خطبة عن حديث (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)
يناير 20, 2018خطبة عن (وقفات وتأملات في سورة العصر)
يناير 20, 2018الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي 🙁 سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ ): أما عن اسمه ونسبه : فهو أبو عبد الله سالم بن عبيد بن ربيعة، مولى أبي حذيفة، وكان من أهل إصطخر ببلاد فارس وقد وقع عليه سباء فحمل إلى مكة فاشترته ثبيتة بنت يعار، زوجة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشي، ثم أعتقته فتبناه أبو حذيفة ، فهو رضي الله عنه من فضلاء الموالي ، ومن خيار الصحابة وكبارهم، وهو معدود في المهاجرين لأنه لما أعتقته مولاته زوج أبي حذيفة تولى أبا حذيفة، وتبناه أبو حذيفة، ولذلك عُدَّ في المهاجرين، وهو معدود أيضًا في الأنصار في بني عبيد ،لعتق مولاته الأنصارية زوج أبي حذيفة له ، ورى البخاري : (أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو جَاءَتِ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ سَالِمًا – لِسَالِمٍ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ – مَعَنَا فِى بَيْتِنَا وَقَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَلِمَ مَا يَعْلَمُ الرِّجَالُ. قَالَ « أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِى عَلَيْهِ ». ومن مناقبه رضي الله عنه : أنه كان إمام المهاجرين بالمدينة, فقد روى البخاري (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ – مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ – قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) ومِن ملامح شخصية سالم رضي الله عنه: أنَّه كان قوَّالاً بالحق، صدَّاعًا بالإنكار، إذا عرَف الحق لم يتردد أن يقوله، وإذا رأى باطلاً لم يسعْه أن يسكتَ عليه، ومِن المواقف الدالة على صلابته وقوَّته: قصة خالد بن الوليد مع بني جذيمة، حين قتل رجالاً منهم متأوِّلاً، فراجعه عبدالله بن عمر فَنَهَمه خالد فسكت ابنُ عمر، فتقدَّم سالم وأنكر على خالد، وعاتبَه حتى احتدَّ النقاش بينهما، وبلغ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صنيعُ خالد مع بني جَذِيمة، فقال: اللهمَّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد، ثم سأل: ((هل أنْكر عليه أحد؟))، فقالوا: نعم، فأُخبِر بخبر ابن عمر وسالم، فسكن غضبُ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم. وايضا كانت من أبرز صفات الصحابي الجليل سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه أنه كان من أفضل الصحابة في قراءة القرآن ، ففي الصحيحين (عَنْ مَسْرُوقٍ ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ وَمُعَاذٍ وَأُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ » ، وفي مسند أحمد : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَبْطَأْتُ عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مَا حَبَسَكِ يَا عَائِشَةُ ». قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فِى الْمَسْجِدِ رَجُلاً مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ قِرَاءَةً مِنْهُ. قَالَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا هُوَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى جَعَلَ فِى أُمَّتِى مِثْلَكَ ». لقد آمن سالم إيمان الصادقين، وسلك طريقه إلى الله سلوك الأبرار المتقين ..فلم يعد لحسبه، ولا لموضعه من المجتمع أي اعتبار..لقد ارتفع بتقواه واخلاصه إلى أعلى مراتب المجتمع الجديد الذي جاء الاسلام يقيمه وينهضه على أساس جديد عادل فأكرم الناس عند الله أتقاهم ، وفي هذا المجتمع الجديد، والرشيد، الذي هدّم الطبقية الظالمة، وأبطل التمايز الكاذب، وجد سالم بسبب صدقه، وايمانه، وبلائه، وجد نفسه في الصف الأول دائما..! أجل.. لقد كان إماما للمهاجرين من مكة إلى المدينة طوال صلاتهم في مسجد قباء. وكان حجة في كتاب الله، حتى أمر النبي المسلمين أن يتعلموا منه..!! وكان معه من الخير والتفوق ما جعل الرسول عليه السلام يقول له:” الحمد لله، الذي جعل في أمتي مثلك”.. وحتى كان اخوانه المؤمنين يسمونه: ” سالم من الصالحين ” .
أيها المسلمون
ومن ملامح شخصية سالم رضي الله عنه: أنَّه كان عظيمَ الخلق، سَمْح النَّفْس، سهل المعاملة، هينًا لينًا، لكنه كان يحمل بين جنبيه شجاعةً وإقدامًا، تجبُن دونها شجاعةُ الشُّجعان، فسلْ بدرًا وأُحدًا، والخندق وحُنينًا عن فرسانها، تُجِبْك أنَّ سالمًا أحدُ أبطالها وشجعانها ، فيُحاصَر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ أحد، وتطوِّقه غاشيةٌ من المشركين، فأصبح هدفًا لسيوفهم وسهامهم، ورماحهم وحجارتهم، فكُسرت رَبَاعِيَتُه، وشُجَّ وجهه، وغارتْ حلقة المِغْفر في وَجْنته، فكان سالم لصيقَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الموقِف العصيب، يَفديه برُوحه، ويقاتل دونَه قتالَ الأسود الضارية، حتى إذا جَلَس النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعدَ ذلك وقد أرهقه التعب، كان سالم مولى أبي حذيفة، هو الذي يَغْسِل وجهه الشريف بالماء، ويمْسح الدم عنه. وقد شهد رضي الله عنه المشاهد كلَّها، فما تخلَّف عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة غزاها، فهو مِن أهل بدر، الذين قال عنهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: « لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ » وهو من أهل بيعة الرضوان، الذين قال الله عنهم: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: 18]، ويكفيه فخرا ومنزلة أن يذكره عمر بن الخطاب عندما كان يختار أميرا للمؤمنين ، فقال : وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستة، ثم قال : لو أودكني أحد رجلين ثم جعلت إليه الأمر لوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة ، وأبو عبيدة بن الجراح
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد عاش سالم مع رسوله والمؤمنين..لا يتخلف عن غزوة ولا يقعد عن عبادة..وكان اخاؤه مع أبي حذيفة يزداد مع الأيام تفانيا وتماسكا..وانتقل الرسول الى الرفيق الأعلى..وواجهت خلافة أبي كبر رضي الله عنه مؤامرات المرتدّين..وجاء يوم اليمامة..وكانت حربا رهبة، لم يبتل الاسلام بمثلها..وخرج المسلمون للقتال..وخرج سالم وأخوه في الله أبو حذيفة. وفي بدء المعركة لم يصمد المسلمون للهجوم.. وأحسّ كل مؤمن أن المعركة معركته، والمسؤولية مسؤوليته..وجمعهم خالد بن الوليد من جديد..وأعاد تنسيق الجيش بعبقرية مذهلة..وتعانق الأخوان أبو حذيفة وسالم وتعاهدا على الشهادة في سبيل الدين الحق الذي وهبهما سعادة الدنيا والآخرة..وقذفا نفسيهما في الخضمّ الرّهيب.. كان أبو حذيفة ينادي:” يا أهل القرآن زينوا القرآن بأعمالكم”.وسيفه يضرب كالعاصفة في جيش مسيلمة الكذاب.وكان سالم يصيح:” بئس حامل القرآن أنا..لو هوجم المسلمون من قبلي”..!!وكان سيفه صوّالا جوّالا في أعناق المرتدين، الذين هبوا ليعيدوا جاهلية قريش.. ويطفؤا نور الاسلام.. وهوى سيف من سيوف الردة على يمناه فبترها.. وكان يحمل بها راية المهاجرين بعد أن سقط حاملها زيد بن الخطاب..ولما رأى يمناه تبتر، التقط الراية بيسراه وراح يلوّح بها الى أعلى وهو يصيح تاليا الآية الكريمة:( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران (146): (148) ، وأعظم به من شعار.. ذلك الذي اختاره يوم الموت شعارا له..!! وأحاطت به غاشية من المرتدين فسقط البطل.. ولكن روحه ظلت تتردد في جسده الطاهر، حتى انتهت المعركة بقتل مسيلمة الكذاب، واندحار جيش مسيلمة وانتصار المسلمين. وبينما المسلمون يتفقدون ضحاياهم وشهداءهم ،وجدوا سالما في النزع الأخير ،فسألهم: ما فعل أبو حذيفة..؟؟ ،قالوا: استشهد..قال: فأضجعوني الى جواره. قالوا: إنه إلى جوارك يا سالم.. لقد استشهد في نفس المكان.. وابتسم ابتسامته الأخيرة .. ولم يعد يتكلم..!!لقد أدرك هو وصاحبه ما كانا يرجوانه ،لقد أسلما معا..ومعا عاشا..ومعا استشهدا..وهكذا فارق الأخوانِ حياتهم لصيقَيْن، بعد أن عاشَا وكانَا لصيقين، وهكذا خُتِمت صفحة من حياة سالم مولى أبي حذيفة، وثُوي جثمانُ حامل القرآن، بعدَ حياة مليئة بالتُّقى والصلاح، والجهاد والإيمان. فسلامٌ على سالمٍ في الصالحين، وسلامٌ على سالم في الغابرين، نعم لقد رَحَل سالم، ولكن لم يرحلِ اسمُه من التاريخ؛ بل بقِي محفورًا في ذاكرة الأمَّة، وستبقى الأمَّة إلى آخرها تذكر قول نبيِّها صلَّى الله عليه وسلَّم عن سالم: « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى جَعَلَ فِى أُمَّتِى مِثْلَكَ ».
الدعاء