فهم الدنيا على أنها دار متع.. وشهوات.. وتضييع للحقوق والواجبات … ومعصية لرب الأرض والسماوات … فهي بهذا المفهوم ملعونة ملعون أهلها …. وهذا هو المقصود من قوله ( صلى الله عليه وسلم ): ( أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ..مَلْعُونٌ مَا فِيهَا.. إِلاَّ ذِكْرَ اللَّهِ ..وَمَا وَالاَهُ..وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا)) رواه الترمذي… وهذا هو الذي حذر منه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال كما في صحيح مسلم :(إِنِّى لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِى وَلَكِنِّى أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا وَتَقْتَتِلُوا فَتَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ » ، وقوله 🙁 صلى الله عليه وسلم ): ((الدّنيا دار من لا دارَ له، ومالُ من لا مال، ولها يجمَع من لا عقلَ له)) رواه أحمد وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) :( تعِس عبدُ الدّينار وعبد الدّرهم وعبد الخميصة، إن أعطِي رضي، وإن لم يُعْط سخِط) رواه البخاري ، وروي عن الحسن البصريّ أنّه قال: “رحِم الله أقوامًا كانت الدّنيا عندهم وديعة، فأدَّوها إلى من ائتمنهم عليها، ثمّ قاموا حفافًا” ، وقال مالك بن دينار: “بقدرِ ما تحزن للدّنيا يخرج همّ الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة يخرج همّ الدنيا من قلبك” . أما من فهم الدنيا على أنها دار ممر … يتزود فيها المؤمن بالعمل الصالح الى دار المستقر … وأن الدنيا ليست هدفا ولا غاية .. وإنما هي وسيلة ومطية للآخرة … فتصبح الدنيا بذلك المفهوم ممدوحة .. ومطية صالحة .. ومركبا للنجاة … ولذا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم):(يَا عَمْرُو.. نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ ) أخرجه الامام احمد…بل ويدعو رسولنا الكريم ربّه قائلاً: ( اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِى دِينِىَ الَّذِى هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِى وَأَصْلِحْ لِى دُنْيَاىَ الَّتِى فِيهَا مَعَاشِى وَأَصْلِحْ لِى آخِرَتِى الَّتِى فِيهَا مَعَادِى وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِى فِى كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِى مِنْ كُلِّ شَرٍّ) وتدبر معى قول الإمام على (رضى الله عنه) وهو يقول : ” الدنيا دارصدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن أخذ منها، الدنيا مهبط وحى الأنبياء ومصلى أنبياء الله ومتجر أولياء الله “. وكثير من الناس .. يذمون الدنيا، ويزعمون أنها السبب في الطغيان والبعد عن الطاعة، وما علموا أنها دار للاستزادة.. فبها الطريق إلى الجنة يُبنى.. وبها التزّود من الدرجات العلا، ولقد أحسن من قال: يعيب الناس كلُّهم الزمانا… وما لزماننا عيب سوانا.. نعيب زماننا والعيب فينا .. فلو نطق الزمان به رمانا ، فالدنيا مزرعة للآخرة ..قال النبي ( صلى الله عليه وسلم) 🙁 عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا ، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ » رواه البخاري ومسلم ..إنما الدّنيا التي يذمّها الإسلامُ ..فهي دنيا الشهواتِ والملهِيات.. دنيا تضييعِ الحقوق والواجبات والتّساهل بالمحرَّمات.. الدنيا التي تشغل عن الله وتلهي عن الآخرة..
ايها السلمون
يقول سبحانه (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) .فقد فسر السلف الصالح (مَتَاعُ الْغُرُورِ)..باقوال .. منها قول سعيد بن جبير:قال “متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة،.. وما لم يلهك.. فليس متاع الغرور،.. ولكنه بلاغ إلى ما هو خير منه”،.. وقال بعضهم: “كل ما أصبت من الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم…وكل ما أصبت منها ..تريد به الآخرة.. فليس من الدنيا”. فالدّنيا في المفهوم الإسلاميّ وسيلة وذريعةٌ لتحصيل مقاصدِ الشريعة ..ومطيّة للآخرة،.. فإنّها إذا فسدت فربّما أدّى فسادُها إلى إيقاف الدّين،.. فلا شكّ أنّ الدين سيضعف إذا وصل حالُ أهلها إلى قلّةِ الرزق.. والقتل.. فلا يُقبَل أن يقول مسلم: أنا أحفظ ديني.. وأدَع الدنيا يُعبَث بها ويُفسد فيها.. قال الله تعالى: ( وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) القصص 77
أيها المسلمون
إن الدنيا ظل زائل.. وسراب راحل.. غناها مصيره إلى فقر.. وفرحها يؤول إلى ترح.. وهيهات أن يدوم بها قرار.. وتلك سنة الله تعالى في خلقه أيامٌ يداولها بين الناس،يقول سبحانه :( وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) آل عمران 141 ..إنما هي منازل.. فراحل ونازل.. وهي بزينتها وبريقها ونعيمها إنما هي: أحلامُ نومٍ أو كظل زائلٍ……إن اللبيب بمثلها لا يخدع ، جعل الله ما عليها فتنة للناس ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وفي صحيح مسلم (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْىٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ « أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ ». فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَىْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ « أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ». قَالُوا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ « فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ ».
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هل الدنيا ممدوحة أم ملعونة )
الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك…واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الدنيا قنطرةٌ فاعبروها، ولا تنازعوا أهل الدنيا في دنياهم فينازعوكم في دينكم، فلا دنياهم أصبتم ولا دينكم أبقيتم… تلكم هي الدنيا التي شُغل بها كثير من الناس.. وغرّهم سرابها وبريقها وزينتها،.. فراحوا يتهافتون على جمعها ويتنافسون في اكتنازها،.. ورضوا منها بالإقامة ..والتمتع بشهواتها وملاذها،..وتركوا الاستعداد ليوم الرحيل ..والعمل لدار القرار،.. ونسوا أنها في حقيقتها ما هي إلا معبر إلى الدار الآخرة،.. وميدان يتنافس فيه المتنافسون، ..ويتسابق فيه المتسابقون… كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتخوف الدنيا على أصحابه أن تبسط عليهم كما بسطت على من كان قبلهم، فيتنافسوها كما تنافسها القوم، فتهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم. قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ..وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا… فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.. فَاتَّقُوا الدُّنْيَا)) رواه مسلم.
أيها المسلمون
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَانَ هَمُّهُ الآخِرَةَ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِى قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ )) رواه الإمام أحمد. فأكثر الناس إلا من عصم الله في هذه الحياة مهمومٌ مغمومٌ في أمور الدنيا،.. لكنه لا يتحرك له طرف ولا يهتز منه ساكن ..إذا فاتته مواسم الخيرات،.. أو ساعات الإجابات … وإن من أعظم الغفلة أن يعلم الإنسان أنه يسير في هذه الحياة إلى أجله،.. ينقص عمره، وتدنو نهايته، ..وهو مع ذلك لاهٍ غافلٍ.. لا يحسب ليوم الحساب، ولا يتجهز ليوم المعاد،.. يؤمّل أن يعمّر عمر نوح، وأمر الله يطرقُ كل ليلةٍ ، يقول الحسن البصري رحمه الله: “أدركت أقواماً لا يفرحون بشيء من الدنيا أتوه، ولا يأسفون على شيء منها فاتهم، ولقد كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه”. قدوتهم في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم الذي ارتسمت على لسانه نظرته إلى الدنيا بقوله في الحديث الصحيح: (مَا لِى وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا فِى الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)) رواه الإمام أحمد ، وكان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيراً ما يتمثل قول الشاعر:
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته …يبقى الإله ويفنى المال والولد
لم تغنِ عن هرمز يوماً خزائنه …والخلد قد حاولت عادٌ فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له …والإنس والجن فيما بينها تردُ
أين الملوك التي كانت لعزتها …من كل أوبٍ إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذبٍ …لابد من ورده يوماً كما وردوا
أيها المسلمون
كونوا من أبناء الآخرة،.. ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. يقول سبحانه( فَأَمَّا مَن طَغَى وَءاثَرَ الْحياةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ).النازعات 36 : 38 ، تلك هي الدنيا.. تضحك وتبكي، وتجمع وتشتت،.. شدةٌ ورخاءٌ،.. سراءٌ وضراءٌ،.. دار غرور لمن اغترَّ بها، وهي عبرةٌ لمن اعتبر بها… إنها دار صدقٍ لمن صدقها،.. وميدان عملٍ لمن عمل فيها،.. قال تعالى : ( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد 23 ، فاللهم اجعل الدنيا زادا لنا الى الآخرة .. ولا تجعلها اكبر همنا ولا مبلغ علمنا …
الدعاء