خطبة عن (اتباع الهَوَى واتّخَاذَه إِلَهَا )
نوفمبر 6, 2022خطبة عن (جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا)
نوفمبر 6, 2022الخطبة الأولى (الدُخَانُ المُبِينُ) {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) (10) :(16) الدخان
إخوة الإسلام
من حكمة الله تعالى أن تكون هناك أمور خارقة للعادة، كانشقاق القمر لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكإمساك الشمس لنبي الله يوشع، وكجعل النار برداً وسلاماً على نبي الله إبراهيم، وكشق طريق يابس في البحر لنبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وغير ذلك من المعجزات والآيات العظام. والحكمة من وقوع هذه المعجزات والآيات العظام أنها تُظهر قدرة الله -عزّ وجلّ- ، ممّا يؤكد دعوى الأنبياء والرسل وصدقهم في فيما بلغوا عن الله تعالى، فيؤمن النّاس بهم ، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، كما أن في المعجزات والآيات العظام تخويفا للمنكرين والمكذبين والغافلين، قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]. وذلك حتى يكون الإنسان خائفاً وجلاً من عقوبة قد تنزل به إذا لم يستجب لله ورسله. يقول قتادة: (فالله تعالى يخوف الناس بما شاء من آية لعلهم يعتبرون، أو يذكرون، أو يرجعون، وذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود، فقال: يأيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه)، فالسبب الأكبر في إرسال الآيات: هو تخويف العباد، وترهيبهم مما يقع منهم من ذنوب ومعاصٍ، لعلهم يرجعون إلى ربهم الذي أرسل لهم هذه الآيات والنذر، وإن لم يرجعوا فإن هذه علامة قسوة في القلب، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 42 – 44]. وكما قال ربنا عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76]. ورَوَى ابنُ أبي الدُّنيا عَن أنَسِ بنِ مالِكٍ: أنَّهُ دَخَلَ عَلى عائِشةَ هوَ ورَجُلٌ آخَرُ، فَقالَ لها الرَّجُلُ: يا أُمَّ المُؤمِنينَ، حَدِّثينا عَنِ الزَّلزَلةِ، فَقالَت: “إذا استَباحوا الزِّنا وشَرِبوا الخُمورَ وضَرَبوا بِالمَعازِفِ، غارَ اللهُ – عَزَّ وجَلَّ – في سَمائِهِ، فَقالَ لِلأرضِ: تَزَلزَلي بهم، فَإنْ تابوا ونَزَعوا وإلاَّ هَدَمَها عَلَيهِم”، قالَ: يا أُمَّ المُؤمِنينَ، أعَذابًا لهم؟ قالَت: “بَلْ مَوعِظةً ورَحمةً لِلمُؤمِنينَ، ونَكالاً وعَذابًا وسخطًا عَلَى الكافِرينَ”. فالحكمة والعبرة والهدف من ارسال الآيات العظام: لعل الناس يتفكرون ،ويعقلون ،ويرجعون، قال الله تعالى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (219) البقرة، وقال الله تعالى: (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (118) آل عمران، وقال الله تعالى: (قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (126) الانعام، وقال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (174) الاعراف، وقال الله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ) (109) الانعام
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الدُخَانُ المُبِينُ) {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن بين الآيات العظام التي أرسلها الله تعالى للعباد، وأخبر عنها في القرآن الكريم آية (الدخان) ،فقد قال الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} الدخان (10)، (11) .وفي وقوع آية الدخان ثلاثة أقوال: الأول: أنها لم تقع بعد ،وأنها من علامات الساعة الكبرى، واستدلوا بما وفى صحيح مسلم: (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ اطَّلَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ « مَا تَذَاكَرُونَ ».قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ « إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ». فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم- وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ..). وفيه أيضا: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوِ الدُّخَانَ أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ ». وأما القول الثاني: أن آية الدخان قد وقعت، واستدلوا بما في صحيح البخاري: (عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ «اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ». فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الْجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ) إِلَى قَوْلِهِ (عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ) . والقول الثالث: أنها وقعت يوم فتح مكة، لما حجبت الغبرة السماء، والله أعلم .
الدعاء