خطبة عن (مناجاة: إلهي وسيدي ومولاي، من لي سواك؟)
يوليو 8, 2017خطبة عن ( أمي أُحبك يا أمي )
يوليو 8, 2017الخطبة الأولى ( مع الصحابي : ( الْقَعْقَاع بن عمرو التميمي )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ ،وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ ،وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ،وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي : ( الْقَعْقَاع بن عمرو التميمي ) : أما عن نسبه : فهو القعقاع بن عمرو بن مالك التميمي ، من قبيلة تميم ، وقد قدم وفد تميم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة للهجرة ، بعد غزوة (تبوك) فدخلت قبيلة تميم في الإسلام، وكان من بينهم القعقاع بن عمرو التميمي، ولم تكن له مواقف مشهودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لتأخر إسلامه، ولكنه برز كقائد بارع في سماء المعارك في عهود الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، وقد احتاج خالد بن الوليد إلى مدد في معارك الردة في العراق، فكتب إلى الصديق يستمده، فأمده بالقعقاع… وقال: “لا يهزم جيش فيه مثل هذا” . فمن صفات القعقاع بن عمرو رضي الله عنه : أنه كان شجاعاً مقداماً ثابتاً في أرض المعارك ، وبجوار شجاعته وشدة بأسه على أعداء الله كان شديد الذكاء وذا عبقرية عسكرية في إدارة المعارك ، وفي التاريخ العسكري، كل قائد حرب له مفتاح شخصية، وإن مفتاح شخصية القعقاع (الحيلة) مع كل ميزات القيادة الناجحة. وهو ليس رجلا بألف ، بل إن “صوته” فقط خير من ألف رجل.. فقد قال عنه الخليفة أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-: “لصوت القعقاع في المعركة خير من ألف رجل”. مؤكدا وشاهدا علي بطولته المتميزة. ولما طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر كتب إليه: (أما بعد : فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، علي كل ألف : رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد)، وقد قال عنه ابن عساكر رحمه الله : ” وكان أحد فرسان العرب الموصوفين وشعرائهم ، شهد اليرموك وفتح دمشق ، وشهد أكثر وقائع أهل العراق مع الفرس ، وكانت له في ذلك مواقف مشكورة ، ووقائع مشهورة “، ومن أهم جوانب شخصية القعقاع أيضا الشاعرية ، فقد امتلأت بطون كتب التاريخ شعرا من شعره ، وكان المؤرخون يأخذون تفاصيل الأحداث من وصفه الدقيق لمجريات المعارك ، ويعد شعره وثيقة تاريخية بالغة الأهمية ، حيث لم يترك معركة اشترك فيها إلا وصورها بشعره تصويرا دقيقا ، يتفق مع الأحداث التاريخية اتفاقا تاما ، ويشيد فيه ببطولته وبطولة إخوانه المسلمين وبلائهم في هذه الفتوح ، حيث نراه قد قرض الشعر في أكثر المعارك التي اشترك فيها في بلاد فارس…ويكاد يكون القعقاع أكثر شعراء الفتوح شعرا ، فله في كل معركة ، وفي كل موقف ، مقطوعة شعرية أو أكثر ، على حسب أهمية الحدث. وأكثر ما يتناول في شعره عبارات الجهاد ، والإيمان بالله ، وطلب الشهادة التي كان يتمناها ، وهو يرجو بذلك وجه الله وجنته التي أعدها للذين يجاهدون في سبيله ، منطلقا في ذلك من قوله تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) آل عمران/142″، ومما قاله في أشعاره في يوم اليرموك : ألَمْ تَرَنَا على اليرموك فُزنا***كما فُزنـا بأيـام العـراق .. فتحنا قبلها بُصـرى وكانتْ***محرّمة الجناب لدَى البُعـاق … وعذراءُ المدائـن قد فتحنـا***ومَرْجَ الصُّفَّرين على العِتَـاقِ… فضضنا جمعَهم لمّا استحالوا***على الواقوص بالبتـر الرّقاقِ … قتلنا الروم حتـى ما تُساوي***على اليرموك ثفْروق الوِراقِ
أيها المسلمون
ومن بطولات القعقاع بن عمرو في معركة ذات السلاسل : فقد كان عدد المجوس أضعاف عدد المسلمين، ومع ذلك فقد ربطوا أنفسهم بسلاسل الحديد حتى لا يفروا. وكان خالد بن الوليد – رضي الله عنه – قائد جيش المسلمين وهرمز قائد جيش الفرس. وكانت عادة جيوش الكفار، أن قائدهم إذا قتل أو انهزم انتهت المعركة بهزيمة هذا الجيش. أراد هرمز أن يقتل قائد الجيش خالد بن الوليد ليفر الجيش الإسلامي حسب ظنه، وهرمز يعلم علم اليقين من هو خالد؟ ويعلم أيضاً أنه أقل شأناً من أن يتغلب على خالد لذلك لجأ إلى حيلة الجبان .فعندما تقابل الجيشان، نزل عن حصانه و دعا خالداً إلى المبارزة، نزل خالد عن حصانه وتقدم إلى هرمز. كانت عيون الجيشين تنظر إلى البطلين وهما يتقدمان إلى الموت، وقد ذهل المُشاهد عن نفسه لهول الموقف، ولكن القعقاع لم يكن غائب اللب في هذا المشهد الرهيب، بل استل سيفه، وهيأ جواده لأي أمر طارئ. القائدان يتقدمان من بعضهما بخطوات بطيئة، وفي اللحظة التي بدأت بينهما المبارزة هجم عشرة من فرسان المجوس، انتقاهم هرمز للهجوم على خالد، وبلمح البرق طار القعقاع إلى الفرسان بجواده العربي الأصيل الذي يسبق السهم، فقتل خمسة من الفرسان وفر الباقون. أما خالد، فقد سيطر على خصمه، فأمسكه من عنقه وقال له : إنك لست أهلاً أن تموت في ساحة المعركة ميتة الشرف لأنك لا تعرف الشرف، ثم ذبحه بسيفه كما يذبح الخروف، فانهزم المجوس ولحق بهم المسلمون. وفي معارك فتح فارس، وبعد أن انهزم الفرس، وطاردهم القعقاع بأمر من سعد بن أبي وقاص” وأوقع بهم خسائر فادحة، كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد: أي فارس كان أفرس في القادسية؟ فكتب إليه سعد: “إني لم أر مثل القعقاع بن عمرو، حمل في يوم ثلاثين حملة، يقتل في كل حملة بطلاً” . ولا يمكن أن يكون هذا التميز والنجاح في إدارة المعارك نابعاً من فراغ، لابد أن يكون وراءه عقلية مفكرة مدبرة، مبتكرة، ووراءه قائد ذو قدرة فائقة على توليد الأفكار حين الاحتياج لها، وهذه السمة واضحة وضوح الشمس في حياة هذا القائد العظيم،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : ( الْقَعْقَاع بن عمرو التميمي )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولقد كان للقعقاع أثر كبير في نفوس الأخرين ففي اليوم الثاني من معركة القادسية أصبح القوم وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها هاشم بن عتبة بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس ، وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع ، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية ، وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء ، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس ، فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام ، فهبطت هممهم ، ونازل القعقاع( بهمن جاذويه ) أول وصوله فقتله ، ، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها ، ولقد فتكت الفيلة بالكثير من المسلمين ، وجعلت الخيول تفر خوفاً من هذا المخلوق الكبير التي لم تألفه من قبل، خاصة أن تلك الفيلة كانت مدربة على القتال بخراطيمها وأقدامها، وهو مالم يعهده العرب في معاركهم من قبل كما يتقنه الفرس.. فكر القعقاع بابتكار يعيد الميزان لأرض المعركة، ويدخل عنصراً جديداً في صفوف المسلمين لا يملكه الفرس، كما أن للفرس سلاحاً لا يملكه المسلمون، وهو الفيلة فوجد ضالته بالإبل والتي لا يملكها الفرس. وأظن أن هذه الفكرة وردت عليه، بسبب رؤيته للخيول وهي تجفل من الفيلة، فقلب الفكرة واستفاد مما رأى، فاتفق مع بعض جنده على صناعة براقع مثقوبة مكان العينين، يلبسوها لرؤوس الإبل، كما يضعون عليها لباساً خاصاً يتدلى على طرفيها بحيث يكون شكلها غير مألوف، ومخيف. “وأمرهم القعقاع أن يهاجموا بها خيل الفرس، فجفلت خيول الفرس تفر منها وركبتها خيول المسلمين، فلما رأى الناس ذلك فرحوا أشد الفرح، إذ لقي الفرس من هذه الإبل أعظم مما لقي المسلمون من الفيلة في اليوم الأول من أيام القادسية ،هكذا هو القائد الناجح يولد الأفكار الجديدة عندما تحتدم الأمور. وينتقل القعقاع بن عمرو رضي الله عنه بصُحْبة خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى الشام لحرب الروم، وفي اليرموك كان اللقاء الأوَّل، وكالعادة كان القعقاع بن عمرو في قلب الجيش بجوار خالد الذي كان قد أعادَ تنظيمَ الجيش، وجعَلَ القيادة بالتناوب بينه وبين باقي القادة، وتولَّى هو القيادة في اليوم الأول، والذي انتهى بانتصار كاسحٍ للمسلمين على الروم. وينتقل أبو بكر الصديق إلى جوار ربِّه، ويتولَّى الفاروق عمر بن الخطاب الخلافة، فيكون أوَّل قرارٍ له عزْل خالد بن الوليد وتوْلِية أبي عبيدة بن الجراح على قيادة جيوش المسلمين، في حين يظلُّ خالد بن الوليد قائدًا على الجيش الذي قَدِم به من العراق. ثم تتحرَّك جيوش المسلمين؛ لفتح دمشق التي تحصَّنتْ حاميتُها داخل أسوارها المنيعة، وتقف الجيوش الإسلامية عاجزةً عن اقتحام دمشق، حتى تفتَّقَ ذِهْنُ القعقاع عن حلٍّ جريء، وهو أن تتولَّى مجموعة من المسلمين تسلُّقَ الأسوار وفتْحَ أبوابها من الداخل، ويوافق خالد بن الوليد على هذه العمليَّة الجريئة غير المسبوقة، بل ويقوم بالتنفيذ خالد بن الوليد نفسُه ومعه القعقاع بن عمرو، ومذعور بن عَدي العجلي، وأمثالهم من الأبطال الأشدَّاء، وكانت التعليمات لسائر الجيش: “إذا سمعتُم تكبيرَنا على السور فارْقَوا إلينا، وانهدوا للباب ،ويُعْبرُ الأبطال الخندق المحيط بالسور والمغمور بالمياه سباحةً، ويقذفوا بأوهاق الحبال حتى اشْتَبَك منها وهقان بأعلى السور وثَبَتا فيه، فتسلَّق عليهما القعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي، ومعهما باقي سلالم الحبال، فأثبتاها جميعًا بأعلى السور، وكان هذا المكان الذي اقتحموا منه أحصنَ موقعٍ بدمشق كلِّها؛ أكثره ماءً، وأعرضه خندقًا، وأشده مدخلاً، ويعتلي خالد بن الوليد رضي الله عنه السور مع باقي رجاله، ليكبِّروا جميعًا بصوت رجلٍ واحد؛ ليعبرَ باقي جيش خالد الخندقَ، ويتدافعون نحو سلالم الحبال يتسلَّقونها، ويتكاثرون حول باب الحِصْن الشرقي الذي نَجَحَ خالد بن الوليد والقعقاع بن عمرو رضي الله عنهما في فتْحِه بعد قتال مرير، فلم يجدْ أهلُ دمشق بُدًّا من الاستسلام وطلبِ الصُّلْح. وللقعقاع مواقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم فعن القعقاع بن عمرو قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : ما أعددت للجهاد؟ قلت: طاعة الله ورسوله والخيل قال: تلك الغاية ، أما عن النهاية والوفاة: فقد توفي القعقاع بن عمرو التميمي رضي الله عنه بالكوفة ، بعد جهاد طويل في سبيل الله الدعاء