خطبة عن (الحكمة من الابتلاء) مختصرة
يناير 2, 2020خطبة عن حسن قضاء الدين وحديث (إِنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً)
يناير 4, 2020الخطبة الأولى ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (6) هود
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (6) هود ، جاء في تفسير الوسيط لطنطاوي : والمعنى : وما من حيوان يدب على الأرض ، إلا على الله – تعالى – غذاؤه ومعاشه ، فضلا منه – سبحانه – وكرما على مخلوقاته . وكون رزقها ومعاشها على الله – تعالى – لا ينافى الأخذ بالأسباب ، والسعي في سبيل الحصول على وسائل العيش ، لأنه – سبحانه – وإن كان قد تكفل بأرزاق خلقه ، إلا أنه أمرهم بالاجتهاد في استعمال كافة الوسائل المشروعة ،من أجل الحصول على ما يغنيهم، ويسد حاجتهم ، وهو سبحانه وتعالى يعلم مكان استقرار كل دابة، في حياتها ،وبعد موتها، ويعلم الموضع الذي تموت فيه، وكل ذلك مكتوب في كتاب عند الله ،مبين عن جميع ذلك.
ففي هذه الآية الكريمة يُخبرُ الله- سبحانهُ وتعالى-أنهُ مُتكفلٌ بأرزاقِ مخلوقاتهِ من العقلاء والدوابِ وغيرِهِم‘ وتكّفل الله- جلَّ وعلا- بإيصالِ رزقها إليها في أي مكانٍ كانت، لا تزدحم هذه المخلوقات على رزقها في مكانٍ مُعيّن، محصور بل هي منتشرة في الأرض، ورزقها يصلُ إليها في أي مكان ،بقُدرةِ قادِر لأنَّ الله تَكفّلَ بهِ- سبحانهُ وتعالى- اللهُ-جلَّ وعلا- هو الرزّاق الذي يرزق مخلوقاتهِ مِنَ الآدميين وغيرهم ،ولا يملكونَ لأنفسهم شيئًا من ذلك ، إلا بتيسير الله سبحانهُ وتعالى- لهم وقد ذكر الترمذي الحكيم في ” نوادر الأصول ” بإسناده عن زيد بن أسلم : أن الأشعريين أبا موسى وأبا مالك وأبا عامر في نفر منهم ، لما هاجروا وقدموا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ذلك وقد أرملوا من الزاد ، فأرسلوا رجلا منهم إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسأله ، فلما انتهى إلى باب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سمعه يقرأ هذه الآية :(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (6) هود ، فقال الرجل : ما الأشعريون بأهون الدواب على الله ; فرجع ،ولم يدخل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ; فقال لأصحابه : أبشروا أتاكم الغوث ، ولا يظنون إلا أنه قد كلم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فوعده ; فبينما هم كذلك ، إذ أتاهم رجلان يحملان قصعة بينهما ،مملوءة خبزا ولحما ،فأكلوا منها ما شاءوا ، ثم قال بعضهم لبعض : لو أنا رددنا هذا الطعام إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليقضي به حاجته ; فقالوا للرجلين : اذهبا بهذا الطعام إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإنا قد قضينا منه حاجتنا ، ثم إنهم أتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا : يا رسول الله : ما رأينا طعاما أكثر ولا أطيب من طعام أرسلت به ; قال : ما أرسلت إليكم طعاما ،فأخبروه أنهم أرسلوا صاحبهم ، فسأله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره ما صنع ، وما قال لهم ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ذلك شيء رزقكموه الله .
أيها المسلمون
فالله سبحانه وتعالى يرزق الجميع ، والرزق هو ما يتغذى به الحي، ويكون فيه بقاء روحه ونماء جسده، وقد قيل لحاتم الأصم: من أين تأكل؟، فقال: من عند الله. {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} المنافقون 7 ، فقيل له: الله ينزل لك دنانير ودراهم من السماء؟ ، فقال: كأن ماله إلا السماء! يا هذا ، الأرض له والسماء له، فإن لم يؤتني رزقي من السماء، ساقه لي من الأرض وأنشد: ورازق هذا الخلق في العسر واليسر … وكيف أخاف الفقر والله رازقي وقيل لبعضهم : من أين تأكل ؟ وقال : الذي خلق الرحى يأتيها بالطحين ، والذي شدق الأشداق هو خالق الأرزاق . وقيل لأبي أسيد : من أين تأكل ؟ فقال : سبحان الله ،والله أكبر ! إن الله يرزق الكلب ، أفلا يرزق أبا أسيد ؟ ! . ورزق العبد معلوم ومكتوب ،حتى لا يحمل الإنسان نفسه فوق ما تحتمل، فهو مطالب بالأخذ بالأسباب فقط ، قال الله تعالى : (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ) [الملك: 15]، ورزق الله -تعالى- لعباده ينقسم إلى نوعين رئيسين : الأول : رزق يطلب العبد، ومثال هذا النوع الميراث، فالميراث لا يُحصّله العبد الوارث بكدّه وتعبه، بل يكون له من غير سعي ،ولا اكتساب، ويأتيه في موعد يشاؤه الله -تعالى- ويختاره. والثاني : رزق يطلبه العبد، والأمثلة على هذا النوع كثيرة ،ويدخل فيه ما يحصل عليه الزّراع ، والتُجّار ، والعمّال ، وغيرهم من أجور ومكافآت على عملهم، وهذا النوع من الرزق لا يحصل للعبد إلّا بسعيٍ منه ، واكتساب وجِدٍّ وعمل. وكلا هذين النوعين مقدّر ومقسوم من الله -سبحانه وتعالى- ولا يتدخَّل العبد مطلقاً في ذلك، فإنّ رزق الإنسان يكون بتقدير الله تعالى، وإن أُبطئ الرزق على العبد مع سعيه، فذلك لحِكمةٍ من الله تعالى، قال الإمام ابن تيمية: (الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدّره الله وكتبه، فإن كان قد تقدّم بأنّه يرزق العبد بسعيه واكتسابه، ألهمه السعي والاكتساب، وذلك الذي قدّره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدّره له بغير اكتساب كموت مورثه ، يأتيه به بغير اكتساب)
أيها المسلمون
وقد جعل الله -عزَّ وجلَّ- للرزق مجموعة قوانين يعرفها الناس من تدبّر آيات الله ، واستشعارها في حياته، ومن هذه القوانين ، وتلك السُّنن : أولا : أنّ الرزق يحتاج إلى السعي والطلب؛ فمن أراد الرزق فعليه أن يسعى لطلب رزقه وتحصيله، فإنّ رزق العبد لن يأتيه ما دام متكاسلاً قاعداً ،إلّا أن يكون قد قدَّر الله له ذلك، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك 15، ثانيا : ومن قوانين الرزق أيضاً : أنّه من الله وحده، فيجب التوكّل عليه في طلب الرزق، ثالثا : ومن قوانين الرزق أيضاً : أن يعلم المسلم العلم اليقينيّ بأنّ الرزق بيد الله وحده، ينزله بحِكمة ويرفعه بحِكمة، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) آل عمران 37، رابعا : ومن قوانين الرزق أيضاً : أن يعلم العبد العلم اليقيني ،بأنّ رزقه له، فلا يستبطئه ولا يطلبه بالحرام، وأنّ ما يُصيب الإنسان من فقر بعد بذله للأسباب ،إنّما هو كفارة لذنوبه، أو رفع لدرجاته.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
كما جعل الله للرزق أسباباً تزيد وتبارك فيه، منها: تحقيق التوحيد لله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى في محكم آياته : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف 96، ومن أسباب زيادة وبركة الرزق : إقامة الصلاة ،وأمَرَ الأهل بإقامتها، قال الله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ) طه 132. ومن أسباب زيادة وبركة الرزق : تقوى الله -سبحانه وتعالى- ومخافته، فبالتقوى تكون عزّة المرء في الدنيا والآخرة ، وتكون البركة في الرزق، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق 2،3، ومن أسباب زيادة وبركة الرزق : التوكل على الله -تعالى- يقيناً، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لو أنَّكم تَوَكَّلُونَ علَى اللهِ تعالَى حَقَّ تَوَكُلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كمَا يَرْزُقُ الطيرَ، تغدُو خِماصاً، وتروحُ بِطاناً) رواه الترمذي . ومن أسباب زيادة وبركة الرزق : كثرة الاستغفار ،والتوبة إلى الله تعالى، فإذا تاب العبد ورجع إلى ربه ، بارك الله له في رزقه، قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (10) :(12) نوح ، ومن أسباب زيادة وبركة الرزق : صلة الرّحم التي أمر الله -تعالى- بها، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما في صحيح البخاري : « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » ،ومن أسباب زيادة وبركة الرزق : النفقة ،والتصدّق في جوانب الخير المختلفة، فمن يسّر على معسر يسّر الله عليه. ومن أسباب زيادة وبركة الرزق : أداء الحجّ والعمرة والمتابعة بينهما. ومن أسباب زيادة وبركة الرزق : الإكثار من الدعاء والابتهال إلى الله -تعالى- والإلحاح في ذلك. ومن أسباب زيادة وبركة الرزق : شكر الله -سبحانه وتعالى- على نعمِه، قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم 7،.
الدعاء