خطبة عن (الدِّينُ الْقَيِّمُ)
أبريل 16, 2024خطبة عن (الرياء والمراؤون)
أبريل 17, 2024الخطبة الأولى (الروح والجسد) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) (85) الاسراء
إخوة الإسلام
من المعلوم أن الإنسان مُكوَّنٌ مِن شِقين وهما: (الروح والجسد). فأما الجسد: فمَبْدؤه من الأرض، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون :12]. وفي الصحيحين: (عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنَّ اللَّهَ – عَزَّ وَجَلَّ – وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ وَالأَجَلُ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ»، ولما كان الجسد مخلوقا من الأرض، كان غذاؤه من الأرض: قال تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا) (61) البقرة، وقال تعالى :(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) (24): (32) عبس، وهذا الجسد منتهاه بعد الموت إلى الأرض، قال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) طه (55)، وحينما يموت الإنسان ،يتحلَّل هذا الجسدُ في التراب، ففي الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلاَّ عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ». ومن الأرض يُبعث الجسد يوم القيامة، ففي الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ».. قَالَ «ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً. فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى إِلاَّ عَظْمًا وَاحِدًا وَهْوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »، هذا هو الجسد، وهذا هو غذاؤه، وتلك هي مراحله، ونهايته، ومبعثه. إخوة الإسلام
أما عن الرُّوح: فهي مخلوق نوراني علوي، فالروح: مَبْدؤها مِن السماء، قال تعالى: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر:69]. وفي الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا،…ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ)، وهذه الروح تظل في الجسد حتى يتوفاها الله تعالى عند الممات، ومنتهاها إلى السماء: فإذا مات العبد الصالح، صعِدت رُّوحه إلى بارئها. ففي سنن ابن ماجه: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ)، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا».. قَالَ «وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ». وللروح شأنها وحياتها في حياة البرزخ، إلى أن يأذن الله تعالى لها بالعودة إلى الجسد يوم القيامة، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (51) يس، فإذا أراد الله بعْث الخلائق، أنزَل من السماء ماءً، فينبت أهلُ القبور من ذلك الماء، فإذا تَمَّ خلقهم، نفخ في الصُّور النفخة الثانية، فطارت أرواحُهم إلى أجسادهم، قال تعالى: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) (7) التكوير، أي: اقترنت الأرواح بالأجساد، وكما أن الروح من السماء، فغذاؤها أيضا مِن السماء: فغذاؤها القرآن، والعبادات، والذِّكر، والعلم النافع، وكلها تتعلق بالسماء.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الروح والجسد)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فمن غذاء الروح: تلاوة القرآن، وذكر الله: قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء: 82]. فالقرآن شفاءٌ لأمراض القلوب، وعِلَل النفوس، فيُخلِّص المسلم من القلق والحَيْرة والغَيْرة، والغِلِّ والحقد والحسد، وكل الأمراض النفسية، بل والبدنية أيضا. فالقرآن غذاء الروح، ونور القلوب، وفي سنن الدارمي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، فالقرآن الكريم هو غذاء الروح، وهو مأدبة الله عز وجل في الأرض، التي يقيم بها الأرواح ويغذيها، ونحن لدينا من النور بقدر ما لدينا من القرآن في قلوبنا وأفكارنا وتصرفاتنا، فإذا هجرناه، فقدت الأرواح غذاءها، وسقمت، وفي الصحيحين: (قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ، وَفِى الدَّارِ دَابَّةٌ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ أَوْ سَحَابَةٌ قَدْ غَشِيَتْهُ قَالَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «اقْرَأْ فُلاَنُ فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ ».
وأما ذكر الله: فهو أيضا حياةُ القلب، وغذاء الرُّوح: قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد (28)، وفي صحيح مسلم: (أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». ومن غذاء الروح: العبادات: من صلاة، وصوم، وحج، وغيرها، وكذا العلم، والقراءة، والتفكر، والتدبر، والذكر، وكثرة السجود، مع الدعاء والخشوع والخضوع، والتذلل بين يدي الله، وكثرة الصلاة على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ألا فعليكم بغذاء الأرواح، للتخلص من الأمراض النفسية، ومن الهموم، والأحزان، والشعور بالضيق والسآمة، ووساوس الصدر.
الدعاء