خطبة عن (طلب العلم ومنزلته) (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)
نوفمبر 4, 2017خطبة عن (احذروا أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)
نوفمبر 4, 2017الخطبة الأولى ( السعادة . وأسبابها. ومظاهرها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) [طه:124-126]، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97]. وروى الامام أحمد في مسنده وصححه الألباني: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ ». وفي رواية : « مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْجَارُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ ».
إخوة الإسلام
إنّ السعادة مطلب جميع البشرية، ومقصد كلّ الناس، فالكل يرجوها، والكلّ يطلبها ، والكلّ يسعى في نيلها وتحصيلها . والسعادة إنما هي في القلب ، فهي أمرٌ داخلي، لا يمكن لأحدٍ أن يراه، ولا أن يُمسِكَه، وهي لا تُباع ولا تُشترَى ، وإنما هي هِبةٌ مِن الله يَهبُها لمَن يشاء مِن عباده، فالسعادة نعمة من نعم الله تعالى على عبده ، ولا تنال إلا بطاعته ، فالسعادة الحقيقة في طاعة الله، والبعد عن معصيته ، وهي سبب في الفوز الأبدي ،قال تعالى : (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) آل عمران (185) ، فإذا أراد الله بعبده السعادة في الدارين ، يسر له في هذه الدار الهداية على الصراط المستقيم، واتباع الرسول الكريم، وأن يتقي الله ويراقبه في السر والعلانية، والغيب والشهادة، فبذلك يفوز ويسعد. فالسعادة بيد الله ،ولا ينالها العبد إلا بطاعة الله تبارك وتعالى، ومهما بحث الإنسان عن سعادة نفسه في غير هذا السبيل ،فلن يحصد إلا الشّقاء والنّكد ،والنّصب والتعب ،وسوء الحال ،وضياع الأوقات في غير طائل ، فليست السعادة في مال يجمعه الإنسان وإلا لسعد قارون، وليست السعادة في الوزارة والمنصب ولو كانت كذلك لسعد هامان وزير فرعون، وليست السعادة في لذة وشهوة يقضيها الإنسان،
أيها المسلمون
ومن فضْل الله تعالى على عباده المؤمنين أن جعَل لهم أسبابًا للسعادة ، يجتهد الإنسانُ في تحصيلها ، فمن أراد أن يحقق السعادة في حياته فليلتزم بهذه الأسباب التي تحقق له السعادة والحياة الطيبة في دنياه وأخراه ، فمن أسباب السعادة : الإيمان والعمل الصالح : قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون َ} [النحل: 97]. وقال تعالى (..فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه (123)، (124)، فالحياة الطيبة تكون لأهل الإيمان والعمل الصالح ،وأما غيرهم ،حتى وإن تمتعوا بالملذات المحسوسة ،فإنهم في ضيق ونكد؛ لأن مدار السعادة على القلب وراحته ، ولهذا يذكر ابن القيم رحمه الله أنه سمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة, وقال لي مرة : (يعني شيخ الإسلام) وكان في محبسه : ما يصنع أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري، إني رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ،وإخراجي من بلدي سياحة. ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : الإحسان إلى الخلق ،بالقول والعمل وأنواع المعروف : فإن الله يدفع به الهموم والغموم عن العبد، ويعاملك الله وفق معاملتك لعباده قال الإمام ابن القيم رحمه الله : “من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه ” . وقال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء: 114]. ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : الإكثار من ذكر الله، فإن ذلك من أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينة القلب، وزوال همه وغمه، قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }. [الرعد: 28]. ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : حضور حِلَق الذِّكْر، ومجالِس العلم ،وتدارس القرآن: حيث تتنزَّل على أصحابها الملائكةُ، وتغشاهم رحمة الله، وتُغفَر ذنوبهم، ويذكُرهم الجليل – تبارك وتعالى – فيمَن عنده، وتدعو لهم الكائناتُ مع الملائكة رِضًا بما يصنعون مِن طلبٍ للعِلم، ومشْي في سبيله. ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : الاشتغال بعمل من الأعمال ،أو علم من العلوم النافعة ،مما تأنس به النفس وتشتاقه، فإن ذلك يلهي القلب عن اشتغاله بالقلق الناشئ عن توتر الأعصاب، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه. ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وترك الخوف من المستقبل ،أو الحزن على الماضي، فيصلح يومه ووقته الحاضر، ويجد ويجتهد في ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) رواه مسلم. ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : أن ينظر الإنسان إلى من هو أسفل منه ، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه ،في الرزق والصحة وغيرها ،وقد ورد في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ) رواه مسلم. فبهذه النظرة يرى أنه يفوق كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله. ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، فيجاهد قلبه عن التفكير فيها. ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : تقوية القلب وعدم التفاته للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة؛ لأن الإنسان متى استسلم للخيالات وانفعل قلبه للمؤثرات من الخوف والأمراض وغيرها، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية والانهيار العصبي. ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : الاعتماد والتوكل على الله والوثوق به والطمع في فضله، فإن ذلك يدفع الهموم والغموم، ويحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور الشيء الكثير. فأساس السّعادة ومرتكزها هو الإيمان بالله تبارك وتعالى؛ الإيمان به جلّ وعلا ربّاً وخالقاً ورازقاً، متصرِّفاً ومدبِّراً، معطياً ومانعاً، وخافضاً ورافعاً، قابضاً وباسطاً. ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : أنه إذا أصابه مكروه أو خاف منه فليقارن بينه وبين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، فإنه سيظهر له كثرة ما هو فيه من النعم وتستريح نفسه وتطمئن لذلك. ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : الرضا بالقضاء والقدر: وذلك لِمَا يورثه من طُمأنينة وراحة بالٍ، حيث يوقِن الإنسانُ بأنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئَه، وأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبَه، وهذا الرِّضا هو أعظمُ علاج يمكن أن يُعالِج الإنسانُ به نفسَه؛ ليحصلَ على السعادة؛ لأنَّه يمثِّل القاسمَ المشترك بيْن السعداء، حيث يرضَوْن بما هم فيه، ويستمتعون به كما هو، دون تفكيرٍ في غيره، ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة : الاستغفار: وذلك أنَّ كثرة الاستغفار تحطُّ الخطايا ، التي هي أكبرُ أسباب الشَّقاء وضِيق الصَّدر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (السعادة . وأسبابها. ومظاهرها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
السعيد : هو الذي امتلأ قلبه بالله.. وهو الذي أمس وأصبح ليس في قلبه غير الله جل جلاله.. وهو الذي أسعده الله في نفسه ،فاطمأن قلبه، السعيد : هو من يذكر الله ، ويلهج لسانه بالثناء علي ربه.. والسعيد : هو الذي أقرَّ الله عينه بالطاعات وسرَّه بالباقيات الصالحات.. السعيد .. هو الذي أسعده الله في أهله وماله وولده فرأي ما تقر به عينه ، والسعيد هو من حمد الله سُبحانه وتعالي علي القليل والكثير.. السعيد .. هو الذي أسعده الله بين الناس فعاش طيب الذكر حسن السُمعة ,لا يُذكر إلا بالخير ,ولا يُعرف عنه إلا الخير..السعيد: هو الذي إذا وقف علي آخر أعتاب هذه الدُنيا وقف بقلب ثابت ولسان ذاكر قد رضي عن الله فأرضاه الله.. السعيد :هو الذي إذا دنت ساعته ،وحانت قيامته ،تنزلت عليه ملائكة ربهِ ،تُبشرهِ بالروح والريحان ،والرحمة والغفران وأن الله راضٍ عنه غير غضبان ،فخُتِم له بخاتمة السُعداء ،فكان آخر ما نطق بهِ من الدُنيا (لا إله إلا الله ) ، والسعيد : هو الذي أسعده الله في قبرهِ ،وأقر عينهِ في لحدهِ ،حتي إذا أُدخل في ذلك القبر , وأُنزل في ذلك اللحد ,وثَّبت الله له الجنان ،وسدَّد له اللسان فقال: ربي الله ،وديني الإسلام ،ونبي مُحمد صلى الله عليه وسلم ،فنادي مُنادٍ في السماء (أن صدق عبدي ففرش له من الجنان ,وفتح له منها, يأتيه من الروح والريحان ) ،فقال : يا ربَّ أقم الساعة يا ربَّ أقم الساعة شوقاً إلي رحمة الله وحنيناً إلي عظيم ما ينتظره من فضل الله.. السعيد :هو الذي إذا بُعث من قبرهِ ،وخرج من حشره ونشره ، خرج مع السُعداء الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر ،وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كُنتم توعدون.. والسعيد ..هو الذي إذا دنت الشمس من الخلائق ،واشتد لهيبها وعظم حرها ،فإذا بهِ في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله. السعيد ..هو الذي إذا وقف بين يدي ربهِ ،وقف موقف الكريم ،فأعلي الله شأنه ،وأنطق بالخير لسانهِ ،ونادي مُنادي الله عليه بالبشرى بالجنة.. السعيد .. هو الذي ينتهي مآله ويكون قراره إلي الجنة ،دار السُعداء, ومنزل الأتقياء.. وهذه هي السعادة الحقيقة ، قال الله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (108) هود
الدعاء