خطبة عن قوله تعالى (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ)
فبراير 24, 2018خطبة عن قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ)
فبراير 24, 2018الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]،وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً، واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ،وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي 🙁 أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ ) ،أما عن نسبه : فهو أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي ، وهو صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته زينب -رضي الله عنها- أكبر بناته ، وهو والد أمامة التي كان يحملها النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلاته، واسمه: لقيط، وقيل: اسم أبيه ربيعة، وهو ابن أخت أم المؤمنين خديجة، فأمه هي هالة بنت خويلد ، وكان يعرف بجرو البطحاء هو وأخوه ،وكان رضي الله عنه قبل البعثة فيما قاله الزبير عن عمه مصعب وزعمه بعض أهل العلم مواخياً لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وكان يكثر غشاءه في منزله، وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب أكبر بناته، وهي من خالته خديجة، وقد أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر، وكان أبو العاص بن الربيع العبشمي القرشي، شابا موفور الشباب، بهي الرونق، رائع المجتلى، بسطت عليه النعمة ظلالها، و جلله الحسب بردائه، فغدا مثلا للفروسية العربية بكل ما فيها من خصائل الأنفة والكبرياء، ومخايل المروءة والوفاء، ومآثر الاعتزاز بتراث الآباء والأجداد. وقد ورث أبو العاص حب التجارة عن قريش صاحبة الرحلتين: رحلة الشتاء ورحلة الصيف، فكانت ركائبه لا تفتأ ذاهبة آيبة بين مكة والشام، وكانت قافلته تضم المئة من الإبل والمئتين من الرجال، وكان الناس يدفعون إليه بأموالهم ليتجر لهم بها فوق ماله، لما بلوا من حذقه، وصدقه، وأمانته. فمن أهم ملامح شخصية أبو العاص بن الربيع :الوفاء بالعهد، فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى على أبي العاص في مصاهرته ، ففي الصحيحين (عَنْ عَلِىٍّ عَنْ مِسْوَرٍ ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ ، قَالَ « حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي ، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي » . ومن أخلاقه رضي الله عنه : الأمانة: فلقد كان أبو العاص من رجال قريش المعدودين مالاً وأمانة وتجارة ،أما عن إسلام أبي العاص بن الربيع : فلم يزل أبو العاص مقيمًا على شركه حتى إذا كان قبيل فتح مكة خرج بتجارة إلى الشام بأموال من أموال قريش أبضعوها معه، فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلاً لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الذي وجه السرية للعير التي فيها أبو العاص قافلة من الشام وكانوا سبعين ومائة راكب أميرهم زيد بن حارثة وذلك في جمادى الأولى في سنة ست من الهجرة فأخذوا ما في تلك العير من الأثقال وأسروا أناسا من العير فأعجزهم أبو العاص هربا فلما قدمت السرية بما أصابوا أقبل أبو العاص من الليل في طلب ماله حتى دخل على زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجار بها فأجارته، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح فكبر وكبر الناس معه. ففي سنن البيهقي وغيره : (عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي قِصَّةِ خُرُوجِ أَبِى الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ خَلْفَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : صَرَخَتْ زَيْنَبُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَتْ : ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ زَيْنَبَ فَقَالَ : « أَيْ بُنَيَّةُ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ وَلاَ يَخْلُصَنَّ إِلَيْكِ فَإِنَّكِ لاَ تَحِلِّينَ لَهُ ». وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص وقال لهم: “إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً، فإن تحسنوا تردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم ذلك فهو فيء الله الذي أفاءه عليكم فأنتم أحق به”. قالوا: يا رسول الله، بل نرده عليه. قال: فردوا عليه ماله حتى إن الرجل ليأتي بالحبل ويأتي الرجل بالشنة والأداوة، حتى إن أحدهم ليأتي بالشطاط حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئًا، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ممن كان أبضع منه. ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرًا فقد وجدناك وفيًّا كريمًا. قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفًا أن تظنوا أني إنما أردت آخذ أموالكم، فلما أداها الله تعالى إليكم وفرغت منها أسلمت. ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه الطبراني
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن مواقف أبي العاص بن الربيع مع الصحابة ، موقفه مع زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه : ففي سنن أبي داود (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِى فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِى الْعَاصِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلاَدَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِى الْعَاصِ. قَالَتْ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ « إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِى لَهَا ». فَقَالُوا نَعَمْ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَهُ أَنْ يُخَلِّىَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ « كُونَا بِبَطْنِ يَأْجِجَ حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا ». فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها، فخرجت جهرة ،وقال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، قال : حُدثت عن زينب أنها قالت : بينا أنا أتجهز بمكة للحوق بأبي لقيتني هند بنت عتبة ، فقالت : يا بنت محمد ، ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك ؟ قالت : فقلت : ما أردت ذلك ؛ فقالت : أي ابنة عمي ، لا تفعلي ، إن كانت لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك ، أو بمال تتبلَّغين به إلى أبيك ، فإن عندي حاجتك ، فلا تضطني مني ، فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال . قالت : والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل ، قالت : ولكني خفتها ، فأنكرت أن أكون أريد ذلك ، وتجهزت .فلما فرغت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهازها قدَّم لها حموها كنانة بن الربيع أخو زوجها بعيرا ، فركبته ، وأخذ قوسه وكنانته ، ثم خرج بها نهارا يقود بها ، وهي في هودج لها .وتحدث بذلك رجال من قريش ، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طُوى ، فكان أول من سبق إليها هبَّار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبدالعزى ، والفهري ؛ فروّعها هبار بالرمح وهي في هودجها ، وكانت المرأة حاملا – فيما يزعمون – فلما ريعت طرحت ذا بطنها ، وبرك حموها كنانة ، ونثر كنانته ، ثم قال : والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما ، فتكركر الناس عنه . وأتى أبو سفيان في جلة من قريش فقال : أيها الرجل ، كف عنا نبلك حتى نكلمك ، فكف ؛ فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه ، فقال : إنك لم تصب ، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية ، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا ، وما دخل علينا من محمد ، فيظن الناس إذا خرجت بابنته إليه علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا ، أن ذلك عن ذل أصابنا عن مصيبتنا التي كانت ، وأن ذلك منا ضعف ووهن ، ولعمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة ، وما لنا في ذلك من ثُوْرة ، ولكن ارجع بالمرأة ، حتى إذا هدأت الأصوات ، وتحدث الناس أن قد رددناها ، فسُلَّها سرا ، وألحقها بأبيها ؛ قال : ففعل .فأقامت ليالي ، حتى إذا هدأت الأصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه ، فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي الصحيحين : ( عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يُصَلِّى وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا ، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا ) ، وأخرج الحاكم بسند صحيح عن قتادة أن علياً تزوج أمامة هذه بعد موت خالتها فاطمة. أما عن وفاة أبي العاص بن الربيع : فقد قال إبراهيم بن المنذر: مات أبو العاص بن الربيع في خلافة أبي بكر في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من الهجرة،
الدعاء