خطبة عن (العبرة والاعتبار) (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)
ديسمبر 2, 2017خطبة عن اسم الله (الْقَهَّارُ، الْقَاهِرُ)
ديسمبر 2, 2017الخطبة الأولى :السحر. حكمه. أنواعه .علاجه ( وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) طه (67) :(70) ، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ »
إخوة الإسلام
السحر : هو عزائم ورقى وعقد ،تؤثر في القلوب والأبدان ،فيُمرض ،ويقتل ،ويفرق بين المرء وزوجه ،ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه ، قال تعالى : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} البقرة 102، وقال تعالى : { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } الفلق (4) ، أي من شر السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن وينفثن في عقدهن .. والإسلامُ حرَّم على المسلم إتيانَ السَّحَرة، وحال بينه وبينهم؛ حماية لدينه ومعتقده، والذاهب إلى هؤلاء السَّحرة والكهان على خطر عظيم؛ ففي صحيح مسلم : (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ». وروى الإمام أحمد في مسنده : (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ » ، ومن المعلوم أن مباشرة السحر كفر وارتداد عن الإسلام، سواء أكانت المباشرة عملاً به أو تعليماً ، أو تعلماً له، والمجاهر بالسحر حكمه القتل ، ففي سنن الترمذي : (عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ ». وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-: “اقتلوا كل ساحر وكاهن”. وفي قوله تعالى: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (طه: 69). تأكيد على ذم السحر وأهله، وقد اعتبره رسول الله – صلى الله عليه و سلم – من الكبائر، ومن السبع الموبقات المهلكات
أيها المسلمون
وللسحر أنواع متعددة ، فمن أنواع السحر : أولاً: سحر التفريق: وهو الذي جاء في قوله تعالى : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} البقرة 102، وعن طريقه يُفرق بين الرجل وأمه وأبيه وأخيه وصديقه وجاره وكذلك الشريكين في التجارة وغيرها ،وأخطره التفريق بين الرجل وزوجته ، فقد روى مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ – قَالَ – فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ ». ثانياً: سحر المحبة (التولة) : والتولة هي ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر ،ورَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ » رواه أحمد ، وجعله صلى الله عليه وسلم من الشرك للاعتقاد أن ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله ،ثالثاً: سحر التخييل : وفيه يرى المسحور الشيء على غير حقيقته . قال تعالى : (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) طه (66) ، رابعاً : سحر الجنون : وفيه تظهر على الانسان المسحور أعراض الجنون ، وفي مسند أحمد (عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ – قَالَ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ – عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ أَقْبَلَ رَاجِعاً مِنْ عِنْدِهِ فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ عِنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ أَهْلُهُ إِنَّا قَدْ حُدِّثْنَا أَنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا قَدْ جَاءَ بِخَيْرٍ فَهَلْ عِنْدِهُ شَيْءٌ يُدَاوِيهِ قَالَ فَرَقَيْتُهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ – قَالَ وَكِيعٌ – ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَبَرَأَ فَأَعْطَوْنِي مِائَةَ شَاةٍ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ « خُذْهَا فَلَعَمْرِى مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ ». خامساً: سحر الخمول : وفيه يشعر الشخص بالخمول والانطواء والعزلة عن الناس ، سادساً: سحر الهواتف: وفيه يشعر الانسان المسحور في المنام واليقظة بالحيوانات المفترسة والمخيفة التي تنقض عليه ، ويسمع من ينادي عليه في اليقظة ، وربما بأصوات أناس يعرفهم المريض ،أو بأصوات غريبة ثم يشكك في القريب والبعيد ،سابعاً: سحر المرض : وفيه يصاب الانسان المسحور بالعمى أو بالشلل أو بالصمم أو بالبكم ، وهذا كله بقدر الله ، قال تعالى : { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} البقرة 102، ثامناً : سحر النزيف : وهذا النوع من السحر تصاب به النساء ، ويسمى استحاضة ، ففي سنن الدارمي (عَنْ عَلِىٍّ قَالَ : إِذَا تَطَهَّرَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْمَحِيضِ ، ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَ الطُّهْرِ مَا يَرِيبُهَا فَإِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي الرَّحِمِ )
أيها المسلمون
والسحر وإن كان له تأثير ولكن لا يحدث ذلك إلا بقدر الله، والمسلمَ واثقٌ بربه معتمدٌ عليه، وفي قلبه يقين جازم أنَّ ما شاء الله كان، وما لَم يشأ لم يكن؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 102]. وعلى المسلم أن يتجنب الذهاب إلى السحرة ، وأن يتعرف على سماتهم وعلاماتهم ،حتى لا يختلط عليه الأمر، فالغالب في السَّحرة أنَّهم لا يصلّون ولا يصومون ولا يزكُّون، ومن يُصلي منهم، فإنَّما يصلي صلاة ظاهرية، ولا يحضرون الجماعات، ويظهر عليهم الفِسْق ، ومن علاماتهم : سؤالُ المريضِ عن اسمه واسم أمِّه ، وطَلَبُ أَثَرٍ من آثار المريض كالملابس أو غيرها، أو طَلَبُ حيوانٍ بصفات مُعينة ، والكتابةُ رقًى غير مفهومة، أو مخلوطة ببعض الآيات، وإعطاء المريض حجابًا يحتوي على مربعات بداخلها حروف أو أرقام، وأمر المريض بأنْ يعتزل الناس فترة مُعينة في غرفة لا تدخلها الشَّمس، وأحيانًا يأمره ألاّ يمسّ الماء لمدة معينة، أو يعطيه أشياء يدفنها في الأرض، أو أوراقًا يحرقها ويتبخر بها، وأحيانًا يخبر السَّاحر المريض باسمه واسم بلده ومشكلته، التي جاء من أجلها من دون أنْ يذكر له المريض ذلك، كل هذه علامات تبيِّن أن هذا الرجل ساحر ويتعامل مع الجن، وعلى المسلم عدم التعامل معه .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية :السحر. حكمه. أنواعه .علاجه ( وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن ابتلي بالسحر، فليلجأ إلى الله بالدُّعاء، وبالرُّقية المشروعة، واعلموا أن الوقاية من السحر تكون بالمحافظة على تلاوة القرآن الكريم ، والتحصن بالأوراد والأذكار اليومية ، وقراءة آية الكرسي بعد كلِّ صلاة وعند النوم، وقراءة: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، وأيضًا بالدعاء الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنه : (أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ )، ثلاث مرَّات صباحًا ومساء. وفي سنن الترمذي (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِى لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَيَضُرُّهُ شَيْءٌ ». وروى أحمد (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَعُودُهُ وَبِهِ مِنَ الْوَجَعِ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِشِدَّةٍ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْعَشِىِّ وَقَدْ بَرِئَ أَحْسَنَ بُرْءٍ فَقُلْتُ لَهُ دَخَلْتُ عَلَيْكَ غُدْوَةً وَبِكَ مِنَ الْوَجَعِ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ بِشِدَّةٍ وَدَخَلْتُ عَلَيْكَ الْعَشِيَّةَ وَقَدْ بَرِئْتَ فَقَالَ « يَا ابْنَ الصَّامِتِ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَقَانِي بِرُقْيَةٍ بَرِئْتُ أَلاَ أُعَلِّمُكَهَا ». قُلْتُ بَلَى. قَالَ « بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ حَسَدِ كُلِّ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ بِسْمِ اللَّهِ يَشْفِيكَ ». فالله سبحانه وتعالى هو الشافي والمعافي من كل سوء، وهو المتصرف في عباده كيف يشاء، فليحسن المرء ظنَّه بربه، واحذَروا المعَاصيَ وأنواعَ المعازِف، فإنَّها مِن أعظمِ ما يجلب الشياطينَ إلى البُيوت، وأكثِروا من قِراءةِ القرآن، واشغَلوا أوقاتَكم بذكرِ الله وعبادتِه، فالقرآن شفاءٌ من الأدواء، وذكرُ الله يحْرسُ العبدَ مما يؤذيه، ويشرَح الصدرَ ويُطَمئِن القلب؛ قال تعالى: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلوبُ ﴾ [الرعد: 28].
أيها المسلمون
يقول الله تعالى : (إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) (69) طه، فمن أيقن بأن الساحر لا يفلح حيثُ أتى، دفعه هذا إلى أمورٍ، من أهمها: البعد عن إتيان هذا الصنف من الناس الذين حكم الله بعدم فلاحهم في الدنيا والآخرة، وكيف يرتجى النفع ممن حكم عليه رب العالمين بأنه خاسر في الدنيا والآخرة .والحذر من التفكير في ممارسة شيء من أنواع السحر، مهما كان المبرر، سواء بقصد العطف، أو الصرف ـ كما تفعله بعض النساء ـ وتظن أن قصدَ استمالةِ الزوجِ، أو منعِه من الزواج عليها، فإن هذا كله من تزيين الشيطان وتلبيسه. وليعلم كل من يمارس السحر أو تسبب في فعله ، أنه على خطر عظيم، وأنه قد باع دينه بثمن بخس. وأن هؤلاء السحرة رغم ما يملكون من الأموال، إلا أنهم من أتعس الناس حياةً، وأخبثهم نفوساً، وكيف يسعد ،أم كيف يفلح ،وهو قد كفر بالله ؟ ! الدعاء