خطبة حول الظلمات والنور وقوله تعالى (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)
أغسطس 20, 2022خطبة عن فضل أمة الإسلام، وحديث (مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى)
أغسطس 20, 2022الخطبة الأولى ( السرقة : حكمها ،وصورها ،ونتائجها ،وعلاجها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) الطلاق (1) وقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء 29،وقال الله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (38) ،(39) المائدة
إخوة الإسلام
لقد أراد الله تعالى للمجتمعات أن تحيا حياة الأمن والأمان، يأمن كل انسان فيها على نفسه، وعرضه ،وماله، ولأجل هذا الغرض ، فقد حرَّم الشرع المطهر الاعتداء على الأنفس ، والأعراض ، والأموال، ومن الآفات التي تعرِّض أمن الأفراد والمجتمعات للخطر : السرقة ، فالسرقة : كبيرة من كبائر الذنوب ، وهي من أرذل وأخس الصفات والأفعال ، ولهذا جاءت أدلة الشرع تحذر الناس منها ، وتزجر من تسول له نفسه سرقة الآخرين ، والسرقة : بعضها مادي ، وبعضها معنوي، فهي تتعدد أنواعها ،وأشكالها ،وأساليبها ، وهي من الذنوب العظيمة التي حرَّمها الله ورسوله، ورتب عليها الحد في الدنيا، والعقوبة في الآخرة ، قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم ﴾ [المائدة: 38]. والسارق ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» ، وقال ابن حجر: «عَدُّ السرقة من الكبائر، وهو ما اتفق عليه العلماء وصرحت به الأحاديث»، ، ومما يدل على عظم وبشاعة جريمة السرقة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ البيعة من أصحابه ألا يقعوا فيها، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا» ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن السرقة منافية للإيمان، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبصَارَهُم، وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، والسارق مُتَوَعَّدٌ بالنار، والدليل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان في صلاة الكسوف قال: «مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ، لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ» ، فهذا الرجل كان يسرق الحاج بمحجنه، فإن فُطن له قال: إنما تعلق بمحجني ، وإن غفل عنه ذهب به.
أيها المسلمون
ومن أعظم أنواع السرقة: (السرقة من بيت المال) ، سواء أكان ذلك مالًا ، أو عقارًا، أو أدوات ، أوغير ذلك من الممتلكات)، فبيت مال المسلمين هو ملك للمسلمين جميعًا، وليس لفئة معينة من الناس، والقائمون عليه إنما هم أمناء في حفظه وتحصيله، وصرف لأهله، فلا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أن يَعتَدِيَ عليه، أو يأخُذَ منه ما لا يستحق، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون ﴾ [آل عمران :161]، وروى البخاري في صحيحه من حديث خولة الأنصارية رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، فبيت مال المسلمين ممثلا في (ممتلكات الدولة أو الحكومة أو القطاع العام ، أو الوزارات والشركات التابعة للدولة ) فالسرقة منها أعظم من السرقة من شخص معين، وذلك لأن سرقتها خيانة لكل مسلم، بخلاف سرقة أو خيانة شخص معين، فإنه بإمكانك أن تَتَحَلَّلَ مِنهُ وَتَسلَمَ ، ومن أشكال وصور السرقة من بيت مال المسلمين : سرقة الكهرباء، والماء، والاستعمال الشخصي للأدوات ، وللأجهزة الكهربائية، والسيارات، وغيرها زغيرها من التي تخص بيت المال ، ولا يكفي التوبة منها، بل لا بد من رد الحقوق إلى بيت مال المسلمين ، فلا يجوز استعمال السيارات الحكومية في أغراض شخصية ، وإنما تستعمل فيما خصصت له من العمل الحكومي ،لأن استعمالها في غير ما خُصصت له استعمال بغير حق ، ومن أنواع السرقة : سرقة المشاريع من الحكومية أو غيرها، إما بالتحايل على عدم تنفيذها، أو تنفيذها بشكل سيئ، أو تقدير تكاليفها بأضعاف القيمة الحقيقية ، ومنها: الاعتداء على الأراضي المخصصة للمرافق الحكومية، والاستيلاء عليها ، ومنها: أخذ بعض الموظفين بدلات وهم لم يعملوا، أو لم يسافروا، والواجب رد ما قبض من هذا السبيل إلى خزينة الدولة، فإن لم يستطع فعليه بالصدقة به على فقراء المسلمين، وفي المشاريع الخيرية، مع التوبة إلى الله سبحانه، والعزم الصادق ألا يعود في ذلك،
أيها المسلمون
وحين كانت الحدود مطبقًة في ديار الإسلام ،كان الناس آمنين على أموالهم ،حتى إن أصحاب التجارات والمحلات كانوا يذهبون لأداء الصلوات وأبواب محالهم مفتحة ، لا يخافون عدوان المعتدين، وحينما تبعت كثير من البلاد الإسلامية النظم والقوانين الوضعية التي استوردوها من أوروبا ،انتقلت إليها أوبئة الجرائم الموجودة في بلاد غير المسلمين، وضعفت بترك حدود الإسلام شروط الأمن ، ومن المعلوم أن الناس في إقامة حد السرقة وهو القطع سواسية، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا، فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَكَلَّمُوهُ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَتَشفَعُ فِي حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ؟!»، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: «أَيُهَا النَّاس! إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْـحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ! لَو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعتُ يَدَهَا»،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( السرقة : حكمها ،وصورها ،ونتائجها ،وعلاجها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ليكن معلوما لديكم أنه إذا رُفِعَتِ السَّرِقَةُ إلى الإمام، وجب الحد ولم ينفع التنازل، فقد روى النسائي في سننه من حديث صفوان بن أمية رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلا سَرَقَ بُرْدَةً لَهُ، فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْهُ، فَقَالَ أَبَا وَهْبٍ، أَفَلا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِينَا بِهِ، فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ) ، وبعض المبغضين للإسلام يحاولون التشويش والتهويل ،من خلال انتقاداتهم لهذه الحدود ،التي شرعها الله رب العالمين ،بحجة أن جريمة السرقة لا تستحق كل هذه العقوبة، فقال بعضهم :
يَدٌ بِخَمْسِ مِئِينَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارِ
تَنَاقُضٌ مَا لَنَا إِلَّا السُّكُوتُ لَهُ وَنَسْتَجِيرُ بِمَوْلَانَا مِنَ النَّارِ
فأجابهم بعض أهل العلم من المسلمين: لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت ، ثم قال : عِزُّ الأَمَانَةِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصُهَا ذُلُّ الخِيَانَةِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ البَارِي
وكما قيل في الأمثال : (آخر الدواء الكي) ، فإن لم تُجْد هذه الزواجر نفعًا ، وتجرأ أصحاب النفوس الضعيفة على سرقة أموال الناس ،ورُفع أمرهم إلى القضاء ،وثبتت التهمة بضوابطها المعروفة شرعًا ، فحينئذ تقطع هذه اليد الآثمة زجرًا لصاحبها، وحفظًا لأموال الناس وأمنهم. قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38].
الدعاء