خطبة عن ( أمنيات الموتى )
يناير 29, 2017خطبة عن ( نعمة الكلام، وآفات اللسان)
يناير 30, 2017الخطبة الأولى (الصحابي : ( زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ،لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ، ونرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ،حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل إنه الصحابي( زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ) : فقد روى الترمذي بسند حسن : ( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَرْحَمُ أُمَّتِى بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ ،وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ ،وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ » ، أما عن مولده رضي الله عنه : فقد ولد الصحابي الجليل زيد بن ثابت في السنة الثانية عشر قبل الهجرة في المدينة المنورة ، وعن نسبه : فهو زيد بن ثابت بن الضحّاك الأنصاري من بني النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وقد كان يتيمـًا يوم قدم الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينـة ، فقد (توفي والده يوم بُعاث) وسنه لا يتجاوز إحدى عشرة سنة، ، وأما عن اسلامه ومناقبه : فقد اسلم زيد بن ثابت مع أهله لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة إلى المدينة ،فأسلم وهو صغير، وعمره إحدى عشر عاما ، فقد تربى رضي الله عنه على عين النبي صلى الله عليه وسلم، ونهل من معين الوحي حتى ارتوى علما وفقها وحكمة، وكان له في الإسلام شأن عظيم، وفي الفقه والعلم باع كبير.. يرجع إلى علمه أكابر الصحابة، ويأخذ عنه صغارهم وجلة التابعين.. ذلكم هو زيد بن ثابت الخزرجي الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه.. وهو كاتب الوحي ،وأحد من جمع القرآن الكريم. فلقد كان لأمه فضل كبير في دفعه للعلم والتدين والجهاد في سبيل الله. ففي غزوة بدر ذهب إلى رسول الله يرجوه أن يخرج معهم في سبيل الله في تلك الغزوة, فلما أشفق عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لصغر سنه ورده رداً كريما ، حزن الفتي ،وحزنت أمه أكثر منه. ومن يومها ،بدأ الصغير في التفكير للعمل على نصرة دين الحق, وكان الله سبحانه وتعالى قد امتن عليه بنعمة الحفظ الجيد والذاكرة القوية ومحبة العلم. إنه يروى عنه كيف كانت سعادته حين أتى به بعض رجال قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه أنه قد حفظ سبع عشرة سورة من القرآن الكريم.
ففي مسند أحمد (عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ زَيْداً أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ قَالَ زَيْدٌ ذُهِبَ بِي إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأُعْجِبَ بِي فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا غُلاَمٌ مِنْ بَنِى النَّجَّارِ مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً. فَأَعْجَبَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَال « يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي ». قَالَ زَيْدٌ فَتَعَلَّمْتُ كِتَابَهُمْ مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ. ) وهذا يدل على ذكائه، واستغلاله لعقله فيما ينفعه من العلم وخدمة الإسلام، وبلغ من علمه أنه قام بضبط الفرائض وقسمة المواريث وهي أعسر أبواب الفقه . فقد روى الترمذي بسند حسن : ( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَرْحَمُ أُمَّتِى بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ » وقال الزُّهْرِيَّ رحمه الله تعالى: ((لَوْلاَ أَنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ كَتَبَ الفَرَائِضَ لَرَأَيْتُ أَنَّهَا سَتَذْهَبُ مِنَ النَّاسِ)). وفي ضبطه للقرآن والفقه يقول التابعي الجليل عامر الشَّعْبِي رحمه الله تعالى: ((غَلَبَ زَيْدٌ النَّاسَ عَلَى اثْنَتَيْنِ: الفَرَائِضِ، وَالقُرْآنِ)). وَعَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ قَالَ: (مَا كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يُقَدِّمَانِ عَلَى زَيْدٍ أَحَداً فِي الفَرَائِضِ وَالفَتْوَى وَالقِرَاءةِ وَالقَضَاءِ) وبلغ بزيد فقهه مبلغ الفتوى، فكان سادس ستة يفتون من الصحابة كلهم كبار إلا زيدا فشاب في العشرين، وصار فقهه يحفظ ويطلب.
أيها المسلمون
أما عن جهاد زيد بن ثابت رضي الله عنه : فقد صحبه آباؤه معهم إلى غزوة بدر، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رده لصغر سنه وجسمه، وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من أترابه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يرجونه أن يضمهم للمجاهدين ، فنظر إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم شاكرا ،وكأنه يريد الاعتذار، ولكن رافع بن خديج وهو أحدهم تقدم إلى الرسول الكريم وهو يحمل حربة ويستعرض بها قائلا: إني كما ترى، أجيد الرمي فأذن لي. فأذن الرسول صلى الله عليه وسلم له، وتقدم سمرة بن جندب، وقال بعض أهله للرسول صلى الله عليه وسلم : (إن سمرة يصرع رافعا). فحياه الرسول صلى الله عليه وسلم وأذن له. وبقي ستة من الأشبال منهم زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر، بذلوا جهدهم بالرجاء والدمع واستعراض العضلات، ولكن أعمارهم كانت صغيرة، وأجسامهم غضة، فوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالغزوة المقبلة، وبدأ زيد بن ثابت مع إخوانه دوره كمقاتل في سبيل الله بدءًا من غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة. ففي غزوة الخندق: وهي أول مشهد له ،كان ممن ينقل التراب يومئذ مع المسلمين ،فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أما إنه نعم الغلام ، وغلبته عيناه يومئذ فرقد ،فجاء عمارة بن حزم فأخذ سلاحه وهو لا يشعر ،فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يا رقاد نمت حتى ذهب سلاحك ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من له علم بسلاح هذا الغلام؟ فقال عمارة بن حزم يا رسول الله أنا أخذته ،فرده ،فنهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يومئذ أن يروع المؤمن، أو أن يؤخذ متاعه لاعبا جدا. (اي لا يأخذه على سبيل الهزل ثم يحبسه فيصير ذلك جدا). وكانت مع زيد رضي الله عنه راية بني النجار يوم تبوك، وكانت أولاً مع عُمارة بن حزم، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم منه فدفعها لزيد بن ثابت فقال عُمارة: يا رسول الله! بلغكَ عنّي شيءٌ؟!. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا، ولكن القرآن مقدَّم، وزيد أكثر أخذا منك للقرآن”. وفي غزوة خيبر: وكان الَّذِي ولي إحصاء النّاس يوم خيبر زيد بن ثابت ،فأحصاهم ألفا وأربعمائة والخيل مائتي فرس. ويوم حنين: أمِر زيد بْن ثابت بإحصاء النّاس والغنائم يوم حنين، ثُمَّ فضها عَلَى النّاس فكانت سهامهم لكل رَجُل أربع من الإبل ،وأربعون شاة. فإن كَانَ فارسا أخذ اثني عشر من الإبل ،وعشرين ومائة شاة. وإن كَانَ معه أكثر من فرس لم يسهم لَهُ.
أيها المسلمون
وكان زيد بن ثابت حافظًا لكتاب الله: فمنذ بدأت الدعوة وخلال إحدى وعشرين سنة تقريبا كان الوحي يتنزل، والرسول صلى الله عليه وسلم يتلو، وكان هناك ثلة مباركة تحفظ ما تستطيع، والبعض الآخر ممن يجيدون الكتابة، يحتفظون بالآيات مسطورة، وكان منهم علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين. وبعد أن أتم الله نزول القرآن ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرؤه على المسلمين مرتبا حسب سوره وآياته. وقد قرأ زيد بن ثابت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه، وشَهِدَ العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات. أما عن زيد بن ثابت وبداية جمع القرآن: فبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم شغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبير، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبو بكر الصديق راغبًا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ…واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ – رضى الله عنه – قَالَ أَرْسَلَ إِلَىَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ – رضى الله عنه – إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ . قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ عُمَرُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ . فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِى رَأَى عُمَرُ . قَالَ زَيْدٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْىَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ فَوَ اللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَىَّ مِمَّا أَمَرَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ – رضى الله عنهما – فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِى خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرَهُ ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ – رضى الله عنه -) وأنجز زيد رضي الله عنه المهمة على أكمل وجه وجمع القرآن في أكثر من مصحف. أما المرحلة الثانية في جمع القرآن: فكانت في خلافة عثمان بن عفان ، وكان الإسلام يستقبل كل يوم أناسًا جدد عليه، مما أصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين، فقرر عثمان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف، . فقال عثمان:( مَنْ أكتب الناس؟)…قالو:( كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت)… قال:( فأي الناس أعربُ؟)…قالو: سعيد بن العاص، وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عثمان: (فليُملِ سعيد وليكتب زيدٌ). واستنجدوا بزيـد بن ثابت، فجمع زيد أصحابه وأعوانه وجاءوا بالمصاحف من بيت حفصة بنت عمر -رضي الله عنها- وباشروا مهمتهم الجليلة، وكانوا دوما يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل…رحمهم الله أجمعين حتى قال عنه ابن عباس رضي الله عنهما : “لقد علم المحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن زيد بن ثابت كان من الراسخين في العلم”.
أيها المسلمون
أما عن فضل زيد بن ثابت رضي الله عنه : فقد تألقت شخصية زيد ،وتبوأ في المجتمع مكانا عاليا، وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم… فقد ذهب زيد ليركب، فأمسك ابن عباس بالركاب، فقال له زيد بن ثابت: (تنح يا ابن عم رسول الله )…فأجابه ابن عباس: (لا، فهكذا نصنع بعلمائنا)… كما قال ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت: “ما رأيت رجلا أفكه في بيته، ولا أوقر في مجلسه من زيد”. ودَخَلَ نَفَرٌ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ أَخْلاقِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: مَاذَا أُحَدِّثُكُمْ؟ كُنْتُ جَارَهُ. فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَكَتَبْتُهُ لَهُ. وَكَانَ إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا. وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا. أَفَكُلُّ هَذَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ؟. وقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: فَأَوَّلُ هَدِيَّةٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ الله.صلى الله عليه وسلم . فِي مَنْزِلِ أَبِي أَيُّوبَ هَدِيَّةٌ دَخَلْتُ بِهَا إِنَاءٌ قَصْعَةٌ مَثْرُودَةٌ فِيهَا خُبْزٌ وَسَمْنٌ وَلَبَنٌ فَقُلْتُ: أَرْسَلَتْ بِهَذِهِ الْقَصْعَةِ أُمِّي. فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ! وَدَعَا أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا. فَلَمْ أَرْمِ الْبَابَ حَتَّى جَاءَتْ قَصْعَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ثَرِيدٌ وَعِرَاقٌ. وَمَا كَانَ مِنْ لَيْلَةٍ إِلا وَعَلَى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الثَّلاثَةُ وَالأَرْبَعَةُ يَحْمِلُونَ الطَّعَامَ يَتَنَاوَبُونَ ذَلِكَ. حَتَّى تَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنْ مَنْزِلِ أَبِي أَيُّوبَ وَكَانَ مُقَامُهُ فيه سبعة أشهر.
أيها المسلمون
وماذا عن موقف زيد بن ثابت يوم السقيفـة؟: ففي مسند أحمد (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَامَ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ فَجَعَلَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلاً مِنَّا فَنَرَى أَنْ يَلِىَ هَذَا الأَمْرَ رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا مِنْكُمْ وَالآخَرُ مِنَّا. قَالَ فَتَتَابَعَتْ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ – قَالَ – فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَإِنَّمَا الإِمَامُ يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْراً مِنْ حَىٍّ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ. ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ ). ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه ثم انطلقوا وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستخلف زيد بن ثابت إذا حجّ على المدينة، وزيد بن ثابت رضي الله عنه هو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك، وهو أحد أصحاب الفَتْوى الستة: عمر وعلي وابن مسعود وأبيّ وأبو موسى وزيد بن ثابت، فما كان عمر ولا عثمان يقدّمان على زيد أحداً في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة. فقد روى الترمذي بسند حسن ( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَرْحَمُ أُمَّتِى بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ » عن زيد بن ثابت أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه جاءه يستأذن عليه يوماً، فأذن له ورأسه في يد جارية له ترجِّله، فنزع رأسه، فقال له عمر: دَعْها ترجِّلك، فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليَّ جئتك، فقال عمر: إنما الحاجة لي.
وتنازع في جعذاذ نخل أبيّ بن كعب، وعمر بن الخطاب – رضي الله عنهما -، فبكى أبيّ ثم قال: أفي سلطانك يا عمر؟ فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلاً من المسلمين. قال أبيّ: زيد، قال: رِضًى، فانطلقا حتى دخلا على زيد .
فقال عمر: أتيناك لتحكم بيننا وفي بيته يُؤتى الحَكَمُ. فلما دخلا عليه وسَّع له زيد عن صدر فراشه فقال: ها هنا أمير المؤمنين. فقال له عمر: هذا أول جَوْر جُرْت في حكمك، ولكن أجلس مع خصمي، فجلسا بين يديه. فادّعى أُبيّ وأنكر عمر، فقال زيد لأُبيّ: أعفِ أمير المؤمنين من اليمين وما كنت لأسألها لأحد غيره، فحلف عمر، ثم أقسم: لا يدرك زيدٌ القضاءَ حتى يكون عمرُ ورجلٌ من عُرْض المسلمين عنده سواء. واسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَفَرَضَ لَهُ رِزْقًا. وخَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفَرَائِضِ فَلْيَأْتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الصحابي : ( زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه وهو الذي حفظ في صباه القرآن، وطلب العلم، وفقه الفقه، فكان لما كبر يدرب الشباب على العلم والفقه والفتيا؛ ليحملوا العلم من بعده ويبلغوه الناس، ويفتوهم في دينهم، ومن ذلك ما روى حَجَّاجُ بْنُ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ: ((أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّ عِنْدِي جَوَارِيَ لَيْسَ نِسَائِي اللَّائِي أُكِنُّ بِأَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهُنَّ، وَلَيْسَ كُلُّهُنَّ يُعْجِبْنِي أَنْ تَحْمِلَ مِنِّي أَفَأَعْزِلُ؟ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: أَفْتِهِ يَا حَجَّاجُ قَالَ: قُلْتُ: غَفَرَ الله لَكَ إِنَّمَا نَجْلِسُ إِلَيْكَ لِنَتَعَلَّمَ مِنْكَ فَقَالَ: أَفْتِهِ قَالَ: قُلْتُ: هُوَ حَرْثُكَ إِنْ شِئْتَ سَقَيْتَهُ وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَشْتَهُ وَكُنْتُ أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَ زَيْدٌ: صَدَقْتَ)). ولما حاصر الخوارج عثمان رضي الله عنه في الدار ،ما تخلت عنه الأنصار فجاءوا يقدمهم فقيههم زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال لعثمان: (هَذِهِ الأَنْصَارُ بِالْبَابِ يَقُولُونَ: إِنْ شِئْتَ كُنَّا أَنْصَارًا لله مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَّا الْقِتَالُ فَلا) وبقي زيد رضي الله عنه إلى الخلافة الأموية، ولم تتلطخ يداه بدم مسلم، ولم يشارك في فتنة، وإنما يقرئ الناس القرآن، ويعلمهم العلم، ويفقههم في الدين إلى أن توفاه الله عز وجل، ومن أشهر طلابه ابن عباس الذي قال فيه: ((لَقَدْ عَلِمَ الْمُحَفِّظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ))
وكتب زيد بن ثابت إلى أبي بن كعب رضي الله عنهما: أما بعد: فإن الله جعل اللسان ترجمانًا للقلب، وجعل القلب وعاءً وراعيًا، ينقاد اللسان لما أهداه له القلب، فإذا كان القلب على طوق اللسان، جاء الكلام وائتلف القول واعتدل، ولم تكن للسان عثرةٌ ولا زلة، ولا حلم لمن لم يكن قلبه من بين يدي لسانه، فإذا ترك الرجل كلامه بلسانه، وخالفه على ذلك قلبه جدَّع بذلك أنفه، وإذا وزن الرجل كلامه بفعله، صدَّق ذلك مواقع حديثه. ويذكر: هل وجدت بخيلاً إلا هو يجود بالقول ويمن بالفعل، وذلك لأن لسانه بين يدي قلبه. ويذكر: هل تجد عند أحد شرفًا أو مروءة إذا لم يحفظ ما قال، ثم يتبِّعه.
ويقول ما قال وهو يعلم أنه حق عليه واجب حين يتكلم به. لا يكون بصيرًا بعيوب الناس، فإن الذي يبصر عيوب الناس ويهون عليه عيبه، كمن يتكلف ما لا يؤمر به. والسلام. وخرج زيد بن ثابت يريد الجمعة، فاستقبل الناس راجعين، فدخل دارًا، فقيل له. فقال: إنه من لا يستحيي من الناس، لا يستحيي من الله.
أيها المسلمون
وقد روى رضي الله عنه الكثير من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومما رواه زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما في صحيح البخاري : ( عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ – رضى الله عنه – قَالَ تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ . قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً) وفي البخاري : (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ أَصَابَهُ مُرَاضٌ أَصَابَهُ قُشَامٌ – عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ « فَإِمَّا لاَ فَلاَ يَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُ الثَّمَرِ » . كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ . وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا فَيَتَبَيَّنَ الأَصْفَرُ مِنَ الأَحْمَرِ . وفي صحيح البخاري : (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِيهَا لَيَالِيَ ، حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ ، ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ « مَا زَالَ بِكُمُ الَّذِى رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ ، حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ ، وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ ، إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ » . وفي صحيح مسلم : ( عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« إِنَّهَا طَيْبَةُ – يَعْنِى الْمَدِينَةَ – وَإِنَّهَا تَنْفِى الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِى النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ ». وفي البخاري : (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – ( وَالنَّجْمِ ) فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا ) .
أيها المسلمون
ونأتي إلى الخاتمة ، فقد توفي زيد بن ثابت رضي الله عنه سنة 45 هـ في عهد معاوية، ولما مات رثاه حسان رضي الله عنه بقوله: فمن للقوافي بعد حسان وابنه ومن للمعاني بعد زيد بن ثابت وقال سَعِيدِ بْنُ الْمُسَيِّبِ رحمه الله تعالى:
((شَهِدْتُ جِنَازَةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دُلِّيَ فِي قَبْرِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ ذَهَابُ الْعِلْمِ، فَهَكَذَا ذَهَابُ الْعِلْمِ، وَالله لَقَدْ دُفِنَ الْيَوْمَ عِلْمٌ كَثِيرٌ)) وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ حِينَ مَاتَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: ((الْيَوْمَ مَاتَ حَبْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْهُ خَلَفًا)) فرضي الله تعالى عن زيد وأرضاه، وجعل جنة الفردوس مأواه، وجمعنا به في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
الدعاء