خطبة عن مراقبة الله (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
مارس 17, 2018خطبة عن ( أهمية الصلاة وفوائدها )
مارس 17, 2018الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (أسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]،وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً، واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ، نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ،وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي 🙁 أسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ) : أما عن نسبه : فهو : أسيد بن الحضير بن سماك الأنصاري الأشهلي, من الأوس, وهو أحد النقباء ليلة العقبة ، ويكنى أبا يحيى ،وأبا عتيك، وكان أبوه حضير فارس الأوس ورئيسهم يوم بُعاث- موضع بالمدينة- وكان يقال له حضير الكتائب, وورث عن أبيه مكانته ،حيث كان واحدا من كبار أشراف العرب في الجاهلية ،ومن مقاتليهم الأشداء ،وقد ورث المكارم كابرا عن كابر ،وكان صاحب فكر صاف، وشخصية مستقيمة قوية وناصعة، ورأي ثاقب ،وهو سبب نزول آية التيمم ، وكان أسيد بن الحضير من السابقين إلى الإسلام, وقد أسلم قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم على يد مصعب بن عمير, وقد كان رضي الله عنه من بين من أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ».
أيها المسلمون
أما عن قصة اسلام أسيد رضي الله عنه : فعندما انصرف الأنصار من البيعة مع رسول صلى الله عليه وسلم ، بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي مصعب بن عمير، وأمره أن يقرئهم القرآن ، وأن ويعلمهم الإسلام ، ويفقههم في الدين، وكان مصعب يُسمَّى بالمدينة المقرئ، فلما قَدِمَ الفَتَى المكِّيُّ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ إلَى يَثْرِبَ ، في أوَّل بَعْثَة تَبْشِيريةٍ عَرَفَهَا تاريخُ الإسلام ، نَزَلَ على أسعدَ بنِ زُرَارَةَ أحَدِ أشرافِ الخَزْرَجِ ، واتَّخَذَ مِنْ دارِه مَقاما لنفسهِ، ومُنْطَلَقاً لِبَثِّ دَعْوَتِهِ إلى اللّهِ، والتبشِيرِ بِنَبيِّه محمدٍ رسولِ اللّهِ. وأخذ أبناءُ يَثْرِبَ يُقبِلون على مجالِسِ الدَّاعِيَةِ الشابِّ مُصْعِبِ بنِ عُمَيْرٍ إِقبالاً كبيراً. وكان يُغْرِيهمْ به عُذوبَةُ حديثهِ، ووضُوحُ حُجَّتِهِ، ورِقّةُ شَمائِلِه ، ووَضاءَةُ الإيمانِ التي تُشرِقُ من وَجْهِه القسِيم الَوسيم ،وكان يجذِبُهم إليه شيءٌ آخَرُ فوق ذلك كلِّه، هو هذا القرَانُ الذي كان يَتْلو عليهم بَيْنَ الفيْنَةِ وَالفيْنَةِ بَعْضاً من آياتِه البَيِّناتِ، بِصوْتِهِ الشَّجِيِّ الرّخيم، ونَبَرَاتِه الحُلْوَةِ الآسِرَةِ، فَيَسْتَلينُ به القلوبَ القاسِيَةَ، وَيَسْتَدِرُّ الدُّموع العاصِيَةَ، فلا يَنْفضُّ المجلسُ مِنْ مجالِسِه إِلاَّ عن أناس أسْلموا وانْضَمَّوا إلى كتائِبِ الإيمانِ ،وفي ذاتِ يوم، خَرَجَ أسعدُ بنُ زُرَارَةَ بضيفِه الداعِيَةِ مُصْعَبِ بن عُمَيْرٍ ، لِيَلْقَى جماعةً من بَني عبدِ الأشْهَلِ، ويَعْرض عليهم الإسْلامَ، فدخلا بُسْتاناً من بساتين بني عبدِ الأشْهَل، وجَلَسا عِنْدَ بِئْرِها العَذْبَةِ في ظِلالِ النخيلِ. فاجْتَمَعَ على مُصْعَبٍ جماعة قد أسْلموا وآخَرون يريدون أنْ يَسْمعوا، فانطلقَ يدعو ويُبَشِّرُ، والناسُ إليه منصتُونَ، وَبرَوْعَةِ حديثه مأخوذون. فجاءَ مَنْ أخْبَرَ أسَيْدَ بنَ الحُضيْرِ وسَعْدَ بنَ معاذ- وكانا سَيِّدَي الأوس – بأنَّ الداعِيةَ المكيَّ قد نَزَلَ قريباً من ديارِهما، وأنَّ الذي جَرَّأهُ على ذلك أسعدُ بنُ زُرَارَةَ. فقال سعدُ بنُ معاذٍ لأسَيْدِ بن الحُضَيْرِ :لا أبا لك يا أسَيْدُ ، اِنْطَلِقْ إلى هذا الفتى المكيِّ الذي جاء إلى بيوتنا لِيُغْرِيَ ضعَفَاءَنَا، وَيُسَفِّهَ آلِهَتنا، وازْجُرْهُ ، وحَذِّرْهُ مِنْ أن يَطَأ دِيَارَنا بعدَ اليومِ. ثم أرْدَفَ يقول: ولولا أنّهُ في ضِيَافَةِ ابن خالتي أسعدَ بن زُرَارَةَ، وأنَّه يَمْشي في حِمَايتِه لكفيتُك ذلك. أخذَ أسَيْدٌ حَرْبَتَهُ، ومَضَى نَحْوَ الْبُسْتَان، فلمَّا رآهُ أسعدُ بنُ زُرارَةَ مُقْبلاً قال لمصعَبٍ :وَيْحَكَ يا مُصْعَبُ، هذا سَيِّدُ قومِه، وأرْجَحُهُمْ عقلاً، وأكملهم كمالاً: أسَيْدُ بنُ الحُضَيْر.فإن يُسْلِمْ تَبِعَهُ في إِسْلامِهِ خَلْقٌ كثيرٌ ، فاصْدُق اللّهَ فيه، وأحْسِنِ التَّأنّي له ،وقفَ أسيدُ بنُ الحُضيْرِ على الْجَمْع، والْتَفَتَ إلى مُصْعَبٍ وصاحِبه وقال:ما جاءَ بكما إلى ديارنا، وأغراكما بضُعَفَائِنا ؟! اِعْتَزِلا هذا الحَيَّ إِنْ كانَتْ لكما بنَفْسَيْكما حاجة. فالْتَفَتَ مُصْعب إلى أسَيْدٍ بِوَجْهِهِ الُمشْرِقِ بِنُورِ الايمان، وخاطَبَه بِلَهْجَتِهِ الصَّادِقَةِ الآسِرَةِ وقال له: يا سَيِّدَ قَوْمِه، هَلْ لَكَ في خَيْرٍ من ذلك .قال: وما هو؟ قال: تجلِسُ إلينا وتَسْمَعُ مِنَّا، فإنْ رضيتَ ما قُلْنَاهُ قَبِلْتَه، وإنْ لم تَرْضَهُ تَحَوَّلْنَا عَنْكُم ولم نَعُدْ إِليكم. فقال اُسَيْد: لقد أنصَفْتَ، وركَزَ رُمْحَهُ في الأرضِ وجَلَسَ. فأقبَلَ عليه مُصْعب يَذْكُرُ له حقيقةَ الإسلامِ، ويقرأ عليه شيئاً من آياتِ القرَان؟ فانْبَسَطَتْ أسارِيرهُ وأشرَقَ وجهُهُ وقال: ما أحسن هذا الذي تقولُ، وما أجَلَّ ذلك الذي تَتْلو! كيف تصنعون إذا أرَدْتُمُ الدخولَ فِي الإسلامِ؟!. فقال له مصعب: تَغْتَسِلُ وَتُطَهِّرُ ثيابَك، وتشهدُ أن لا إلهَ إِلاَّ اللّه وأن محمداً رسولُ اللّهِ، وتُصَلِّي رَكْعَتَيْن. فقام إلى البئر فَتَطَهَّرَ بمائها، وشَهدَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللّه وأنَّ محمداً عبدهُ ورسولُه وصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ،فانضم في ذلك اليوم إلى كَتَـائِبِ الإسـلامِ فارس من فُرْسـانِ العَرَبِ المَرْموقين ، وسيِّد من ساداتِ الأوْسِ المَعْدودين . لقد كان يُلَقِّبُهُ قوُمه بالكَامِلِ، لِرَجاحةِ عقلِه، ونبَالَةِ أصْلِهِ، ولأنَّه مَلَكَ السَّيْفَ والقَلَمَ، إذْ كان بالإضافةِ إِلى فُروسِيتِهِ ودِقَّةِ رَمْيِهِ، قارِئاً كاتباً في مجتمع نَدَرَ فيه مَنْ يَقْرأ وَيَكتُب. وقد كان إسْلامُه سبباً في إسلام سَعْدِ بنِ معاذٍ .وكان إسلامُهما معاً سبباً في أن تُسْلِمَ جُموع غَفِيرَة من الأوْسِ ، وأن تُصبحَ المدينةُ بَعْدَ ذلك مُهاجراً لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، ومَوْئِلاً وقاعِدَة لِدَوْلةِ الإسْلامِ العُظْمَى. إن شخصية أسيد شخصية مستقيمة قوية مستقيمة وناصعة ، وهي اذ تعرف طريقها ، لا تتردد لحظة أمام ارادتها الحازمة.. ومن ثمّ، قام أسيد في غير ارجاء ولا ابطاء ليستقبل الدين الذي انفتح له قلبه، وأشرقت به روحه، فاغتسل وتطهر، ثم سجد لله رب العالمين، معلنا اسلامه، مودّعا أيام وثنيّته، وجاهليته..
أيها المسلمون
وشهد أسيد رضي الله عنه العقبة الثانية وكان نقيبا لبنى الأشهل, ولما هاجر الناس آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة, ولم يشهد أسيد بن حضير غزوة بدر ،فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال: يا رسول الله، الحمد لله الذي ظفرك، وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوًّا، ولكني ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت. فقال رسول الله: “صدقت”. وقد شهد غزوة أحد وما بعدها من المشاهد ، وقد جرح أسيد يوم أحد سبع جراحات , وكان رضي الله عنه من أحسن الناس صوتا بالقرآن ، ففي الصحيحين (عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطٌ عِنْدَهُ إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ ، فَسَكَتَ وَسَكَتَتِ الْفَرَسُ ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ ، فَانْصَرَفَ وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ » . قَالَ فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ فَخَرَجَتْ حَتَّى لاَ أَرَاهَا . قَالَ « وَتَدْرِى مَا ذَاكَ » . قَالَ لاَ . قَالَ « تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ » ، ومن فرط محبّته للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ففي مرّةٍ كان النّبيّ عليه أفضل الصّلاة والسّلام يمازح أصحابه، فطعن أُسيد في خاصرته بعودٍ. فقال أُسيد: اقِدني من نفسك. فقال النّبي: استقِد. فقال: إنّ عليك قميصًا وليس عليّ. فرفع النّبي عليه السّلام قميصه، فاحتضنه أُسيد وقبّل ما بين خاصرة النّبي وضلعه الخلفيّ. وقال: إنما أردتُ هذا يا رسول الله. وعاش أسيد -رضي الله عنه- عابدًا قانتًا، باذلا روحه وماله في سبيل الله، وندم أسيد على تخلفه عن غزوة بدر، وقال: ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه غزو ما تخلفت. [ابن سعد]، وكان رضي الله عنه أحد العقلاء وأصحاب الرأي السديد, وفي الصحيحين : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَجُلاً ، فَوَجَدَهَا فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ . فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا ، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكِ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا ) ، أما عن موقفه تجاه زعيم المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول: ففي غزوة بني المصطلق تحركت مغايظ عبدالله بن أبيّ فقال لمن حوله من أهل المدينة: ” لقد أحللتمومهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير دياركم ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل” ،سمع الصحابي الجليل زيد بن الأرقم هذه الكلمات ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتألم كثيراً ، فقابله أسيد بن حضير فقال له النبي عليه السلام: “أوما بلغك ما قال صاحبكم؟ ” ، قال أسيد : “وأيّ صاحب يا رسول الله ؟” قال الرسول : “عبدالله بن أبيّ” ،قال أسيد : “وماذا قال ؟” قال الرسول : “زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل” قال أسيد : :فأنت والله ، يا رسول الله ، تخرجه منها إن شاء الله ، هو والله الذليل ، وأنت العزيز ثم قال أسيد : ” يا رسول الله ارفق به ، فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه على المدينة ملكا ، فهو يرى أن الإسلام قد سلبه ملكاً”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (أسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن مواقفه الخالدة : أنه بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، وحين بدأ المسلمون يختارون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لهذا الصحابي الجليل موقفا رائعا ورأيا سديدا ، ففي يوم السقيفة ، إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعلن فريق من الأنصار ، وعلى رأسهم سعد بن عبادة أحقيتهم بالخلافة، وطال الحوار ، واحتدمت المناقشة ، فكان موقف أسيد – وهو زعيم أنصاري كبير – فعالا في حسم الموقف ، وكانت كلماته كفلق الصبح في تحديد الاتجاه ، فقد وقف مخاطباً فريق الأنصار من قومه قائلا لهم : ” تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين فخليفته إذاً ينبغي أن يكون من المهاجرين ، ولقد كنا أنصار رسول الله ، وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته” ولذا كان أبو بكر الصديق رضى الله عنه يكرمه ،ولا يقدم عليه احدا، ويقول :أنه لا خلاف عنده. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد منهم يلحق في الفضل، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر رضي الله عنهم جميعًا ،وحَدَثَ أسَيْد قال: جئتُ إلى رسـولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فذكرتُ له أهلَ بيتٍ من الأْنصـارِ فيهـم مَحاويج. وَجُلُّ أهلِ ذلك البيت نِسْوَة، فقال عليه الصَّلاةُ والسلامُ: لقدْ جِئْتَنَا يَا أسَيْدُ بَعْدَ أنْ أنْفَقْنَا مَا بِأيْدِينا، فإذا سمعتَ بشيء قد جاءَنا فاذْكُر لنا أهلَ ذلك البيتِ ،فجـاءَه بَعْدَ ذلك مال من خَيْبَر فقسَمَهُ بين المسـلمين فأعطَى الأنصـارَ وأجْزَلَ وأعْطَى أهلَ ذلك البيتِ وأجْزَلَ، فقلتُ له: جزاكَ اللّهُ عَنْهُم- يا نبيَّ اللّهِ- خيراً. فقال: وأنتم مَعْشَرَ الأنصارِ جزاكُمُ اللّهُ أطيَبَ الجزاءِ، فإنَّكم- ما عَلِمْتُ – أعِفَّةٌ صُبُر، وإنَّكم سَتَلْقَوْنَ أثرَةً بَعْدِي ، فاصْبِروا حتَّى تَلْقَوْني، ومَوْعِدُكم الحَوْضُ قال أسَيد: فلمَّا آلت الخِلاَفَةُ إلى عمرَ بنِ الخطابِ رضىَ اللّه عنه قَسَمَ بين المسلمين مالا ومَتَاعاً، فَبَعَثَ إلَيَّ بُحلَّة فاسْتَصْغَرْتُها.. فَبَيْنَا أنا في المَسْجِدِ إِذْ مرَّ بي شابّ من قُريش عليه حُلَّةٌ سابِغَة من تلك الحُلَلِ التي أرسَلَهَا إلَيَّ عمرُ، وهو يجرُّها على الأرضِ جرّا، فذكرتُ لِمَنْ معي قول رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ” إنَّكم سَتَلْقَوْنَ أثرَةً من بعدي “وقلت: صَدَق رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم . فانْطَلَقَ رجلٌ إلى عمرَ واخْبَرَهُ بما قُلْتُ، فجاءني مُسْرِعاً وأنا أصَلِّي فقال: صَلّ يا أسَيْدُ: فلمَّا قَضَيْتُ صلاتي أقبلَ علَّي وقال: ماذا قلت؟ فأخبَرْتُه بِما رَأيتُ وَبِما قَلْتُ. فقال: عفا اللّهُ عَنْكَ، تِلْكَ حُلَّةٌ بَعَثْتُ بها إلى فلانٍ ، وهو أنصارِيّ عَقَبي بَدْرِيٌّ أحُدِيّ ، فشراها منه هذا الفَتَى القُرَشِيُّ وَلبِسَها ،أفتَظُنُّ أن هذا الذي أخبرَ به رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يكونُ في زماني ؟! فقال أسَيْدٌ :واللّه يا أميرَ المؤمنين لقد ظننتُ أنَّ ذلك لا يكَونُ في زمانِك.
أيها المسلمون
وفي شهر شعبان عام 20 هجرية، توفي – رضي الله عنه – وحمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نعشه فوق كتفه، ودفن في البقيع، ويروى أنه – رضي الله عنه – مات وترك عليه أربعة آلاف درهم دَيْناً، وكان ماله يُغِلُّ كل عامٍ ألفاً، فأرادوا بيعه، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فبعث إلى غرمائه فقال: هل لكم أن تقبضوا كل عام ألفاً فتستوفون في أربع سنين؟. قالوا: نعم يا أمير المؤمنين. فأخروا ذلك فكانوا يقبضون كل عامٍ ألفاً. ودُفن بالبقيع وحمل عمر بن الخطاب نعشه.
الدعاء