خطبة عن: الْبَلَاغ الْمُبِين (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)
يوليو 29, 2017خطبة عن قوله تعالى ( فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)
يوليو 29, 2017الخطبة الأولى (الرحمة وصفات من يرحمهم الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى » ، وروى الامام احمد في مسنده :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ »
إخوة الاسلام
إن الرحمة من أعظم صفات المولى عز وجل فهو الرحمن الرحيم، ورحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما. وتتوسل الملائكة إلى ربها تبارك وتعالى وتثنى عليه بالرحمة فتقول: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7]. فرحمته تبارك وتعالى تبلغ ما بلغ علمه، تصيب رحمته النملة في جحرها، والحوت في البحر، والجنين في بطن أمه، وفي الصحيحين (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ : « جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا ، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ،فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ ،حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ) ، وصفة الرحمة كما هي من أعظم صفات الباري تبارك وتعالى ، فإنها أيضًا من أعظم صفات المؤمنين، فينبغي للمؤمن أن يكون رحيمًا بعباد الله، شفوقًا عليهم، محبًّا لهم، يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، فالله عز وجل لا يحب الجبارين ولا المتكبرين، ولا الذين يحملون قلوبًا قاسية، لا تشفق ولا ترحم ولا تلين ،والجزاء من جنس العمل ، فقد وعد الله الراحمين في الدنيا بأن تنالهم رحمته في الدنيا والآخرة ، وقد ذكر لنا رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم بعض أصناف المؤمنين الذين وعدهم الله برحمته ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى » ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم : ((رحم الله رجلاً))؛يحتمل معنيين ، يحتمل الدعاء له بالرحمة والمغفرة، ويحتمل ايضا الخبر بانه من اهل الرحمة في الدنيا والآخرة ، وفيه أيضا الحضُّ على السَّمَاحَة، وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة والرقة في البيع، وذلك سبب إلى وجود البركة فيه؛ لأن النَّبي عليه السلام لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم، في الدنيا والآخرة) . كما روى احمد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ » ،وروى مسلم في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ». قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ». قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ». قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَالْمُقَصِّرِينَ ». وروى أبو داود : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا ». وروى الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا كَانَتْ لأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَجَاءَهُ فَاسْتَحَلَّهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ وَلَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ) ، وروى الحاكم في المستدرك : (عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول و هو بالخيف من منى : رحم الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له و رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ، وروى ابن حبان : (بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رحم الله من سمع مني حديثا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى له من سامع) ، وفي المعجم للطبراني : (رحم الله رجلا تصدق من ديناره ودرهمه وصاع تمره ) ، وفي المستدرك : (عن عبد الله بن عمرو يرفعه : إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال : الراحمون يرحمهم الله ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( صفات من يرحمهم الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأهل الذنوب والمعاصي لا تفارقهم رحمة الله عز وجل ولولا ذلك لانتقم منهم عند أول ذنب، وإنما يمهلهم ويؤخرهم لعلهم يتوبوا، لعلهم يرجعوا، لعلهم يستحيوا من الله الكبير المتعال، وهو عز وجل يغضب على أهل المعاصي، ويغار على حرماته أن تنتهك ولكن رحمته تبارك وتعالى تسبق غضبه كما في صحيح البخاري ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِى » فالله عز وجل أرحم الراحمين، وخير الراحمين كما قال: ﴿وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: 118] . ولذلك فقد حثَّ الله تبارك وتعالى عباده أن يكونوا رحماء، ومدح حزبه المتقين بأنهم: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54]. والرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن الرحمة لا تكون بين الناس فحسب؛ بل بين الكائنات الأخرى من غير بني البشر، يخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ مِنِّى ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ ، فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ، فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لأَجْرًا فَقَالَ « فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ » . وجاء في الظلال : (ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال. وجدها إبراهيم عليه السلام في النار. ووجدها يوسف عليه السلام في الجب كما وجدها في السجن. ووجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث. ووجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه. ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور. فقال بعضهم لبعض: { فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف من الأية:16]، ووجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار، ووجدها كل من آوى إليها يأسًا من كل ما سواها )
الدعاء