خطبة عن (نعمة التوفيق)
أبريل 22, 2024خطبة عن (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)
أبريل 22, 2024الخطبة الأولى: الشورى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (159) آل عمران، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (38) الشورى.
إخوة الإسلام
الشورى: هي ألا ينفرد الإنسان برأيه في الأمور التي تحتاج إلى عقول أخرى لتشاركه؛ فرأيُ الجماعة أدنى إلى إدراكِ الصواب من رأي الفرد، ولهذا فمبدأ الشورى أصل من أصول الدين الإسلامي، وقاعدة من قواعد الشريعة، وهي واجبة على كل مسلم، وأكثر وجوباً على الحاكم، وهي ليست إحساناً من الحاكم للمحكومين، بل هي حق شرعي، فالأمة تستشار في أمورها، ويرجع إليها الحاكم فيما يهمها، ويعود عليها، وذلك بمقتضى النصوص الشرعية، وبما تقتضيه المصلحة، ويوجبه العقل. قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (38) الشورى، وقال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (159) آل عمران
وفي المقابل فيجب على المسلم إبداء رأيه فيما يُعرض عليه، ويكون ذلك من باب النصيحة المأمور بها، وخاصة إذا تعلق بالرأي مصلحة مؤكدة للفرد أو للأمة، وإلا كان الشخص مقصراً، فالشورى أمانة ومسؤولية دينية ودنيوية، ففي صحيح مسلم: (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا لِمَنْ قَالَ «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». وفي صحيح البخاري: (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ)، ومن كلام الحكماء: (ما خاب من استخار، ولا نَدِم من استشار، ولا عَال من اقتصد)، وقالوا: “ما شِقي قطُ عبدٌ بمشورةٍ، وما سَعد باستغناء رأي”، وقالوا: “المشورة حصنٌ من الندامة، وأمان من الملامة”، فما تشاور قوم قط إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم، ولهذا فقد عدها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من علامات صلاح الأمة، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا)،
أيها المسلمون
وقد طبق النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من بعده مبدأ الشورى تطبيقا تاما، ففي سنن الترمذي وغيره: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم). فكان -صلى الله عليه وسلم- يستشير ويُستَشار في الأمور الخاصة، فقد استشار عليَّ بن أبي طالب في أزمة حديث الإفك. واستشارتْه فاطمة بنت قيس في أمر زواجها، وقد طلبها رجلان: (معاوية، وأبو جهم)؛ ففي صحيح مسلم: (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتَقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ انْكِحِى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ». فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ «انْكِحِي أُسَامَةَ». فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ بِهِ)، واستشار النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أصحابَه في بدر قبل القتال، وفي اثنائه وبعده، واستشار النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أصحابه في الخروج للقاء جيش المشركين في أحد، أو البقاء في المدينة، وقتال المشركين فيها إذا هاجموها. ففي سنن البيهقي: (عَنْ عُرْوَةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ أُحُدٍ وَإِشَارَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْمُكْثِ فِي الْمَدِينَةِ وَأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ أَبَوْا إِلاَّ الْخُرُوجَ إِلَى الْعَدُوِّ قَالَ وَلَوْ تَنَاهَوْا إِلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمْرِهِ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَلَكِنْ غَلَبَ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ قَالَ وَعَامَّةُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ رِجَالٌ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا وَقَدْ عَلِمُوا الَّذِى سَبَقَ لأَهْلِ بَدْرٍ مِنَ الْفَضِيلَةِ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَةَ الْجُمُعَةِ وَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ وَالاِجْتِهَادِ ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَصَلاَتِهِ فَدَعَا بِلأْمَتِهِ فَلَبِسَهَا ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْخُرُوجِ فَلَمَّا أَبْصَرَ ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ ذَوِي الرَّأْي قَالُوا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَمْكُثَ بِالْمَدِينَةِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْنَا الْعَدُوُّ قَاتَلْنَاهُمْ فِي الأَزِقَّةِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِمَا يُرِيدُ وَيَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ أَشْخَصْنَاهُ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنَمْكُثُ كَمَا أَمَرْتَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا أَخَذَ لأْمَةَ الْحَرْبِ وَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْعَدُوِّ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يُقَاتِلَ وَقَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَأَبَيْتُمْ إِلاَّ الْخُرُوجَ فَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالصَّبْرِ إِذَا لَقِيتُمُ الْعَدُوَّ وَانْظُرُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ»، وعِندما وصَل النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- إلى تبوكَ وأقام بها عِشرين ليلةً ولم يَلْقَ جيش الروم، استشار مَن معه من المسلمين في التقدُّم شمالًا من تبوك، فأشار عمر بن الخطاب بعدم التقدُّم؛ لإمكان الاصطِدام بحشود الروم وحلفائهم المتفوِّقة على المسلمين بعُدَّتها وعَتادها، وأنَّ دُنوَّ النبي إلى المكان الذي وصَل إليه قد حصَل به المقصود مِن إفزاع الروم، فقَبِل النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- مشورة عُمر ولم يتجاوزْ تبوك. وفي سنن ابن ماجه: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَشَارَ النَّاسَ لِمَا يُهِمُّهُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَذَكَرُوا الْبُوقَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ ثُمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى فَأُرِيَ النِّدَاءَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَطَرَقَ الأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلاً فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِلاَلاً بِهِ فَأَذَّنَ)، وفي المستدرك للحاكم وصحَّحه الألباني: (عن عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما، قال: “استشار رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم في الأسارى أبا بكرٍ، فقال: قومُك وعشيرتك ؛فخَلِّ سبيلهم، فاستشار عمرَ فقال: اقتُلْهم، قال: ففداهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فأنزَل الله عز وجل: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى) [الأنفال:67]، وشاور أصحابه في غزوة الخندق، وأخذ برأي الأنصار في عدم مصالحة غطفان على شيء من ثمار المدينة. وفي الحُدَيبية شاور أمَّ سلمة – رضي الله عنها – حينما امتنع الصحابة عن التحلُّل من إحرامهم، ففي صحيح البخاري: (فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لأَصْحَابِهِ «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا». قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ. فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ. فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، قَامُوا فَنَحَرُوا)
أيها المسلمون
وقد حرص الصحابة الكرام على تطبيق مبدأ الشورى الذي تربوا عليه في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- وقد تم ذلك في أول ساعة بعد وفاة النبي الكريم، ففي صحيح البخاري: (وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلاَّ أَنِّى قَدْ هَيَّأْتُ كَلاَمًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لاَ يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلاَمِهِ نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لاَ وَاللَّهِ لاَ نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لاَ، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ. فَقَالَ عُمَرُ بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -. فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ)،
وفي سنن البيهقي والدارمي: (كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ خَصْمٌ نَظَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مَا يَقْضِى بِهِ قَضَى بِهِ بَيْنَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي الْكِتَابِ نَظَرَ هَلْ كَانَتْ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيهِ سُنَّةٌ فَإِنْ عَلِمَهَا قَضَى بِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ خَرَجَ فَسَأَلَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ أَتَانِي كَذَا وَكَذَا فَنَظَرْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَفِى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ أَجِدْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَضَى فِي ذَلِكَ بِقَضَاءٍ فَرُبَّمَا قَامَ إِلَيْهِ الرَّهْطُ فَقَالُوا نَعَمْ قَضَى فِيهِ بِكَذَا وَكَذَا فَيَأْخُذُ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ جَعْفَرٌ وَحَدَّثَنِي غَيْرُ مَيْمُونٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى جَعَلَ فِينَا مَنْ يَحْفَظُ عَنْ نَبِيِّنَا -صلى الله عليه وسلم- وَإِنْ أَعْيَاهُ ذَلِكَ دَعَا رُءُوسَ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاءَهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَإِذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى الأَمْرِ قَضَى بِهِ قَالَ جَعْفَرٌ وَحَدَّثَنِي مَيْمُونٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَعْيَاهُ أَنْ يَجِدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ نَظَرَ هَلْ كَانَ لأَبِى بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ قَضَاءٌ فَإِنْ وَجَدَ أَبَا بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ قَضَى فِيهِ بِقَضَاءٍ قَضَى بِهِ وَإِلاَ دَعَا رُءُوسَ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاءَهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الأَمْرِ قَضَى بَيْنَهُمْ).
أقول قولي واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وتمتاز الشورى في الإسلام بالشمول، حيث لا يقتصر ذلك على حق الأفراد في المشاركة في القرار الملزم الصادر عن الجماعة، بل تتجاوز ذلك إلى المشورة الاختيارية، واستشارة أهل الخبرة وتبادل النصيحة، فالإسلام يندب أفراد المجتمع إلى الاستشارة والتناصح، قبل الإقدام على الأمر، سواء تعلق بالفرد أو الجماعة.. والشورى مبدأ يقوم عليه نظام الحكم، ويقيد سلطة الحكام، بينما يجب اعتبارها نظرية عامة شامة للمبادئ، التي تقوم عليها حرية الأفراد، وحقوق الشعوب، وتضامن المجتمع في جميع النواحي، السياسية والاجتماعية والمالية والاقتصادية وغيرها. فهي مبدأ إنساني أولاً، واجتماعي وأخلاقي ثانياً، ثم هي قاعدة دستورية لنظام الحكم، ولذلك فإن نطاق تطبيقها واسع شامل.
وقد رسمت الشريعة الإسلامية حدوداً للشورى، ليس لها أن تتجاوزها. وهي حدود ثابتة خالدة ما بقي الإسلام وبقيت شريعته. فارتباط الشورى بالشريعة يجعلها خاضعة لمبادئها الأخلاقية الثابتة، وملتزمة بسيادة الشريعة، وأصولها وشمولها. لذلك فالشورى شرعية، أي: قررها الشرع، وهي ملتزمة به. وهي ليست تشريعاً مستقلاً، بل تشريع منضبط بالشريعة الإسلامية. وما حققته الحضارة الإسلامية من قوة وعظمة، في عهود الخلفاء والسلاطين، سببه التزامهم بمبدأ سيادة الشريعة، والتاريخ الإسلامي لم يشهد ما نراه اليوم في النظم الوضعية، التي يستطيع فيها من يستولي على السلطة أن يغير الدساتير والقوانين.
والإسلام عندما فرض الشورى، فرضها بعد ختم رسالة الأنبياء جميعاً، والإنسانية قد بلغت رشدها، ووصلت حدّ الرقي الاجتماعي، الذي يُمكِّن الشعوب من تقرير مصيرها .
أيها المسلمون
فالشورى عبادة، وبحث عن الحق والصواب، ووسيلة للكشف عن المواهب والقدرات، واختبار لمعادن الرجال، وجمع للقلوب، وتأليف بينها على العلم والخير والإيمان، وتربية للأمة، وبناء لقواها الفكرية، وتنسيق لجهودها، والإفادة من كل عناصرها، وإغلاق أبواب الشرور والفتن والأحقاد. قال الحسن: “ما تشاور قوم إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم”. وفي لفظ: “إلا عزم لهم بالرشد أو بالذي ينفع”. والشورى هي السبيل إلى الرأي الجماعي، وفي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَجْمَعُ أُمَّتِي – أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- – عَلَى ضَلاَلَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ»، وفي سنن ابن ماجه: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ أُمَّتِي لَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلاَلَةٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُ اخْتِلاَفًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ».
الدعاء