خطبة عن السجود لله ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)
مارس 10, 2018خطبة عن مراقبة الله (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
مارس 17, 2018الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ،وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي 🙁 أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ) أما عن نسبه : فهو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي الأموي. ولد أبو سفيان قبل عام الفيل بعشر سنين، وأمه : هي صفية بنت حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة ، وهي عمة أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث. وكان أبو سفيان في شبابه سيد بني عبد شمس بن عبد مناف، ثم نال سيادة جميع بطون قريش بعد معركة بدر بعد مقتل عتبة بن ربيعة العبشمي و أبو الحكم عمرو بن هشام المخزومي، ثم نال سيادة جميع فروع قبيلة كنانة في معركة أحد وبقي على هذا حتى فتح مكة. وكان أبوه حرب بن أمية قائد جيوش بني كنانة في حرب الفجار ضد قبائل قيس عيلان وهو أول من كتب باللغة العربية، وأخته هي أم جميل أروى بنت حرب التي ذكرت في القرآن الكريم بوصف حمالة الحطب، وابنته هي أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنه معاوية بن أبي سفيان هو أول خلفاء الدولة الأموية. وكان أبو سفيان زعيماً لقريش، وقائداً لمن وقف في وجه الدعوة الإسلامية، مع أنه سمع قيصر الروم في القدس بعد أن دعاه وسأله عدة أسئلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: فلئن صدقتني ليغلبني على ما ملكت قدماي هاتان، ولوددت أني عنده فأغسل قدميه، كما حدثه أمية بن الصلت وكان قد تنصر أن نبياً يبعث من هذه الحرة، وهو من عبد مناف، ولما بعث محمد صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان لأمية بن الصلت مستهزئا: قد خرج النبي الذي كنت تنتظر، قال أمية: أما أنه حق فاتبعه، وكأني بك يا أبا سفيان إن خالفته قد ربطت كما يربط الجدي حتى يؤتى بك إليه ؛ فيحكم فيك ما يريد. ومن مواقف أبي سفيان بن حرب في الجاهلية :ففي يوم أُحد كان أبو سفيان بن حرب هو الذي قاد قريشًا كلها يوم أُحد، ولم يكن بأعلم من رسول الله r بقيادة الجيش وتنظيمه، لكن أبا سفيان استطاع أن يجند عددًا كبيرًا من قريش، فكانت عدتهم 3000، فيهم 700 دارع، ومعهم 200 فرس. وموقف آخر من مواقف أبي سفيان بن حرب في الجاهلية: فقد كان مع زيد بن الدثنة رضي الله عنه ؛ إذ اجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قَدِمَ ليُقتل: أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك. قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي. فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحبِّ أصحاب محمد محمدًا.
أما عن قصة إسلام أبي سفيان بن حرب : ففي المعجم الكبير للطبراني : عن العباس قال: (فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، قَالَ الْعَبَّاسُ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْمِنُوهُ، إِنَّهُ لَهَلاكُ قُرَيْشٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، قَالَ: فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ الْبَيْضَاءِ، فَخَرَجْتُ عَلَيْهَا حَتَّى جِئْتُ الأَرَاكَ، فَقُلْتُ: لَعَلِّي أَلْقَى بَعْضَ الْحَطَّابَةِ، أَوْ صَاحِبَ لَبِنٍ، أَوْ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِي مَكَّةَ، فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لِيَخْرُجُوا إِلَيْهِ، فَيَسْتَأْمِنُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً، قَالَ: فَوَاللَّهِ، إِنِّي لأَسِيرُ عَلَيْهَا، وأَلْتَمِسُ مَا خَرَجْتُ لَهُ ، إِذْ سَمِعْتُ كَلامَ أَبِي سُفْيَانَ، وَبُدَيْلِ بن وَرْقَاءَ وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ، وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ نِيرَانًا وَلا عَسْكَرًا، قَالَ: يَقُولُ بُدَيْلٌ: هَذِهِ وَاللَّهِ نِيرَانُ خُزَاعَةَ حَمَشَتْهَا الْحَرْبُ، قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ، وَاللَّهِ أَذَلُّ وأَلأَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانُهَا وَعَسْكَرُهَا، قَالَ: فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ، فَعَرَفَ صَوْتِي، فَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مَالَكَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَقُلْتُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فِي النَّاسِ وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ، قَالَ: فَمَا الْحِيلَةُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ لَئِنْ ظَفَرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، فَارْكَبْ مَعِي هَذِهِ الْبَغْلَةَ حَتَّى آتِيَ بِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أَسْتَأْمِنَهُ لَكَ، قَالَ: فَرَكِبَ خَلْفِي وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ، فَحَرَّكْتُ بِهِ كُلَّمَا مَرَرْتُ بنارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ، قَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَإِذَا رَأَوْا بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، قَالُوا: عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى مَرَرْتُ بنارِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ وَقَامَ إِلَيَّ، فَلَمَّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ عَلَى عَجُزِ الْبَغْلَةِ، قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ، عَدُوُّ اللَّهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلا عَهْدٍ، ثُمَّ خَرَجَ يَشْتَدُّ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وَرَكَضَتِ الْبَغْلَةُ، فَسَبَقَتْهُ بِمَا تَسْبِقُ الدَّابَّةُ الْبَطِيءُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ، فَاقْتَحَمْتُ عَنِ الْبَغْلَةِ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وَدَخَلَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلا عَهْدٍ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجَرْتُهُ، ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ، فَقُلْتُ: لا وَاللَّهِ، لا يُنَاجِيهِ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ دُونِي، فَلَمَّا أَكْثَرَ عُمَرُ فِي شَأْنِهِ، قُلْتُ: مَهْلا يَا عُمَرُ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مِنْ رِجَالِ بني عَدِيِّ بن كَعْبٍ مَا قُلْتُ هَذَا، وَلَكِنَّكَ عَرَفْتَ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ رِجَالِ بني عَبْدِ مَنَافٍ، قَالَ: مَهْلا يَا عَبَّاسُ، فَوَاللَّهِ لإِسِلامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى مِنْ إِسْلامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، وَمَا بِي إِلا أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إِسْلامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مِنْ إِسْلامِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: “اذْهَبْ بِهِ إِلَى رَحْلِكَ يَا عَبَّاسُ، فَإِذَا أَصْبَحَ فَائْتِنِي بِهِ”، فَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَحْلِي فَبَاتَ عِنْدِي، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَوْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، قَالَ: “وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟” قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ، وَاللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئًا، قَالَ:” وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟” قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ هَذِهِ، وَاللَّهِ كَانَ فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءُ حَتَّى الآنَ، قَالَ الْعَبَّاسُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَسْلِمْ، وَاشْهَدْ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُكَ، قَالَ: فَشَهِدَ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ وَأَسْلَمَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: “نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ”، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ:” يَا عَبَّاسُ، احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ، حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا”، قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهِ حَتَّى حَبَسْتَهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أَنْ أَحْبِسَهُ قَالَ: وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا، كُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ، قَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ فَأَقُولُ: سُلَيْمٌ، فَيَقُولُ: مَالِي وَلِسُلَيْمٍ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُرُّ الْقَبِيلَةُ، قَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ فَأَقُولُ: مُزَيْنَةُ، فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِمُزَيْنَةَ؟ حَتَّى تَعَدَّتِ الْقَبَائِلُ لا تَمُرُّ قَبِيلَةٌ إِلا، قَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ فَأَقُولُ: بنو فُلانٍ، فَيَقُولُ: مَالِي وَلِبَنِي فُلانٍ، حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فِي الْخَضْرَاءِ كَتِيبَةٌ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ لا يَرَى مِنْهُمْ إِلا الْحَدَقَ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَنْ هَؤُلاءِ يَا عَبَّاسُ؟ قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، قَالَ: مَا لأَحَدٍ بِهَؤُلاءِ قِبَلٌ وَلا طَاقَةٌ، وَاللَّهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ أَصْبَحَ مِلْكَ ابْنِ أَخِيكَ الْغَدَاةَ عَظِيمًا، قُلْتُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، إِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ: فَنَعَمْ إِذَنْ، قُلْتُ: النَّجَاءُ إِلَى قَوْمِكَ، قَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ هِنْدُ بنتُ عُتْبَةَ، فَأَخَذَتْ بِشَارِبِهِ، فَقَالَتْ: اقْتُلُوا الدَّسَمَ الأَحْمَسَ، فَبِئْسَ مِنْ طَلِيعَةِ قَوْمٍ، قَالَ: وَيْحَكُمْ، لا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ مَا لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ، فَهُوَ آمِنٌ، قَالُوا: وَيْلَكَ وَمَا تُغْنِي عَنَّا دَارُكَ، قَالَ: وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دُورِهِمْ، وَإِلَى الْمَسْجِدِ،…)
أيها المسلمون
ومن أهم ملامح شخصية أبي سفيان بن حرب : أنه تميز بكثيرٍ من الصفات التي قلما توجد في إنسان، وهذا ما جعله جديرًا بزعامة قريش، ومنها : – الدهاء والحكمة :وظهر ذلك في موقفه يوم بدر وفراره بالقافلة ،– و من الصفات التي عرف بها : الشجاعة والإقدام : وظهر ذلك في موقفه يوم حنين وعدم فراره من المعركة، – و من الصفات التي عرف بها : حب الفخر وحب الزعامة : وتبين ذلك من موقفه يوم فتح مكة، ولم يعِب النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذلك. – و من الصفات التي عرف بها : البخل : غير أنه يتكلف الجود إذا اقتضى الأمر؛ يدفعه ثمنًا للزعامة. ومن مواقف أبي سفيان بن حرب مع الرسول صلى الله عليه وسلم : أنه شهد غزوة الطائف وفيها فقد عينه ، وخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أن يدعو ربه ليردها له، وبين عين في الجنة، وكانت عينه في يده فرماها وقال: بل عين في الجنة، وشهد غزوة حنين، وروى البخاري في صحيحه : (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ، خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ ،….. حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا ، قَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ هَؤُلاَءِ الأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ . فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ . ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ ، وَهْىَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ ، فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَصْحَابُهُ ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ « مَا قَالَ » . قَالَ كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ « كَذَبَ سَعْدٌ ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ » . قَالَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ . )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن مواقف أبي سفيان بن حرب مع الصحابة : موقفه مع ابنته أم حبيبة قبل إسلامه : فلما جاء أبو سفيان إلى المدينة قبل الفتح؛ لما أوقعت قريش بخزاعة ونقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخاف فجاء إلى المدينة ليجدد العهد، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلم تتركه يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: “أنت مشرك”. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان عامله على نجران، وقد علاه عمر يوماً بالدرة (شيء كالعصا) فضربه، فغضبت هند، فقال عمر: ولكن الله رفع بالإسلام قوماً ووضع به آخرين، كما أمره عمر أن ينقل الحجارة التي سد بها مجرى السيل بنفسه ففعل، عمر: الحمد لله الذي جعل عمر يأمر أبا سفيان ببطن مكة فيطيعه. وشهد اليرموك تحت قيادة ابنه يزيد، وفيها فقد عينه الثانية. وكان رضي الله عنه قاضي الجماعة يوم اليرموك يسير فيهم ويقول: الله الله، عباد الله، انصروا الله ينصركم، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك. ومن فضائل أبي سفيان رضي الله عنه: فمن أعظمها رؤيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال الإمام أحمد بن حنبل: “فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذي لم يروه، ولو لقوا الله بجميع الأعمال… و من رآه بعينه و آمن به و لو ساعة أفضل بصحبته من التابعين و لو عملوا كل أعمال الخير”. ومن فضائله: قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم: فأبو سفيان يعدّ من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم بلا ريب و لا مرية فيه ، فهو يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في جدّه : ( عبد مناف ) وهذا يعتبر من المباحث المهمة التي لم يفرّط فيها أهل الحديث في مصنفاتهم لعظم هذه المنقبة , فحمداً لله على تكريمه لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم. ومن فضائله: تشريف داره المباركة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح : « مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِى سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ». رواه مسلم. ومن فضائله: تولية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان رضي الله عنه في حياته ، فنال أبو سفيان شرف الصحبة ،وشرف المصاهرة ، وغفر الله له ما كان منه ،وروى مسلم في صحيحه : (حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لاَ يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِى سُفْيَانَ وَلاَ يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَا نَبِيَّ اللَّهِ ثَلاَثٌ أَعْطِنِيهِنَّ قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِى سُفْيَانَ أُزَوِّجُكَهَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ وَلَوْلاَ أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْئَلُ شَيْئًا إِلاَّ قَالَ « نَعَمْ ». ومن كلمات أبي سفيان بن حرب : قوله يوم اليرموك: “والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم، ولا تبلغن رضوان الله غدًا إلا بصدق اللقاء، والصبر في المواطن المكروهة”. ولما حضرته الوفاة، قال: لا تبكوا عليَّ؛ فإني لم أتنطَّف بخطيئة منذ أسلمت. أما عن وفاة أبي سفيان بن حرب ، فقد توفي رضي الله عنه في المدينة المنورة، سنة اثنتين وثلاثين للهجرة، وصلى عليه عثمان رضي الله عنه، ودفن في البقيع، وعمره ثمان وثمانون أو بضع وتسعون سنة
الدعاء