خطبة عن (متى تَلِينُ الجُلُودُ وتَقْشَعِرُّ؟، وتَخْشَعُ القُلُوبُ وتعتبر؟)
يناير 10, 2017خطبة عن حديث (أَلاَ وَخَيْرُهُمْ بَطِيءُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ)
يناير 11, 2017الخطبة الأولى ( الصبر دواء لكل داء ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة (155): (157)
إخوة الإسلام
الصبر هو الدواء لكل داء، هو دواء لداء النفس وداء الجسد، وانتظار الفرج يبث في النفس الأمل والتفاؤل المطلوب ،ليقوى الإنسان ،ويشتد ،ويواصل مشوار حياته على قيمه ومبادئه الراسخة، وعلى خطى القرآن والسنة الشريفة والحق المبين، ويستظل بظلال الأمن والسكينة والرضا الوارفة الممتدة في أعماق الخلد، ولتجتث منه آثار اليأس والقنوط والجزع، وتبدله فرحاً وصبراً جميلاً وأملاً في الله، ويدب في أوصاله النشاط والرضا والحيوية والسعادة التي ينتظرها ،والتي توصله إلى بر الأمان في حياته، ويزود بزاد ينفعه حتى بعد الممات. وما يترتب على الصبر من أجر لن يضيع بإذن العزيز المقتدر، يقول تعالى: ( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) [يوسف: 90].
ويقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :”فالصبر والتقوى دواء كل داء من أدواء الدين، ولا يستغنى أحدهما عن صاحبه “.عدة الصابرين ،والصبر من أهم أسباب التمكين و بلوغ منزلة الإمامة في الدين ،بإذن القوي المتين، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- : سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول “بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ،ثم تلا قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) [ السجدة : 24] مدارج السالكين
ويقول الإمام ابن كثير –رحمه الله-:”: لما كانوا صابرين على أوامر الله وترك نواهيه وزواجره وتصديق رسله وإتباعهم فيما جاؤوهم به ،كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله، ويدعون إلى الخير ،ويأمرون بالمعروف ،وينهون عن المنكر”. وقد يشق على النفس تحمل الصبر في كثير من الأوقات، ويوعز الشيطان إلى الإنسان ويوسوس له فتتمكن منه هواجسه ويصاب بالإحباط، ما يفاقم عليه المصاعب. وعلى الإنسان هنا ألا يستسلم لتلك الهواجس والوسوسات، وعليه أن يسلم أمره للواحد الأحد، وينطرح على باب الجليل الكريم، ويمرغ جبينه ساجداً باكياً لله وحده ليفرج همه وكربه، ويلهمه الصبر والرضا بالقضاء. فعلى الإنسان التسليم الكامل لإرادة الله، فهو حسبنا ونعم الوكيل، ومتى حدث ذلك يشعر براحة بال وسعادة تغمره، لأنه توكل على العزيز الجبار، فلا هم بعد ذلك. والصبر يعد ضرورة في حياتنا اليومية المتسارعة، فالازدحام في الشوارع يتطلب الصبر، ومراجعة الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة تتطلب الصبر، والبلاء أيا كان مصدره يتطلب الصبر، وظروف العمل غير المناسبة، وتحكم المدير المتغطرس يتطلب الصبر، والزوجة النكدية أو المتسلطة تتطلب الصبر، وفيما يبدو أن الصبر ينبغي أن يكون سلاحاً للمواجهة ودرعاً للوقاية من كافة جوانب الحياة التي باتت تسرق منا أجمل اللحظات دون أن نشعر بها.
فما نأمله أن نتقن الصبر كأسلوب حياة في حياتنا اليومية المتسارعة حتى نستطيع تحقيق التغيير المطلوب
فمع العسر يأتي اليسر، ومع الشدة يأتي الفرج، ومع المرض تأتي العافية، فقد وعد الله تعالى عباده الصابرين بأجر بغير حساب، وذلك لمشقة الصبر ولأهميته أيضاً، فالحياة تزخر بالشدائد والصعاب والمواقف والتقلبات، والمحن والمتضادات والمفارقات التي تحتاج كثيراً من التأمل والصبر والأناة والتحمل، لنتمكن من مواجهة تلك الصعاب، وإن هي إلا أيام قد تطول أو تقصر ويأتي بعد الشدة نسمات الفرج. والأجمل من الصبر انتظار الفرج الذي جعله الله عبادة يؤجر عليها المؤمن، ومع انتظار الفرج تشتم النفس والروح نسمات عليلة تخفف علينا مرارة الصبر، وتتعانق الروح مع رغبات وأمنيات تعشقها النفس وتراها تلوح قريباً في الأفق، نشعر بأنس قرب حدوث الفرج مع الإلحاح في الدعاء والابتهال إلى الله بالصبر وتفريج الكرب. والصبر الجميل هو الرضا بقضاء الله والفرح بالابتلاء، لأنه دليل رضا وقرب من الله إذا أحسن العبد العمل، واجتهد في تحصيل الثواب الجزيل بالصبر عن المعصية، والصبر على الطاعة، فكل يحتاج إلى صبر جم، خصوصاً في زمن كزمننا يعج بالملهيات وتوافه الأمور، ويعاني من التصدع العميق بسبب الفرقة والتشرذم والظلم والفقر والتخلف.
أيها المسلمون
وقد وصف الله تعالى الصابرين بأوصاف متعددة، وذكر الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعاً ،وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر وجعلها ثمرة له ، فقال عز من قائل: ” وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ” السجدة 24 ،وقال تعالى: ” وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ” الاعراف 137، وقال تعالى: ( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل (96) ،وقال تعالى: ” أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ” القصص 54 ، وقال تعالى: ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر (10) ، فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب ،إلا الصبر ،ولأجل كون الصوم من الصبر وأنه نصف الصبر ،ففي الحديث القدسي ” الصَّوْمُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ ” متفق عليه ، فأضاف الله تعالى الصوم إلى نفسه من بين سائر العبادات ،ووعد الصابرين بأنه معهم فقال تعالى: ” وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ” الأنفال (46) ،وعلق النصرة على الصبر فقال تعالى: ” بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ” آل عمران (125)
وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم فقال تعالى: ” أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة (157)، فالهدى والرحمة والصلوات مجموعة للصابرين. وأما الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد وغيره: “ وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ وَالطُّهُورُ نِصْفُ الإِيْمَانِ ” وروى جابر أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: ” « الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ » رواه أحمد ، وفي حديث عطاء عن ابن عباس: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار فقال: “ أمؤمنون أنتم ” فسكتوا فقال عمر: نعم يا رسول الله قال: ” وما علامة إيمانكم ” قالوا: نشكر على الرخاء ونصبر على البلاء ونرضى بالقضاء فقال صلى الله عليه وسلم: “ مؤمنون ورب الكعبة ” رواه الطبراني في المعجم ، وأما الآثار فقد وجد في رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: عليك بالصبر واعلم أن الصبر صبران أحدهما أفضل من الآخر الصبر في المصيبات حسن وأفضل منه الصبر عما حرم الله تعالى.واعلم أن الصبر ملاك الإيمان وذلك بأن التقوى أفضل البر والتقوى بالصبر ،وقال علي كرم الله وجهه: بني الإيمان على أربع دعائم: اليقين والصبر والجهاد والعدل. وقال أيضاً: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا جسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له. وكان عمر رضي الله عنه يقول: نعم العدلان ونعمت العلاوة للصابرين يعني بالعدلين الصلاة والرحمة وبالعلاوة ما يحمل فوق العدلين على البعير وأشاربه إلى قوله تعالى : ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة (157) ،وكان حبيب بن أبي حبيب إذا قرأ هذه الآية: ” إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ” (44) ص ، بكى وقال: واعجباه أعطى وأثنى أي هو المعطي للصبر وهو المثني.
أيها المسلمون
فعلينا جميعا أن نبذل الأسباب التي تعيننا بإذن العزيز الوهاب على تحقيق الصبر والاحتساب ، ومن ذلك مجاهدة النفس على ذلك، فعن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله “. رواه البخاري واللفظ له ومسلم ،يقول العيني –رحمه الله- :”من يتكلف الصبر (يُصَبِّرْهُ الله) بضم الياء وتشديد الباء المكسورة أي : يرزقه الله الصبر “.عمدة القاري ، ولنعلم أيضا أن الوصول إلى رضا الرحمن والفوز بالجنان لا يُنال إلا بالصبر على طاعة المنان والبعد عن الذنوب والعصيان والرضا بما قدره علينا الديان، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :” الصبر حبس النفس عن التسخط بالمقدور، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق الثياب ونتف الشعر ونحوه، فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة، فإذا قام به العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة، واستحالت البلية عطية، وصار المكروه محبوبا، فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته “.الوابل الصيب فسلعة الرحمن أيها الأحبة والإخوان غالية ! لذا حُفت بالمكاره ! ولا تنال إلا بعد صبر وتعب وتضحية بإذن رب البرية، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم : “حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ”. رواه البخاري واللفظ له، و مسلم ،ويقول الإمام النووي –رحمه الله- :” قال العلماء: هذا من بديع الكلام و فصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن، ومعناه: لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره والنار بالشهوات وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، ،فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها، والصبر على مشاقها، وكظم الغيظ، والعفو، والحلم، والصدقة والإحسان إلى المسيء، والصبر عن الشهوات ونحو ذلك، وأما الشهوات التي النار محفوفة بها، فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا، والنظر إلى الأجنبية، والغيبة، واستعمال الملاهي ونحو ذلك، وأما الشهوات المباحة فلا تدخل في هذه لكن يكره الإكثار منها مخافة أن يجر إلى المحرمة أو يقسي القلب أو يُشغل عن الطاعات ،أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا “. الشرح على صحيح مسلم
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الصبر دواء لكل داء ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فيا من أذويت في الله جل وعلا تذكر منزلة الصبر والأجر المترتب عليه ،وتأكد أن بعد العسر اليسر، وأن بعد الشدة الفرج، وبعد الصبر النصر بإذن العزيز المقتدر ، فعن عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :” وَاعْلَمْ أن في الصَّبْرِ على ما تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وان النَّصْرَ مع الصَّبْرِ وان الْفَرَجَ مع الْكَرْبِ وان مع الْعُسْرِ يُسْراً ” رواه الإمام أحمد في المسند ، وصححه الشيخ الألباني ،ويقول الشيخ السعدي –رحمه الله -:” المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله ،ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة ،بل يكون متلفتا في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب الكريم الوهاب، ويكون الفرج بين عينيه ،ووعده الذي لا يخلفه بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا ،وأن الفرج مع الكرب، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول المفظعات “. بهجة قلوب الأبرار
ويقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :”ينبغي للإنسان أن يصبر على الأذى، لاسيما إذا أوذي في الله فإنه يصبر ويحتسب وينتظر الفرج”. شرح رياض الصالحين ،واصبر – ثبتك الله- على ما حلَّ بك من المصائب والخطوب واسأل الثبات من علام الغيوب، وأحذر من أن تُبدل أو تُحرف دينك الموصل لك بإذن رب البرية إلى جنات قطوفها دانية، بلذات وشهوات زائلة في هذه الدنيا الفانية، فمهما اشتد بك الحال أيها المبتلى! فاعلم أن لك المآل بإذن الكبير المتعال. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:”فإنه لابد من أذى لكل من كان في الدنيا، فإن لم يصبر على الأذى في طاعة الله، بل اختار المعصية، كان ما يحصل له من الشر أعظم مما فر منه بكثير ، قال تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [التوبة:49]، ومن احتمل الهوان والأذى في طاعة الله على الكرامة والعز في معصية الله ،كما فعل يوسف عليه السلام وغيره من الأنبياء والصالحين ،كانت العاقبة له في الدنيا والآخرة، وكان ما حصل له من الأذى قد انقلب نعيما وسرورا، كما أن ما يحصل لأرباب الذنوب من التنعم بالذنوب ينقلب حزنا وثبورا”. مجموع الفتاوى ويا من نزلت به الأمراض والأدواء أو تأخر عنه الشفاء احتسب ما بك من مشقة عند العزيز المقتدر، وإياك والجزع والسخط وكل ما ينفي الصبر، وتذكر قول نبيك صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مع عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إذا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رضي فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ “. رواه الترمذي ، من حديث أنس –رضي الله عنه-، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :”وينبغي للإنسان أن يرضى مما يقدره الله عليه من المصائب التي ليست ذنوبا، مثل أن يبتليه بفقر أو مرض أو ذُلٍّ وأذى الخلق له، فإن الصبر على المصائب واجب…”.مجموع الفتاوى ،ويا من رزقه الحكيم القدير الصبر! اعلم أنك قد أعطيت الخير الكثير ونلت بفضل الله جل وعلا الأجر الكبير ،فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما أُعْطِيَ أَحَدٌ من عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ من الصَّبْرِ”. رواه البخاري ومسلم واللفظ له. ويقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :” وإنما كان الصبر أعظم العطايا، لأنه يتعلق بجميع أمور العبد وكمالاته ،وكل حالة من أحواله تحتاج إلى صبر، فإنه يحتاج إلى الصبر على طاعة الله، حتى يقوم بها ويؤديها، وإلى صبر عن معصية الله حتى يتركها لله، وإلى صبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها ،بل إلى صبر على نعم الله ومحبوبات النفس ،فلا يدع النفس تمرح وتفرح الفرح المذموم ،بل يشتغل بشكر الله ،فهو في كل أحواله يحتاج إلى الصبر وبالصبر ينال الفلاح “.بهجة قلوب الأبرار وعليك أن تشكر الله جل جلاله بقلبك وقولك وفعلك على هذه المنحة العظيمة والنعمة الجليلة ،لأن بالشكر والإيمان تدوم وتكثر النعم ،وبالجحود والعصيان تَحل وتزداد النقم، قال تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) [إبراهيم :7].
الدعاء