خطبة عن (الثبات: أنواعه والأسباب المعينة عليه)
نوفمبر 4, 2017خطبة عن ( لماذا نحن مسلمون؟ )
نوفمبر 4, 2017الخطبة الأولى ( مع الصحابي (خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]،وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي 🙁خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ ) : وأما عن نسب (خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ ) ، فهو خباب بن الأَرَتّ بن جندلة التميمي، ويقال الخزاعي أبو عبد الله، وقد سُبِي في الجاهلية فبيع في مكة، فكان مولى أم أنمار الخزاعية، فدفعت به أم أنمار إلى أحد الحدادين في مكة ليعلمه صناعة السيوف، فما أسرع أن أتقن الغلام الصنعة، وتمكّن منها أحسن تمكن. ولما اشتد ساعد خباب وصلب عوده استأجرت أم أنمار دكانًا، واشترت له عدة، وجعلت تستثمر مهارته في صنع السيوف. لم يمضِ غير قليل على خباب حتى شهر في مكة، وجعل الناس يقبلون على شراء سيوفه؛ لما كان يتحلى به من الأمانة والصدق وإتقان الصنعة . وكان خباب -على حداثة سنِّه- يتحلى بعقل الكلمة وحكمة الشيوخ؛ فكان كثيرًا ما يفكر في هذا المجتمع الجاهلي الذي غرق في الفساد من أخمص قدميه إلى قمة رأسه، راجيًا أن يرى بعينه مصرع الظلام، ومولد النور، وهنا ظهر فجر الاسلام ، فقد ترامى إليه رضي الله عنه أن خيطًا من نور قد تألق من فم فتى من خيرة بني هاشم، يُدعى محمد بن عبد الله، فمضى إليه وسمع منه فغمره سناه، فبسط يده إليه وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فكان سادس ستة أسلموا على ظهر الأرض. وقد أسلم خباب رضي الله عنه قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. لم يكتم خباب رضي الله عنه إسلامه عن أحد، فما لبث أن بلغ خبره أم أنمار فاستشاطت غضبًا وتميزت غيظًا، وصحبت أخاها “سباع بن عبد العزى” ولحق بهما جماعة من فتيان خزاعة ومضر جميعًا إلى خباب، فوجدوه منهمكًا في عمله، فأقبل عليه “سباع” وقال: لقد بلغنا عنك نبأ لم نصدقه. فقال خباب: وما هو؟ فقال سباع: يشاع أنك صبأت، وتبعت غلام ابن هاشم. فقال خباب في هدوء: ما صبأت، وإنما آمنت بالله وحده لا شريك له، ونبذت أصنامكم، وشهدت أن محمدًا عبد الله ورسوله. فما أن لامست كلمات خباب مسامع “سباع” ومن معه حتى انهالوا عليه، وجعلوا يضربونه بأيديهم ويركلونه بأقدامهم، ويقذفونه بما يصلون إليه من المطارق وقطع الحديد، حتى هَوَى على الأرض فاقد الوعي والدماء تنزف منه. واستنجد الكفار بأم أنمار ، السيدة التي كان خباب -رضي الله عنه- عبدا لها قبل أن تعتقه ، فأقبلت تأخذ الحديد المحمي وتضعه فوق رأسه ، وخباب يتلوى من الألم ، ولكنه يكظم أنفاسه حتى لا يرضي غرور جلاديه ، ومر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- والحديد المحمي فوق رأسه ، فطار قلبه رحمة وأسى ، ولكن ماذا يملك أن يفعل له غير أن يثبته ويدعو له 🙁 اللهم انصر خبابا ) ، وبعد أيام قلائل نزل بأم أنمار القصاص العاجل ، اذ أنها أصيبت بسعار عصيب وغريب جعلها -كما يقولون- تعوي مثل الكلاب ، وكان علاجها أن يكوى رأسها بالنار ، فكان الجزاء من جنس العمل .
أيها المسلمون
هكذا تعرض خباب لشتى ألوان العذاب، ولكنه تحمل وصبر في سبيل الله، فقد كانوا يضعون الحديد المحمي على جسده فما يطفئ النار إلا الدهن الموجود في ظهره، وقد سأله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يومًا عما لقى من المشركين، فقال خباب: يا أمير المؤمنين، انظر إلى ظهري، فنظر عمر، فقال: ما رأيت كاليوم، قال خباب: لقد أوقدت لي نار، وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري (أي دهن الظهر). وروى احمد : (قَال خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ كُنْتُ قَيْناً بِمَكَّةَ فَكُنْتُ أَعْمَلُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ فَاجْتَمَعَتْ لِى عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. قَالَ قُلْتُ وَاللَّهِ لاَ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ فَإِذَا بُعِثْتُ كَانَ لِى مَالٌ وَوَلَدٌ. قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا) مريم (77) :(80) ،ولكن ومع كل ما تعرض له من التعذيب الشديد على يد مشركي مكة، فإنه رضي الله عنه ثبت على الحق كالجبال، ورفض جميع أنواع الإغراءات ليرتد عن دينه؛ وعندما اشتد عليه العذاب هو ومن آمن معه من الصحابة ، ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ « كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » .ولما أنار الله قلب خباب بالإيمان ، وأحس بحلاوته وطعمه ، راح يدعو الناس إليه ، وكان سببا في اسلام الكثير منهم ، فها هو رضي الله عنه يذهب سرا إلى بيت فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمر رضي الله عنه يومًا متوشحًا سيفه يريد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أنهم اجتمعوا في بيت عند الصفا، فلقيه نعيم بن عبد الله فأخبره بإسلام أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو، فرجع عمر عامدًا إلى أخته وزوجها وعندهما خباب بن الأرت رضي الله عنه، ومعه صحيفة فيها “سورة طه” يُقرئُهما إياها، فلما سمعوا صوت عمر تغيَّب خباب في بعض البيت، فأخبرهما بما سمع وبطش بزوج أخته سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجَّها، فلما فعل ذلك قالت له أخته وزوجها: نعم، لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، وطلب من أخته الصحيفة ليقرأها، فأمرته أن يغتسل حتى تعطيه الصحيفة، فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها “طه” فقرأها، فلما قرأ منها صدرًا، قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع ذلك خباب بن الأرت رضي الله عنه خرج إليه فقال له: والله يا عمر، إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإني سمعته أمسِ وهو يقول: “اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب”، فاللهَ الله يا عمر. فقال عند ذلك: فدلني يا خباب على محمدٍ حتى آتيه فأسلم. فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا، معه نفر من أصحابه. وذهب عمر وأسلم.
أيها المسلمون
وجاءت الهجرة، فأسرع خباب ملبيًّا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فهاجر إلى المدينة، وهناك آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين تميم مولى خراس بن الصمة -رضي الله عنهما-، وشارك خباب في جميع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأظهر فيها شجاعة وفروسية، وظلَّ محبًّا للجهاد في سبيل الله، كما شارك خباب في الفتوحات أيام أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-. وينقل لنا خباب موقفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي مسند أحمد ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِيهِ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ مَوْلَى بَنِى زُهْرَةَ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْراً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ :رَاقَبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي لَيْلَةٍ صَلاَّهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كُلَّهَا حَتَّى كَانَ مَعَ الْفَجْرِ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ صَلاَتِهِ جَاءَهُ خَبَّابٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَقَدْ صَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ صَلاَةً مَا رَأَيْتُكَ صَلَّيْتَ نَحْوَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَجَلْ إِنَّهَا صَلاَةُ رَغَبٍ وَرَهَبٍ سَأَلْتُ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا ثَلاَثَ خِصَالٍ فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ لاَ يُهْلِكَنَا بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ قَبْلَنَا فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُظْهِرَ عَلَيْنَا عَدُوًّا غَيْرَنَا فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ لاَ يُلْبِسَنَا شِيَعاً فَمَنَعَنِيهَا ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
دخل خباب بن الأرت رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأجلسه على متكئه وقال: ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا إلا رجل واحد. قال له خباب: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: بلال. فقال خباب: ما هو بأحق مني؛ إن بلالاً كان له في المشركين من يمنعه الله به، ولم يكن لي أحد يمنعني، فلقد رأيتني يومًا أخذوني فأوقدوا لي نارًا، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتّقيت الأرض إلا بظهري. قال: ثم كشف عن ظهره، فإذا هو قد برص.وقد اغتنى خباب رضي الله عنه في الشطر الأخير من حياته بعد فقر، وملك ما لم يكن يحلم به من الذهب والفضة، فلما نزل خباب في الكوفة ، بنى لنفسه بيتا متواضعًا عاش فيه حياة زاهدة، وبالرغم من هذه الحياة البسيطة، كان يعتقد أنه أخذ من الدنيا الكثير، فكان يبكى على بسط الدنيا له، وكان يضع ماله كله في مكان معروف في داره لكي يأخذ منه كل محتاج من أصحابه الذين يدخلون عليه، فكانوا يأتون داره ويأخذون منه ، ما يشاءون دون سؤال أو استئذان، ومع ذلك فقد كان يخشى أن يحاسب على ذلك المال أو أن يُعذب بسببه.
أيها المسلمون
ونأتي إلى النهاية المحتومة ، إنها الوفاة ، فقد ابتلي رضي الله عنه في جسده بالأمراض ففي صحيح البخاري (عَنْ قَيْسٍ قَالَ أَتَيْنَا خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعًا فَقَالَ لَوْلاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ) ، وفي رواية لأحمد (عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ قَالَ أَتَيْنَا خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى فِي بَطْنِهِ سَبْعاً فَقَالَ لَوْلاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ فَقَدْ طَالَ بِي مَرَضِى – ثُمَّ قَالَ – إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ مَضَوْا لَمْ تُنْقِصْهُمُ الدُّنْيَا شَيْئاً وَإِنَّا أَصَبْنَا بَعْدَهُمْ مَا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعاً إِلاَّ التُّرَابَ – قَالَ كَانَ يَبْنِى حَائِطاً لَهُ – وَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ يُؤْجَرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا إِلاَّ فِي شَيْءٍ يَجْعَلُهُ فِي التُّرَابِ) ، وفي مسند الحميدي (عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ : دَخَلَ نَاسٌ عَلَى خَبَّابٍ يَعُودُونَهُ فَقَالُوا : أَبْشِرْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ الْحَوْضَ فَقَالَ : فَكَيْفَ بِهَذَا وَهَذَا ؟ وَأَشَارَ إِلَى بُنْيَانِهِ وَإِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ وَجَانِبَيْهِ ، وَقَالَ : وَكَيْفَ بِهَذَا وَقَدْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّمَا كَانَ يَكْفِى أَحَدَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مِثْلُ زَادِ الرَّاكِبِ ». ثم يقول : ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أملك درهمًا، وإن في جانب بيتي (الآن) لأربعين ألف درهم. ثم طلب خباب كفنه، فلما رآه بكى، وقال: ولكن حمزة -رضي الله عنه- لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على رأسه قلصت (انضمت) عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه، حتى مدت على رأسه، وجعل على قدميه الإذخر. ودخل على خباب رضي الله عنه بعض أصحابه يوما ،فقال لهم: إن في هذا التابوت (الصندوق) ثمانين ألف درهم، والله ما شددت لها من خيط ولا منعتها من سائل، ثم بكى، فقالوا: ما يبكيك؟ قال: أبكى أن أصحابي مضوا ولم تنقصهم الدنيا شيئًا، وإنا بقينا بعدهم حتى لم نجد لها موضعًا إلا التراب.وتُوفِّي خباب رضي الله عنه بالكوفة سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وصلى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين منصرفه من صفين، ثم وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قبره قائلاً : رحم الله خبابًا، فلقد أسلم راغبًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا. وابتلى في جسمه أحوالاً. فرضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين ، وجمعنا الله بهم في جنات النعيم الدعاء