خطبة عن (وقفات وتأملات في سورة البروج)
فبراير 10, 2018خطبة عن (سعادة القلوب بلقاء المحبوب)
فبراير 10, 2018الخطبة الأولى ( مع الصحابي : ( رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ،وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي 🙁 رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ ) ،أما عن نسبه : فهو رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن يزيد بن جشم بن حارثة بن الحارث الأنصاري الخزرجي المدني ، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، ويُكْنَى: أبا عبد الله، وقيل: أبو خديج، فرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ صحابي جليل، وهو من أصغر الصحابة، حيث رده رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر لأنه استصغره، وأجازه يوم أحد، فشهدها وشهد الخندق، وشهد أكثر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصابه يوم أحد سهم في ترقوته، وقيل في تندوته ، والتندوة للرجل كالثدي للمرأة، فنزع السهم وبقي النصل، فأتى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، انزَعِ السهمَ، فقال: “يا رافعُ إن شئتَ نزعتُ السهمَ والقُطْبَةَ جميعا، وإن شئتَ نزعتُ السهمَ وتركتُ القطبة وشهدتُ لك يوم القيامة أنك شَهيدٌ”، قال: لا، بل انزعِ السهمَ يا رسولَ الله ودَعِ القُطْبَةَ واشهد لي يومَ القيامة أني شهيدٌ، قال: فَنَزعَ السهمَ وتَرك القُطبَةَ، وأنعم بها من شهادة يؤديها أكرم الخلق على الله، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. وقد لازم رافعٌ رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم وشارك معه منذ نعومة أَظفاره، فتعلَّمَ منه الشيء الكثير.. وبَرَزَتْ مكانته في عهد الرسول من خلال بعض الأعمال التي كانت توكل إليه، وفي ذلك قيمة كبيرة لقُرْبِه من الرسول. وكانت أُولَى المهمات التي أُوكِلَتْ إليه من قِبَلِ الرسول بعثة في اثْنَيْ عشر رجلاً من المهاجرين إلى بطن نخلة، فقتلوا ابن الحضرمي، وأَسروا رجليْن منهم، وقد سميتْ هذه بسريَّة عبد الله بن جحش. وشارك رافعٌ بن خديج رضي الله عنه في الفتوحات الإسلامية، حيث جعله عمر بن الخطاب أَحَدَ أُمراء الجيش فيها، وورد اسمُه ضمن القادة الذين فتحوا مدينة بهنسا في صعيد مصر. وفي عهد عثمان وَلِيَ رافع اليمامة. وبعد ذلك اعتزل وخرج من المدينة، ثم عاد مرة أُخرى وعاش فيها. أَما في عهد علي بن أبي طالب فقد كان حاضراً إلى جنبه في صفين. وكان رافع رضي الله عنه، يمثل النموذج من شباب الصحابة، الذي كانوا يحرصون على العمل الصالح، ليجمعوا بين الجهاد والعبادة، وطلب العلم والحرص على القدوة الصالحة، كما روي عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: كنا نغزو ندع الرجل والرجلين، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنجيء من غزاتنا، فيحدثونا بما حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحدث به ونقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذلك أن هذا الذي وقر في قلوبهم، قد ذاقوا طعم حلاوته، فانعكس على أعمالهم وتصرفاتهم، توافقاً للعمل من أجل رفعه وتبليغه، مع الاهتمام بالجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمته سبحانه، وحرصا بالتفقه في دين الله، ومواظبة على تبليغ وتطبيق ما وعوه من علم، وما عرفوه من أحكام أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم: ” « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً ” رواه البخاري وفي المستدرك للحاكم (عن البراء قال : ليس كلنا سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لنا ضيعة وأشغال ولكن الناس كانوا لا يكذبون يومئذ فيحدث الشاهد الغائب)
أيها المسلمون
وللصحابي رافع بن خديج موقف مع زوجته أم عميس بنت محمد بن أسلم، وهو الموقف الذي نزل فيه قوله تعالي { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } النساء 128، ففي المستدرك للحاكم بسند صحيح (عن سعيد بن المسيب و سليمان بن يسار عن رافع بن خديج : أنه كانت تحته امرأة قد خلا من سنها فتزوج عليها شابة فآثر البكر عليها فأبت إمرأته الأولى أن تقر على ذلك فطلقها تطليقة حتى إذا بقي من أجلها يسير قال : إن شئت راجعتك و صيرت على الأثرة و إن شئت تركتك حتى يخلو أجلك قالت : بل راجعني اصبر على الأثرة فراجعها ثم آثر عليها فلم تصبر على الأثرة فطلقها الأخرى وآثر عليها الشابة قال : فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله قد أنزل فيه : { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} النساء 128، ومن مواقفه رضي الله عنه مع الصحابة: أنه لما حُصر عثمان بن عفان (رضي الله عنه) يوم الدار عطش فقال: واعطشاه، فقام رافع بن خديج هو وابناه عبد الله وعبيد الله وغلمان أصابهم بأصبهان حين فتحوها فتسلح وتسلحوا فقال: والله لا أرجع حتى أصل إليه. إنه لموقف رائع يحسب لهذا الصحابي الجليل في وقوفه مع الحق والعدل ونصرة خليفة رسول الله. ومن الأحاديث التي رواها رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رواه البخاري (عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم « كُلْ – يَعْنِى – مَا أَنْهَرَ الدَّمَ إِلاَّ السِّنَّ وَالظُّفُرَ » ، وروى البخاري : (عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لاَقُو الْعَدُوِّ غَدًا ، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ : « اعْجَلْ أَوْ أَرِنْ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ ، وَسَأُحَدِّثُكَ ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ » . وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ ، فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ ، فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا » ، وروى مسلم في صحيحه ، (عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذَلِكَ. فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَتَجْعَلُ نَهْبِى وَنَهْبَ الْعُبَيْدِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلاَ حَابِسٌ يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا وَمَنْ تَخْفِضِ الْيَوْمَ لاَ يُرْفَعِ قَالَ فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِائَةً ). وروى مسلم: (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا ». يُرِيدُ الْمَدِينَةَ. وروى مسلم (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : ( رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما عن الوفاة: فقد أصاب الصحابي رَافِع بْن خَدِيجٍ يوم أحد سهم ،فعن يحيى بن عبد الحميد بن رافع بن خديج، قال: حَدثتني جَدّتي أن رافعًا رُمي يوم أُحد ــ أو يوم حُنَين، شَكّ عَمرو ــ في ثَندوته بسهم، وعن حفص بن عُمر، قال: فأتى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، انزَعِ السهمَ، فقال: “يا رافعُ إن شئتَ نزعتُ السهمَ والقُطْبَةَ جميعا، وإن شئتَ نزعتُ السهمَ وتركتُ القطبة وشهدتُ لك يوم القيامة أنك شَهيدٌ”، قال: لا، بل انزعِ السهمَ يا رسولَ الله ودَعِ القُطْبَةَ واشهد لي يومَ القيامة أني شهيدٌ، قال، فَنَزعَ السهمَ وتَرك القُطبَةَ، وانتقضت جراحته في زمن عبد الملك بن مروان فمات سنة أربع وسبعين وهو ابن ست وثمانين سنة ،وروى محمد بن عُمر عن رجالِه، قال: أصابَ رافعَ بنَ خديج سهمٌ يومَ أُحدٍ في تَرْقُوَتِه إلى عَلاَبِيهِ فتركه لقول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فكانَ دهرًا لا يحس منه شيئًا، فإذا ضحِك فاستَغربَ بدا، فعاش حياةَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعُمر، وعثمان، حتى إذا كان في خلافة معاوية انتقَضَ به ذلك الجرح فمات منه بعد العصر فأُتِي ابنُ عمر فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، مات رافع، فترَحّم عليه، وقال: إنّ مثلَ رافِعٍ لا يُخرَجُ حتى يُؤذن مَنْ حولنا مِنَ القُرى، فلما أصبحوا خرجوا بجنازته، حتى إذا صُلّي عليه. وعَن يوسف بن مَاهَك، قال: رأيتُ ابنَ عُمر آخِذًا بعمُودَي جنازة رافع بن خديج فحمله على منكبيه يمشي بين يدي السرير حتى انتهى إلى القبر ،وعن محمد بن عَمرو بن عطاء، قال: لما توفي رافع بن خديج انصرفنا إليه من الصبح وقد وُضِعَ بالبقيع، فأراد ابن عُتبةَ أن يُصلي عليه، فقام عبد الله بن عُمر فَصَرَخَ بأعلى صوته: ألاَ لا تُصَلّوا على جنائزكم حتى تَطلع الشمسُ، فجلسَ الأميرُ وجلس الناس، وقيل: لما مات رافعُ بن خديج قيل لابن عُمر: أخّروه ليلتَه إلى من الغد ليؤذنوا أهلَ القريات الذين حول المدينة، قال: نِعمَ ما رأيتم. وعن ابن عُمر وكان قد قيل له: مات رافع بن خديج فقال: إذا أخرجتموه فأذِنوني. قال: فما لبثنا إلا قليلا حتى أخرَجوه فقام، وقمتُ معه فجعل إِمَاءٌ ومُحرَّراتٌ يَندُبنَه فرفع صوته فقال: لا تَندُبنه، فإن الميتَ يُعذّب ببكاء أهله عليه؛ نادى بذلك مرتين أو ثلاثا.
الدعاء