خطبة عن (الْيَقِينُ)
نوفمبر 21, 2024الخطبة الأولى ( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه :(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ ».قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ « إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ ». قَالُوا فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ :« مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ ». قَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ أَشْهَدُ عَلَى أَبِيكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ «وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ». ،وروى الإمام البخاري في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضي الله عنهما – قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ :« مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ » ،وفي سنن الترمذي :(عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ »، وفي سنن النسائي :(عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« خَمْسٌ مَنْ قُبِضَ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ فَهُوَ شَهِيدٌ الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالنُّفَسَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ »
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم -إن شاء الله تعالى- حول هذه الأحاديث النبوية الكريمة ،والتي يبين لنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم منازل ودرجات الشهادة والشهداء في سبيل الله، فالشهادة في سبيل الله تعالى من أعظم المراتب والدرجات وأعلاها، وأنفس المقامات، وأحسنها، وأبهاها، وذلك لما لأهلها عند الله تعالى من الأجر العظيم، والثواب الجزيل، والدرجات العالية ،وقد قسم العلماء الشهادة والشهداء إلى أقسام :يقول الشَّيخ محمد ناصر الدين الألبانيُّ -رحمه الله-:
الشَّهيدُ في الإسلامِ له حالتان: إمَّا أنْ تكون شهادته حقيقيَّة، وإمَّا أنْ تكون شهادتُه حُكميَّة، وليست حقيقيَّة ،فالشهادة شهادتان: الشَّهادة الأولى: هو القتيل مِن المسلمين يقعُ شهيدًا في المعركة وهو يُقاتِل في سبيل الله؛ فهذا هو الشَّهيدُ حقيقةً، وهذا له أحكامٌ معروفة في الإسلام. فهو لا يُغسل، ولا يُكفَّن، ويُدفن في ثيابه التي تَضمَّخت بالدِّماء الزَّكيَّة، ويُدفن في المكان الذي وقع فيه صريعًا. هذه أحكام خاصة بالشَّهيد في المعركة ، ثمَّ هناك شهادة حُكميَّة، ولا يترتب من ورائها شيءٌ من هذه الأحكام المتعلِّقة بالشَّهادة أو الشَّهيد الحقيقيُّ ،هذا النَّوع من الشَّهادة ؛وهي الشَّهادة الحُكميَّة، إنما تُنقَل -بطبيعة الحال- مِن ما حكم الشَّارع الحكيم بأنَّ من اتَّصف بكذا؛ فهو شهيدٌ ، وذلك كما ورد في الأحاديث المتقدم ذكرها ،ومما صحَّ عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه أطلق عليه اسم شهيد، ومع ذلك ، فالعلماء مجمعون على أنَّ هذا الإطلاق لا يعطيه فضيلة الشهيد حقيقةً الذي مات في المعركة؛ وإنَّما هو من باب التَّقريب في الفضل؛ يعني هؤلاء الذين أَطلق عليهم الرَّسول عليه الصلاة والسَّلام أنَّهم، أو أنَّ كل واحد منهم شهيد، له فضل لا يساويه في ذلك سائرُ النَّاس الذين لا يموتون في حالةٍ من هذه الأحوال.
بينما قسم آخرون الشهادة والشهداء إلى أقسام أخرى ،فقالوا : الشهيد على ثلاثة أقسام: الأول: شهيد الدنيا والآخرة. والثاني: شهيد الدنيا. والثالث: شهيد الآخرة. أما شهيد الدنيا والآخرة : فهو الذي يقتل في قتال مع الكفار ،مقبلاً غير مدبر ،لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، دون غرض من أغراض الدنيا ،ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ».، والاستشهاد في ساحة القتال أجره عظيم، وهو قمة مراتب الشهادة، ولا يمكن لأي نوع آخر من الشهداء أن يصل إلى هذا المقام، قال الله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران169-171، وفي سنن الترمذي : (عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ ».،وفي سنن النسائي : (عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلاَّ الشَّهِيدَ قَالَ « كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً ». كما ترجى هذه الشهادة لمن سألها مخلصاً من قلبه ولو لم يتيسر له الاستشهاد في المعركة؛ فقد روى مسلم في صحيحه : (أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ». وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الطَّاهِرِ فِي حَدِيثِهِ « بِصِدْقٍ ».؛ لذلك كان لا بد للمسلم من سؤال الله بصدق الاستشهاد في سبيل الله لتحصيل هذا الأجر العظيم، ولو مات الإنسان حتف أنفه.
أيها المسلمون
أما شهيد الدنيا فهو من قتل في قتال مع الكفار وقد غل في الغنيمة، أو قاتل رياء، أو عصبية عن قومه، أو لأي غرض من أغراض الدنيا، ولم يكن قصده إعلاء كلمة الله، فهذا وإن طبقت عليه أحكام الشهيد في الظاهر: من دفنه في ثيابه ،ونحو ذلك ،لكنه ليس له في الآخرة من خلاق، ونحن نعامل الناس على حسب الظاهر في الدنيا، والله الذي يعلم الحقائق هو الذي يتولى حسابهم يوم القيامة.
وأما شهيد الآخرة الذي يكون له أجر شهيد في الآخرة ، ولكنه في الدنيا يطبق عليه ما يطبق على الميت العادي، وهؤلاء أصناف عدة وذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة ومتفرقة ، ومن هؤلاء ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم :« مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ » : فقد حَفِظَ الإسلامُ الضَّروراتِ الخمسَ، وهي : الدِّينَ والعقلَ والنَّفسَ والنَّسبَ والمالَ: فمن أخذ يُدافِعُ ويُقاتِلُ مَن يُريدُ أخْذَ مالِه ظُلمًا وقهرًا، “فقُتِل، فهو شهيدٌ، ويؤيد ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ « فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي قَالَ « قَاتِلْهُ ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي قَالَ « فَأَنْتَ شَهِيدٌ ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ « هُوَ فِي النَّارِ ». وأيضا ما جاء في سنن النسائي : (عَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَسَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ الرَّجُلُ يَأْتِينِي فَيُرِيدُ مَالِي. قَالَ « ذَكِّرْهُ بِاللَّهِ ». قَالَ فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ قَالَ « فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ».قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ :« فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ ». قَالَ فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنِّى قَالَ « قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الآخِرَةِ أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ ».
ومن هؤلاء الشهداء ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ) : فمن أنواع الموت الطيبة التي لها أجر شهيد: الموت بالطاعون، وكذا من مات بالأوبئة ،ففي الصحيحين : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ »، وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الطَّاعُونِ فَقَالَ « كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِي بَلَدٍ يَكُونُ فِيهِ ، وَيَمْكُثُ فِيهِ ، لاَ يَخْرُجُ مِنَ الْبَلَدِ ، صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ » ، وفي مسند الإمام أحمد : (عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِىِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَأْتِي الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ بِالطَّاعُونِ فَيَقُولُ أَصْحَابُ الطَّاعُونِ نَحْنُ شُهَدَاءُ. فَيُقَالُ انْظُرُوا فَإِنْ كَانَتْ جِرَاحُهُمْ كَجِرَاحِ الشُّهَدَاءِ تَسِيلُ دَماً رِيحَ الْمِسْكِ فَهُمْ شُهَدَاءُ فَيَجِدُونَهُمْ كَذَلِكَ »
ومن هؤلاء الشهداء ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ): فمن أنواع شهداء الآخرة: من مات بداء البطن؛ فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ « إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِى إِذًا لَقَلِيلٌ ». قَالُوا فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ ».، وفي سنن النسائي : (عَنْ شُعْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَسَارٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا وَسُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وَخَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ فَذَكَرُوا أَنَّ رَجُلاً تُوُفِّىَ مَاتَ بِبَطْنِهِ فَإِذَا هُمَا يَشْتَهِيَانِ أَنْ يَكُونَا شُهَدَاءَ جَنَازَتِهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ يَقْتُلْهُ بَطْنُهُ فَلَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ ». فَقَالَ الآخَرُ بَلَى.
ومن هؤلاء الشهداء ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:«وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ»:فمن أنواع شهداء الآخرة: الموت بالغرق ،فميتة الغرق شهادة ،فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ ،وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِيقُ ،وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ،وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) رواه البخاري ومسلم ،فيرجى لمن مات غريقا في سفر طاعة أن يكتب الله سبحانه وتعالى له أجر الشهادة .
ومن هؤلاء الشهداء ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: :(وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ): فالموت في سبيل الدفاع عن الدين والنفس شهادة، وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ » رواه احمد ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن هؤلاء الشهداء ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: :(وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ) أي: دِفاعًا وحفاظًا على نَفسِه ممَّن يُريدُ أن يَعتدِيَ عليه، “فهو شهيدٌ، ومن هؤلاء الشهداء ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: :(وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ » أي: دافع ورَدَّ مَن أراد أن يَعتدِيَ على زَوجتِه وأقاربِه، “فهو شهيدٌ”، أي: يَنالُ بقِتالِه هذا ودِفاعِه أجْرَ الشَّهيدِ في الآخرةِ؛ لأنَّه مات في سَبيلِ طلَبِ الحقِّ، والدِّفاعِ عنه
ومن هؤلاء الشهداء ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: :(وَالنُّفَسَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ ) فمن أنواع شهداء الآخرة: موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها؛ ففي مسند أحمد : (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَادَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ. قَالَ فَمَا تَحَوَّزَ لَهُ عَنْ فِرَاشِهِ فَقَالَ « أَتَدْرِى مَنْ شُهَدَاءُ أُمَّتِى ». قَالُوا قَتْلُ الْمُسْلِمِ شَهَادَةٌ. قَالَ « إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِى إِذاً لَقَلِيلٌ قَتْلُ الْمُسْلِمِ شَهَادَةٌ وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ وَالْمَرْأَةُ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا جَمْعَاءَ شَهَادَةٌ »، وفيه أيضا : (عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ عَادَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ « هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الشُّهَدَاءُ مِنْ أُمَّتِى ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً فَسَكَتُوا فَقَالَ عُبَادَةُ أَخْبِرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ « الْقَتِيلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالنُّفَسَاءُ شَهِيدٌ يَجُرُّهَا وَلَدُهَا بِسُرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ »،وهذا مخصوص بالمسلمة التي تموت في حمل صحيح؛ ولذلك استثنى العلماء من هذا الحديث من ماتت بحمل من زنا والعياذ بالله. ومن هؤلاء الشهداء: الموت بالحرق، لقوله ﷺ: الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله، وقال: والحرق شهيد فالذي يموت محترقاً فهو من أنواع الشهداء
ومن هؤلاء الشهداء: الموت بذات الجنب، فقد روى الامام مالك في الموطإ : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ ». قَالُوا الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ وَالَّذِى يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ ».،وذات الجنب هو ورم يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع، أورام في الجانب يموت بسببها الإنسان، ونرجو إن شاء الله أن يكون كل مسلم مات بالسرطان أن يكون من شهداء الآخرة الذين لهم أجر شهيد. وكذلك من أنواع شهداء الآخرة: الموت بداء السل، فمن مات من المسلمين بمرض السل فإنه ترجى له الشهادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (السل شهادة) رواه الطبراني من حديث سلمان ، وأبو الشيخ من حديث عبادة وصححه الألباني ، قال المناوي في فيض القدير : السل قرحة في الرئة معها حمى دقيقة .
الدعاء