خطبة عن: مراقبة الله (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
أكتوبر 7, 2017خطبة عن (تحية الإسلام (السلام): مفهومها وآدابها)
أكتوبر 7, 2017الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (حَاطِبُ بْنُ أَبِى بَلْتَعَةَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ،لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي : (حَاطِبُ بْنُ أَبِى بَلْتَعَةَ ) : أما عن اسمه ونسبه وقبيلته : فهو حَاطِبُ بْنُ أَبِى بَلْتَعَةَ بن عمرو بن عمير بن سلمة اللخمي صحابي بدري، وقد ولد رضي الله عنه قبل الهجرة بخمس وثلاثين سنة ، وكان أحد فرسان قريش في الجاهلية وشعرائها، وكان رجلا حسن الجسم، وخفيف اللحية، ويميل إلى القصر، وأجنب به حدب، وغليظ الأصابع، وقد كان حاطب في الجاهلية حليفاً لبني أسد بن عبد العزى، أما عن إسلام حَاطِب بْن أَبِى بَلْتَعَةَ : فقد كان إسلامه رضي الله عنه قديمًا ، ولعل صلته بالزبير بن العوام الذي أسلم قديمًا جعلت حاطبًا يقتفي أثره، وكان رضي الله عنه محبا للجهاد في سبيل الله ، فقد شهد حاطب بدرًا وأحدا والخندق ، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من الرماة الموصوفين. وكان رضي الله عنه عالما حكيما ، يقول حاطب : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلني في منزله وأقمت عنده ليالي ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته, فقال: إني سأكلمك بكلام أحب أن تفهمه مني, قال: قلت: هلم قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبيًّا؟ قلت: بلى هو رسول الله, قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلدته إلى غيرها, فقلت له: فعيسى ابن مريم أتشهد أنه رسول الله, فما له حيث أخذه قومه فأرادوا صلبه, ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله إليه في سماء الدنيا, قال: أحسنت, أنت حكيم جاء من عند حكيم جاء من عند حكيم, هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد, وأرسل معك من يبلغك إلى مأمنك, قال: فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرى وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهم بن حذيفة العدوي وأخرى وهبها لحسان بن ثابت الأنصاري وأرسل بثياب مع طرف من طرفهم.
أيها المسلمون
ولكن وكما يقول الحكماء : ( لكل جواد كبوة ، ولكل عالم هفوة ) ، فمن كبواته رضي الله عنه ، والتي عرفت عنه ، ما كان من شأنه يوم فتح مكة ، ولكن بداية نقول : ما من بني آدم أحد إلا وهو معرض للخطأ، إلا الرسل فقد عصمهم الله، وخطأ هؤلاء القمم من الصحابة رحمة، حتى لا يأتي مَنْ بعدهم، ويضع لهم هالة من التقديس والتقدير والتي لا تليق إلا بمقام الألوهية كما فعل النصارى، وكما تفعل باقي الملل المنحرفة بصالحيهم، ولابد أن يكون هناك فرق بين من يخطئ ويصرُّ على خطئه، وبين من يخطئ ويشعر بخطئه، ويندم عليه، ثم يصلح من نفسه، لهذا ذكر الله – تعالى – في صفات المتقين الذين وعدهم بجنة عرضها السماوات والأرض بأنهم: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}(135) ،(136)آل عمران ولكن الذين أخطئوا وأصروا على خطئهم، ولم يعترفوا ولم يندموا؛ فقد أنزل الله – سبحانه وتعالى – آيات تعريهم وتكشفهم، بل أنزل سورة كاملة كسورة المنافقين لتفضحهم، وتبشرهم بمأواهم في جهنم، وطردهم من رحمة الله. وأما ما كان من شأن الصحابي حاطب رضي الله عنه فقد جاء في الصحيحين واللفظ للبخاري (عَنْ عَلِىٍّ – رضى الله عنه – قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَبَا مَرْثَدٍ وَالزُّبَيْرَ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ « انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ » . فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْنَا الْكِتَابُ . فَقَالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ . فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا ، فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ . فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهْىَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ ، فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم « مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ » . قَالَ حَاطِبٌ وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لاَ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ – صلى الله عليه وسلم – أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « صَدَقَ ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا » . فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ .
فَقَالَ « أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ » . فَقَالَ « لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ » . فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ) ، كما روى مسلم في صحيحه: (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَشْكُو حَاطِبًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَذَبْتَ لاَ يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (حَاطِبُ بْنُ أَبِى بَلْتَعَةَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن مواقف الصحابي حاطب بن أبي بلتعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه البيهقي في سننه والحاكم في مستدركه (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَاطِبَ بْنَ أَبِى بَلْتَعَةَ يَقُولُ : أَنَّهُ طَلَعَ عَلَىَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي أُحُدٍ وَهُوَ يَشْتَدُّ وَفِى يَدِ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ التُّرْسَ فِيهِ مَاءٌ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَغْسِلُ وَجْهَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَقَالَ لَهُ حَاطِبٌ : مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا؟ قَالَ :« عُتْبَةُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ هَشَمَ وَجْهِى وَدَقَّ رَبَاعِيَتِى بِحَجَرٍ رَمَانِي ». قُلْتُ : إِنِّي سَمِعْتُ صَائِحًا يَصِيحُ عَلَى الْجَبَلِ قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَأَتَيْتُ وَكَأَنْ قَدْ ذَهَبَ رُوحِي قُلْتُ أَيْنَ تَوَجَّهَ عُتْبَةُ فَأَشَارَ إِلَى حَيْثُ تَوَجَّهُ فَمَضَيْتُ حَتَّى ظَفَرْتُ بِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ فَطَرَحْتُ رَأْسَهُ فَهَبَطْتُ فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ وَسَلَبَهُ وَفَرَسَهُ وَجِئْتُ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمَ ذَلِكَ إِلَىَّ وَدَعَا لِي فَقَالَ :« رَضِىَ اللَّهُ عَنْكَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْكَ ». ومن مواقفه رضي الله عنه مع الصحابة : ما جاء عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: أصاب غلمان لحاطب بن أبي بلتعة بالعالية ناقة لرجل من مزينة فانتحروها واعترفوا بها فأرسل إليه عمر فذكر ذلك له وقال: هؤلاء أعبدك قد سرقوا وانتحروا ناقة رجل من مزينة واعترفوا بها فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ثم أرسل بعد ما ذهب فدعاه ،وقال: لولا أني أظن أنكم تجيعونهم حتى إن أحدهم أتى ما حرم الله تعالى لقطعت أيديهم ولكن والله لئن تركتهم لأغرمنك فيهم غرامة توجعك ، فقال للمزني: كم ثمنها قال: كنت أمنعها من أربعمائة قال: فأعطه ثمانمائة. ولما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس قال له : إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى فأخذه الله نكال الأخرة والأولى فانتقم الله به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك قال: هات قلت: إن لك دينًا لن تدعه إلا لما هو خير منه وهو الإسلام الكافي بعد ما سواه, إن هذا النبي دعا الناس إلى الله فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له اليهود وأقربهم منه النصارى, ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل وكل من أدرك نبيًّا فهو من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه, فأنت ممن أدركت هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به ثم ناوله كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما قرأه قال خيرًا قد نظرت في هذا فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب فيه, ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ووجدت معه آلة النبوة, ثم جعل الكتاب في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى خازنه, وكتب جوابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : قد علمت أن نبيًّا قد بقي وقد أكرمت رسولك، وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم جاريتين وبغلة تسمى الدلدل فقبل النبي صلى الله عليه وسلم هديته, واصطفى الجارية الواحدة واسمها مارية القبطية لنفسه فولدت منه إبراهيم. وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا رضي الله عنه إلى عظيم الإسكندرية بمصر أيضًا، فأكرمه. وبعثه أبو بكر الصديق أيضًا إلى المقوقس بمصر فصالحهم. فكان رضي الله عنه مبعوث الدولة الإسلامية الدائم إلى مصر. أما عن وفاته : فقد توفي رضي الله عنه سنة 30هـ بالمدينة، وهو ابن 65 سنة، وصلى عليه عثمان رضي الله عنه .
فرضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين وجزاهم الله عنا خير الجزاء
الدعاء