خطبة عن ( سنة التدافع )
مارس 10, 2018خطبة عن الصحابي: (أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ )
مارس 10, 2018الخطبة الأولى ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (106) :(109) الاسراء ،وقال الله تعالى مخاطبا رسوله : (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (19) العلق ،وقال الله تعالى 🙁أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) (58) مريم ،وقال الله تعالى : (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) (15) السجدة
إخوة الاسلام
إن القرب من الله ، والتذلل بين يديه ، هو العزة الحقيقية، وأما البعد عن الله ، فهو الذل لكل المخلوقات ، فلقد جاءنا الإسلام ليعلمنا كيف نكون أعزاء في أنفسنا، وليخرجنا من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد، والتي هي قمة الاستقلالية عن البشر الذليل. فالذل لله هو سبيل الاقتراب منه.. والمتأمل في علاقة العبد بربه يجد عجبًا..! يجد أن قمة الذل لله ، هي قمة الاقتراب منه، وذلك لأن ذل العبد مقترن باعترافه بألوهية الله ،وسيطرته على كل شيء، وقد دل على ذلك قول الله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]. وروى مسلم في صحيحه :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ».وفي سنن الترمذي أن (النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ » ، فالذل والتذلل لله هو سبيل السيادة في الكون، والسعادة في الدنيا والآخرة ، وعندما يقترب الإنسان من العزيز جل وعلا بذله وخضوعه له ،يوُرث العبد عزةً في قلبه، ويصير سيدًا على الكون كله بهذه العزة، التي نمت في قلبه من شدة ذله وخضوعه لله، فما ألطف حال السجود وما أجمل أسراره ، وما أحسن نتائجه ، وما أروع ثماره ,فالسجود هو لحظة اقتراب الروح من مولاها وسيدها، وهو محط الذل الذي يُنتج لصاحبه العز. وفي السجود أسرار يعرفها صاحب القرب ، وفيه طعم لذيذ لا يتذوقه إلا من حقق أعلى مراتب الذل، وفيه دموع جاءت بها عيون المحبين ،لما خلوا بربهم ،وذاقوا القرب منه. فيا من أحزنته الدنيا بغمومها ، ويا من أزعجته الحوادث بمصائبها ، أقول لك ما قاله الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ولأتباعه إلى يوم الدين : (( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ )) [العلق:19] . واعلم أخي : أن للعبوديَّة ركنانِ أساسان: كمالُ الذُّلِّ والخضوع، مع كمال المحبَّةِ لله – تعالى. وكمال الذل والخضوع لله يتحقق بشعور الإنسانِ بفقرِه إلى المولى – عزَّ وجلَّ – وانطراحه على عتبةِ السُّجودِ لله – جلَّ جلالُه – فذلك أقصى درجاتِ العبوديَّةِ، وأجلُّ مظاهرِ التذلُّلِ، وأصدقُ دلائلِ الإذعانِ. فالسجودَ : يعني خضوعَ الإنسانِ لربِّه، ونبذَ مَن عداه، والانكبابَ بين يديهِ وحده؛ فمنه يأخذُ منهجَه، ويستمدُّ قِيَمَه، ثم ينطلقُ في محرابِ الحياةِ ساجدًا خاشعًا لله – جلَّ جلالُه – لا يرفعُ وجهَه إلى غيرِ الله، ولا ينصرف قلبُه عن الله، وبذلك يتَّفقُ مع نواميس الكونِ، ومع الفطرةِ البشريَّة، فكلُّ ذرَّاتِ الكون ساجدةٌ لله – جلَّ جلالُه ، قال الله تعالى : ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل: 48، 49] ، وهكذا؛ فالخضوعُ لله، والاستسلامُ له، والتذلُّلُ بين يديه، والافتقارُ إليه – هو حقيقةُ العبوديةِ؛ لذا كان “السجودُ لله أعظم هيئاتِ العبوديةِ، وأقرب ما يكونُ العبد من ربِّه وهو ساجدٌ؛ لأنَّ السُّجودَ إذعانٌ بالعبودية، واعترافٌ بالألوهيَّةِ، وخضوعٌ تامٌّ للمهيمنِ، ومنابذةٌ للشَّيطانِ، وتحرُّرٌ من الهوى، وانطلاقٌ من قيودِ الدُّنيا، وعتقٌ من عبوديَّةِ الطَّاغوتِ، والسجودُ للهِ هيئةٌ خاشعةٌ تُثيرُ في النَّفس حديثًا لا ينتهي من المحبَّةِ للجليلِ، والتمسكن للأحدِ الصَّمد، والاستسلام للملِك السَّلاَمِ ، قال تعالى: ﴿ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ﴾ [النجم: 62] ، وهذا هو ما توصَّل إليه ابنُ عطاء الله – رحمه الله – فصاغها لك في حِكمةٍ رائعةٍ فقال : “تحقَّقْ بأوصافِك يمدَّك بأوصافِه؛ وتحقَّقْ بذُلِّك يمدَّك بعزِّه، وتحقَّقْ بفقرِك يمدَّك بغناه، وتحقَّقْ بضعفِك يمدَّك بحَوْلِه وقوَّتِه”. فما أعظمَ أنْ يكونَ الانسان الضَّعيفُ مرتبطًا بالله القويِّ! ، وما أعظمَ أن يكونَ العبدُ العاجزُ مرتبطًا بالله – سبحانه وتعالى – الذي لا منتهى لكمالِه!، وما أعظم أنْ يخضع الفقيرُ المعدِمُ للغنيِّ القاهر – سبحانه وتعالى!، إنَّه يرتبط حينئذٍ بالسَّماءِ، ويرتبط بنورِ الوحيِ، ويرتبطُ بنفخةِ الله – عزَّ وجل – التي نفخها في خِلْقة آدمَ أوَّل ما خُلِقَ، عندما جعل خلقَه قبضةً من طينٍ ونفخةً من رُوحٍ، عندما أراد الله – عز وجل – أن يجعل لهذه الرُّوحِ غذاءَها المرتبطَ بخالقِها – سبحانه وتعالى.
أيها المسلم
حين تلصق جبهتك – وهي رمز العزة والوجاهة والكبرياء- بالأرض ، وتعفرها بالتراب، فتلك لحظات القرب ، ولن تقترب من ربك إلا بالسجود، فالربط بين السجود والقرب من الله محكم وثيق، فلا قرب بلا سجود، وكلما زاد السجود زادت درجة الاقتراب، واعلم أن للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه في الصلاة، وموقف بين يديه يوم لقائه يوم يقوم الناس لرب العالمين ، فمن قام بحق الموقف الأول ،هون الله عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف الأول ، ولم يوفه حقه، شدد الله عليه ذلك الموقف يوم يلقاه ، قال الله تعالى: “وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا” (الإنسان: 26، 27). وليس كل ساجد بمقترب ، إلا إذا خلع النعلين ،فألقى بالدنيا معهما وراءه، ثم ألقى بنفسه خلفها ،ودخل صلاته مستسلمًا قلبه ، خاشعًا فؤاده ، ساجدة أعضاؤه، حينئذ يكون القرب، وتكون السجدة ، وتكون لذة المناجاة .وتأمل معي : لما أراد الله تعالى أن يخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه يراه، وأنه معه، فقد اختار له مقام السجود، فقال الله تعالى : “الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ. وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء: 218 – 219) .– وعندما أحس نبي الله داوود عليه السلام بخطئه، سجد لله ، فقال تعالى : (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) (24) ،(25) ص ، – وعندما امتدح الله عباده المؤمنين ، ذكر أخص أحوالهم ، وما يمتازون به، فقال الله تعالى : “سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ” (الفتح: 29)، وقال تعالى : “الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ” (التوبة: 112). – ولما أراد الله تعالى أن يكرم أبا البشرية آدم عليه السلام ، ويميزه على غيره من المخلوقات ، جعل السجود علامة التكريم والتمييز والتشريف ، فقال تعالى لملائكته : “فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ” (الحجر: 29) . – ولم يجد سحرة فرعون وسيلة للتوبة والإيمان ،أبرز وأسرع وأظهر من السجود لله ، واظهار الذل بين يديه ، فقال الله تعالى : “وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ، قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ” (الأعراف: 120 – 121) . – كما جعل الله تعالى السجود علامة الخضوع والانقياد لكل من في السماوات والأرض، فقال الله تعالى : “وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا” (الرعد: 15)، وقال تعالى : “ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ” (الحج: 18) . – وقد أمر الله سبحانه وتعالى مريم البتول الطاهرة بالسجود بعد أن اصطفاها وطهرها، فقال الله تعالى : ” يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ” آل عمران: 43) – ولا عجب إذن أن الطير تدرك معنى السجود ومدلولاته، فهذا هو هدهد سليمان يستنكر على بلقيس وقومها أن يسجدوا لغير الله ، فقد قال الله تعالى على لسان الهدهد: “وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُون، أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ” (النمل: 24 – 25) . – وإذا كان السجود هو دليل القرب من الله ، فإن عدم السجود هو علامة البعد والطرد من رحمة الله ، فإن الذي أبعد إبليس وأورده موارد الهلكة الأبدية هو امتناعه عن السجود، قال لله تعالى : “فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ” (الحجر: 30 – 31) ، – وعدم السجود لله هو من صفات الكافرين ، فقال الله تعالى : “فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُون وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ” (الانشقاق: 20 – 21). وإذا كان السجود غاية التذلل ، فإنه نهاية العظمة والسمو والارتفاع والقرب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ » رواه مسلم- وقال رسول الله عليه وسلم: « عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً » رواه مسلم ، فكثرة السجود هي جواز المرور والعبور والمرافقة والقرب في جنات النعيم، فاسجد واقترب، وقبل أن يصل جبينك إلى الأرض فليسبقه قلبك، وليسبقه إخلاصك وتجردك، وعندها تحس بمعنى السجود وعظمته ،فإذا أردت القرب منه سبحانه، وحدك الشوق إليه وأخذك الحنين له، فاهرع إليه، وتذكر “وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ” (العلق: 19)، وأطل في سجودك له. وعندما تذهب بك الدنيا بعيدًا، وتنغمس في مشاغلها وزخرفها، فانفض يديك منها، وتذكر “وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ” وأطل في سجودك له. وكلما ضاقت بك السبل، وادلهمت بك الخطوب، وكثرت المحن، وأردت المخرج منها والخلاص، فالجأ إليه. وتذكر (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)، وأطل في سجودك له، ومتى ظهرت أمامك الفتن، وتشعبت بك الطرق، وأحاطت بك الشكوك ،وطاردتك الشهوات والشّبَهات، فاعتصم بالله، واسجد واقترب. ففي ظلام الليل ووحشته ،لا وحشة، وفي نومة القبر ووحدته ،لا وحدة، وفي فزع يوم الفزع ،لا فزع، وعندما يخاف الناس لا خوف ،ما دمت تسجد وتقترب ، وإذا امتن الله عليك بنعمة من نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، فاسجد واقترب.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قِفْ على بابِ الله مسترحِمًا راكعا ساجدا ، وتقرَّبْ إليه بذُلِّكَ وانكسارك، واسأله أن يعزك وينصرك ويعينك ، قال الله تعالى : ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ فاطر: 10 ، فالعزَّةَ كلَّها لله، وليس شيءٌ منها عند أحد سواه، فمن كان يريد العزَّةَ فليطلُبْها من مصدرِها الذي ليس لها مصدرٌ غيره، ليطلُبْها عند الله، فهو واجدُها هناك، وليس بواجدِها عند أحدٍ، ولا في أيِّ كنَفٍ، ولا بأي سبب ﴿ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾، والعزَّةُ الصَّحيحةُ حقيقةٌ تستقرُّ في القلب قبل أن يكونَ لها مظهرٌ في دنيا النَّاسِ، حقيقةٌ تستقرُّ في القلب فيستعلي بها على كلِّ أسباب الذِّلَّةِ والانحناءِ لغير اللهِ، هي حقيقةٌ يستعلي بها المرء على نفسِه أوَّلَ ما يستعلي، يستعلي بها على شهواتِه المذلَّةِ، ورغائبِه القاهرةِ، ومخاوفِه ومطامعِه من النَّاسِ وغير الناس، ومتى استعلى على هذه، فلن يملِكَ أحدٌ وسيلةً لإذلالِه وإخضاعِه؛ فإنما تُذِلُّ النَّاسَ شهواتُهم ورغباتُهم، ومخاوفُهم ومطامعُهم، ومن استعلى عليها، فقد استعلى على كلِّ وضعٍ، وعلى كلِّ شيءٍ، وعلى كل إنسانٍ، وهذه هي العزَّةُ الحقيقية ذاتُ القوَّةِ والاستعلاء والسُّلطان! فكم من بشَرٍ تخدعُهم قوَّةُ الحُكْمِ والسُّلطان، فيحسَبونها القوَّةَ القادرة التي تعمل في هذه الأرضِ، فيتوجَّهون إليها بمخاوفِهم ورغائبِهم ويخشَوْنَها، ويفزعون منها، ويترضَّوْنَها؛ ليكفُّوا عن أنفسِهم أذاها، أو يضمنوا لأنفسهم حِماها! وكم من بشرٍ تخدعُهم قوَّةُ المالِ، يحسَبونها القوةَ المسيطِرةَ على أقدار النَّاسِ، وأقدار الحياةِ، ويتقدَّمون إليها في رغَبٍ وفي رهَبٍ، ويسعون للحصول عليها؛ ليستطيلوا بها ويتسلَّطوا على الرِّقابِ كما يحسبون! وكم من بشرٍ تخدعُهم قوَّةُ العلمِ، يحسَبونها أصلَ القوَّة، وأصلَ المالِ، وأصلَ سائرِ القُوَى التي يصول بها مَن يملِكُها ويجولُ، ويتقدَّمون إليها خاشعين كأنهم عبَّادٌ في المحاريب! وكم من بشرٍ ينسَون أنَّ قوةَ الله وحدها هي القوةُ، وولايةَ الله وحدها هي الولاية، وما عداها فهو واهنٌ ضئيلٌ كخيوط العنكبوتِ ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ﴾العنكبوت: 41
فهيا أخي إلى السجود والقرب من الله ، والتذلل له ، وطلب العزة منه، فبقدر سجودك لله بقدر رفعتك عند الله، فالسجود لغيره ذلة ، والسجود له عزة. عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك خطيئة. ومن ينحني لله رب العالمين ساجدًا ، فهو لا ينحني لغيره، ومن يأبى السجود لله ، سيجد نفسه ذليلاً ساجدًا لما هو دونه سبحانه وتعالى من البشر والمخلوقات ،
الدعاء