خطبة عن ( اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعوَا )
سبتمبر 30, 2017خطبة عن (الأشهر الحُرُم: حكمتها، وفضائلها
أكتوبر 1, 2017الخطبة الأولى (الصحابي : (حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ، نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ،لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا، نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل إنه الصحابي : ( حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ ) : أما عن اسمه ونسبه : فهو حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري, من أعلام الصحابة وأول شهداء الأنصار ، وأمه الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْر عَمَّة أنس بن مالك ، وكان حارثة بن سراقة عظيم البر بأمه، حتى قال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: “دَخَلَتْ الجَنَّةُ فَرَأَيْتُ حَارِثَةَ، كَذَلِكُمُ البِرُّ” (كتاب معرفة الصحابة لابي نعيم الاصبهاني)قال أنس: بينما رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يمشي إذ استقبله شاب من الأنصار، فقال له النبي صَلَّى الله عليه وسلم: “كَيْفَ أَصْبَحَتْ يَا حَارِثُ”؟ قال: أصبحت مؤمنًا بالله حقًا، قال: “انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ؟ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً”، قال: يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني بعرش ربي عز وجل بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاوَوْن فيها، قال: “الْزَمْ؛ عَبْدٌ نَوَّرَ الله الإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ” ( رواه الطبراني وأبو نعيم ) وقال: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فدعا له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكانت أمه تحبه حبا شديدا, إلا أن هذا الحب لم يمنعه أن يخرج إلي بدر لنصرة دين الله فحب الايمان كان أقوي من كل المشاعر الأخرى. فخرج حارثة إلي بدر رغم حداثة سنه وقلة خبرته في القتال, ولما بدأت المعركة وأخذ الجيشان موضعهما. وكان حارثة مع النظارة, فنزل إلي الحوض الذي اتخذه المسلمون ليشرب الماء, فاذا بسهم ينطلق من كنانة حبان بن العرقة أحد المشركين ليصيب حارثة فيستشهد في سبيل الله تعالي, وروى البخاري في صحيحه (حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهْىَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَلاَ تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ ، صَبَرْتُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ . قَالَ « يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الصحابي : (حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد ذكر أصحاب السير قصة استشهاده وأصلها في صحيح البخاري .. دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إلى بدر .. فلما أقبلت جموع المسلمين كانت النساء .. وكان من بين هؤلاء الحاضرين عجوز ثكلى ، كبدها حرى تنتظر مقدم ولدها .. فلما دخل المسلمون المدينة بدأ الأطفال يتسابقون إلى آبائهم ، والنساء تسرع إلى أزواجها ، والعجائز يسرعن إلى أولادهن ، .. وأقبلت الجموع تتتابع .. جاء الأول .. ثم الثاني .. والثالث والعاشر والمائة ..ولم يحضر حارثة بن سراقة .. وأم حارثة تنظر وتنتظر تحت حرّ الشمس ، تترقب إقبال فلذة كبدها ، وثمرةِ فؤادها ،
كانت تعد في غيابه الأيام بل الساعات ، وتتلمس عنه الأخبار ، تصبح وتمسي وذكره على لسانها ..
تُسـائل عنه كل غاد ورائح .. وتومئ إلى أصحابه وتسلــم
فـللـه كـم مـن عـبرة مهراقة .. وأخـرى على آثارها لا تقــدم
وقــد شرقت عين العجوز بدمعها .. فتنظــر من بين الجموع وتكتم
وكاد تذكـــر نفسـاً بالتلاقي وقربه .. وتوهمهــا لكنهـــا لا توهم
وكـــم يصبر المشتاق عمن يحبه .. وفي قلبـه نـار الأسى تتضــرم
ترقبت العجوز وترقبت فلم تر ولدها .. فتحركت الأم الثكلى تجر خطاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودموعها .. فنظر الرحيم الشفيق إليها فإذا هي عجوز قد هدها الهرم والكبر ، وأضناها التعب وقلّ الصبر ، وقد طال شوقها إلى ولدها ، تتمنى لو أنه بين يديها تضمه ضمة ، وتشمه شمة ولو كلفها ذلك حياتها .. اضطربت القدمان ، وانعقد اللسان ، وجرت بالدموع العينان .. كبر سنها ، واحدودب ظهرها ، ورق عظمها ، ويبس جلدها ، واحتبس صوتها في حلقها .. وقد رفعت بصرها تنتظر ما يجيبها الذي لا ينطق عن الهوى .. فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلها وانكسارها ، وفجيعتَها بولدها ، التفت إليها وقال : ويحك يا أم حارثة أهبلت ؟! أو جنةٌ واحدة ؟! إنها جنان ، وإن حارثة قد أصاب الفردوس لأعلى .. فلما سمعت العجوز الحرى هذا الجواب : جف دمعها ، وعاد صوابها ، وقالت : في الجنة ؟ قال : نعم . فقالت : الله أكبر .. ثم رجعت الأم الجريحة إلى بيتها ،رجعت تنتظر أن ينزل بها هادم اللذات ..ليجمعها مع ولدها في الجنة .. لم تطلب غنيمة ولا مالاً ، ولم تلتمس شهرة ولا حالاً ، وإنما رضيت بالجنة ..
أيها المسلمون
ومن المعلوم أن كل من اشترك في غزوة بدر له دوره ومنزلته، ودرجته وفضله، وحسبهم أن الله رفع ذكرهم وغفر ذنبهم، فمنهم من أكرمه الله بالشهادة ففاز بخيري الدنيا والآخرة، ومنهم من طال به العمر فما غيَّر ولا بدَّل، وصدق الله العظيم ، إذ يقول الله تعالى : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (الأحزاب:23).
الدعاء