خطبة عن حديث (لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه)
أكتوبر 21, 2017خطبة عن (آية الكرسي: معانيها، وخواصها وفضائلها)
أكتوبر 21, 2017الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه : (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ،لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي : (حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ ) ، أما عن نسبه : فهو الصحابي (حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ ) واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جُنْدَب ابن عامر بن غَنْم بن عَدِي بن النجار الأنصاري النجاري ، وأمّه مليكة بنت مالك بن عديّ بن زيد مناة بن عديّ بن عمرو بن مالك بن النجّار ، وهو أخُو أمّ سليم بنت ملحان، وأمَّ حرام بنت ملحان ، وخال أنس بن مالك ،وحرام بن ملحان قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله و شهد بدرا وأحدا ، ومن أهم ملامح شخصيته: مدارسته للقرآن الكريم وخدمته للمسلمين ،وقد روى مسلم في صحيحه :(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا أَنِ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالاً يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ فِيهِمْ خَالِى حَرَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِى الْمَسْجِدِ وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْهِمْ فَعَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ. فَقَالُوا اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا – قَالَ – وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا خَالَ أَنَسٍ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ. فَقَالَ حَرَامٌ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَصْحَابِهِ « إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا وَإِنَّهُمْ قَالُوا اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا ». وتفاصيل هذه القصة أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر صفر من العام الرابع من الهجرة، رجلٌ من بني عامر وهي من القبائل القوية، وهذا الرجل هو مُلاعِب الأسِنَّة أبو براء عامر بن مالك، وقدَّم هديَّةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فلم يُسلِم، وقال: يا محمد، لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك، فإني أرجو أن يستجيبوا لك. فقال: “إِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ”. فقال أبو براء: أنا جارٌ لهم. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعة من أصحابه إليهم يدعونهم إلى الله سبحانه وتعالى، وكان من بين هؤلاء الصحابة: حرام بن ملحان ، فذهبوا إلى هؤلاء القوم، فلما اقتربوا منهم، قال لهم حرام بن ملحان : دعوني أنا أذهب رسولاً إلى هؤلاء القوم طليعة لكم، فذهب إليهم، ووقف أمام زعيمهم، وهو: عامر بن الطفيل يدعوه إلى الله، ويبلغه رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبين له، ويقرأ عليه القرآن، وبينما كان هذا الرجل -وهو حرام بن ملحان – مستغرقاً في شرح الإسلام لهذا الكافر العنيد، جاء رجل من خلفه؛ فأشار إليه هذا الكافر أن اقتل حرام بن ملحان . وكان من عادة العرب حتى في كفرهم وجاهليتهم، أنهم لا يقتلون الرسل، وهذا عرف سائد عندهم، ولكن لما صارت المعركة بين الإسلام والكفر، نسي العرب كل عاداتهم، وتقاليدهم في سبيل حرب الإسلام؛ فأشار عامر بن الطفيل -هذا الكافر العنيد- إلى رجل خلف حرام بن ملحان يأمره بأن يطعنه، واسم الرجل الطاعن: جبار بن سلمى ، فجاء جبار هذا وأخذ الخنجر وسدده إلى بطن حرام بن ملحان وهو يتكلم، وفوجئ بهذا، فظهر الدم وبقوة، وانفجر من بطنه } ،وقد فعل عامر بن الطفيل ذلك؛ لأن بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفًا قديمًا؛ فقد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: “إني أعرض عليك ثلاثة أمور: أن يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، أو أن أكون خليفتك من بعدك، أو أن أغزوك بأهل غطفان”. فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمور التي هي من أمور الجاهلية. فلذلك لم ينظر في رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يحملها حرام بن ملحان، واستعدى عليهم بني عامر، فأبوا لجوار أبي براء عامر بن مالك إياهم، فاستعدى بني سُليم فنهضت منهم عُصيَّة ورِعل وذَكوان، وقتلوهم عن آخرهم، إلا كعب بن زيد فقد أصيب بجروحٍ وظنوه قد قتل، ولكنه عاش حتى شهد الخندق في العام الخامس، ولقي ربه شهيدًا. ولقد كانت مأساة بئر معونة قاسية على المسلمين؛ فالذين قتلوا هم من القُرَّاء ومن الدعاة ومن العلماء، وظل الرسول صلى الله عليه وسلم يقنت شهرًا كاملاً يدعو على عامر ورعل وذكوان في كل صلواته حتى الصلوات السرية. ففي الصحيحين : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ دَعَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا – يَعْنِى – أَصْحَابَهُ بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا حِينَ يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَلِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ – صلى الله عليه وسلم – . قَالَ أَنَسٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي الَّذِينَ قُتِلُوا أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ ( بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِىَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه (أن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ – وَكَانَ خَالَهُ – يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ بِالدَّمِ هَكَذَا ، فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ ، ثُمَّ قَالَ ( فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ). فعند الناس الدنيا والحياة هي كل شيء، وهي رأس المال ، وأما هذا الصحابي ،فهو يغادر الدنيا، ويقول: (فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ) فلماذا فاز؟ ، وبماذا فاز ؟ ، نعم لقد فاز، فهو مؤمن، ويدرك أن الدنيا ليست إلا ممر إلى الآخرة، ويدرك أن الميتة التي ماتها في سبيل الله هي مهر دخوله الجنة -بإذن الله- ولذلك قال: (فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ) ، وتذكر بعض المصادر الأخرى، أن الرجل الذي طعن حرام بن ملحان وهو جبار بن سلمى ، وقف مستغرباً، كيف أن هذا الرجل الآن يلفظ أنفاسه، ويغادر الدنيا، ويترك زوجته، وأولاده، بل ويترك الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا، ويغادرها إلى الآخرة، ومع ذلك يقول:
(فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) ، لماذا؟! وبماذا فاز؟! ،فأدرك ( جبار بن سلمى ) أن هذا الإنسان لابد أن يكون عنده إيمان حقيقي بشيء آخر وراء هذه الدنيا، جعله يفرح بالموت في سبيل الله، وما زال هذا الشعور يلح على جبار بن سلمى القاتل حتى أسلم، وحسن إسلامه. (فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ): انها كلمات خرجت من فم الصحابي الجليل حرام بن ملحان عندما فاز بالشهادة في سبيل الله ورأى دماءه التي امتزجت بآيات القرآن وحروفه ،وتفاعلت مع الاسلام ، راها وهي تنزف من جسده الشريف على اثر طعنة جاءته من خلفه فلم يجد ما يعبر عن شدة سعادته وفرحه الا ان قال :الله اكبر .. فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ . وكيف لا يقول هذه الكلمة وهو الذي تربى بين يدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي كان يتلو على مسامعه آيات القرآن التي تحث المؤمنين على الجهاد في سبيل الله وتخبرهم عن عظيم أجر الشهداء ومنزلتهم في جنات النعيم ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } (13): (10) الصف ، فلما عاش حرام بن ملحان رضي الله عنه بل وتعايش مع تلك الآيات أصبح لا يتمنى شيئا إلا أن يرزقه الله الشهادة في سبيله ،فهذا هو الفوز الذي ليس بعده خسارة . وكان يخشى ألا يرزقه الله الشهادة في سبيله ، فأخذ يدعو ويبتهل ويخلص في التذلل لله عز وجل لكي يرزقه الشهادة ، فلما نالها ، نطق لسانه بما في قلبه (فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ )
الدعاء