خطبة عن ( قصص للإعتبار )
ديسمبر 9, 2017خطبة عن ( مهارات فن التواصل مع الآخرين)
ديسمبر 16, 2017الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]،وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي 🙁 سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ) : أما عن نسبه : فهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى العدوي، وأمه : هي فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية.. كانت من السابقين إلى الإسلام.وقد ولد الصحابي الجليل (سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ) في مكة قبل الهجرة بـ 22 سنة، وكان سعيد بن زيد رضي الله عنه يعيش في بيئة متدينة بالفطرة ، تنفر عبادة الأصنام و تستهجنها ، وترفض أوضار الشرك وعقيدة التثليث ، وذلك مما سوف نتعرف عليه بعد قليل من خلال سيرة والده ، فلما دعاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ( سَعِيد بْن زَيْدٍ) إلى الإسلام، سارع إليه في لهفةٍ وشوق، فكان من أوائل المسلمين ،فقد أسلم قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه، ولقد تعرض سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه للأذى نتيجة لاعتناقه دين الإسلام ، وكان من الذين آذوه عمر بن الخطاب- قريبه ومن بني عدي مثله- فقد كان عمر يربطه بالحبال ويؤذيه حتى يرتد عن دينه ، ولكن سعيداّ رضي الله عنه استعصم بالحق وعقيدته، ولم يتراجع عن الإسلام رغم قساوة الظروف ، وروى البخاري : (عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يَقُولُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الإِسْلاَمِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ ) ، وذكر بن هشام في السيرة النبوية أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قد دخل على بيت اخته فاطمة زوجة سعيد بن زيد وهما يقرآن القرآن الكريم ، فقال : ما هذه الهينمة التي سمعت؟ قالا له : ما سمعت شيئاً ، قال : بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه ، فقام وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة تكفه عن زوجها فضربها فشجها ،
وقد ذكرت لكم آنفا أن سعيد بن زيد رضي الله عنه نشأ في بيئة متدينة بالفطرة ، فقد كان أبوه “عمرو بن نفيل” ممن اعتزلوا الأصنام قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وفي البخاري (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ – رضى الله عنهما – قَالَتْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ ، وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِى) ، ذلكم هو والد سعيد.. ذلك الذي ترك لقريش أصنامها وخمرها ولهوها وراح يعبد الله على دين إبراهيم، كان يحول دون وأد البنات ، ففي البخاري (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ – رضى الله عنهما – قَالَتْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ ، وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِى ، وَكَانَ يُحْيِى الْمَوْءُودَةَ ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ لاَ تَقْتُلْهَا ، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا . فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لأَبِيهَا إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا) ، وفي البخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – لَقِىَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحَ ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – الْوَحْىُ فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – سُفْرَةٌ ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ ، وَلاَ آكُلُ إِلاَّ مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ . وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ ، وَيَقُولُ الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ الْمَاءَ ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأَرْضِ ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ ) ، وروى أحمد في مسنده : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَكَّةَ هُوَ وَزِيدُ بْنُ حَارِثَةَ فَمَرَّ بِهِمَا زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَدَعَوَاهُ إِلَى سُفْرَةٍ لَهُمَا فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي لاَ آكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصِبِ. قَالَ فَمَا رُئِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ ذَلِكَ أَكَلَ شَيْئاً مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصِبِ. قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِى كَانَ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ وَبَلَغَكَ وَلَوْ أَدْرَكَكَ لآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ فَاسْتَغْفِرْ لَهُ. قَالَ « نَعَمْ فَأَسْتَغْفِرُ لَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَةً وَحْدَهُ » .
هذا هو والد سعيد.. عرف ربه وملآ الإيمان قلبه ، فإذا شابه سعيد رضي الله عنه أباه وهداه الله للإسلام ، وامتدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يداه ،وبشره صلى الله عليه وسلم بالجنة فهل يكون ذلك عجيبا؟ ففي سنن الترمذي (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِىٌّ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ ».– ومن مناقبه -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه من الشهداء. فقد روى الترمذي (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى التِّسْعَةِ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ شَهِدْتُ عَلَى الْعَاشِرِ لَمْ آثَمْ. قِيلَ وَكَيْفَ ذَلِكَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحِرَاءَ فَقَالَ « اثْبُتْ حِرَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ ». قِيلَ وَمَنْ هُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. قِيلَ فَمَنِ الْعَاشِرُ قَالَ أَنَا ). وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يستشير سعيد بن زيد رضي الله عنه مع نفر من الصحابة في خلافته في الأمور العامة ، فقد استشاره فيمن يستخلف على المسلمين بعد موته ، بل إن سعيداً قد كان يشير على المسلمين ابتداء ، إذا رأى أمراً يظن أن الصواب بجانبه ، فقد أشار عليه بالتريث في إرسال جيش أسامة ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضاً يستشيره ويستفتيه في نفر من الصحابة ، وهو من سادات الصحابة رضوان الله عليهم ، وكان سعيد رضي الله عنه ينفر من الإمارة ، وكان زاهداً فيها ، وقد اختاره ابو عبيدة بن الجراح أميراً على دمشق ، فاستعفى أبا عبيدة ليلتحق بالجيش ، يجاهد مع المجاهدين ويقاتل أعداء هذا الدين ،وكان رضي الله عنه محترماً ،يحسبون له كل حساب ، ويقدرون فضله ووزنه ، فكانوا يحرصون على أخذ البيعة منه أولاً ، لثقة الناس به ، فكانوا يقتدون به، فإذا بايع أميراً من الامراء هرع الناس إلى مبايعته ، وإذا امتنع عن البيعة ، امتنع معه كثير من الناس
أيها المسلمون
وأما عن جهاد سعيد بن زيد : فقد كان سعيد بن زيد رضي الله عنه الصحابي المجاهد في مكة والمدينة قبل الهجرة وبعدها ، وقد صبر على تعذيب المشركين فلم يغير ولم يبدل ، وبعد الهجرة حضر الغزوات كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى غزوة بدر الكبرى ، فقد كان حينها في مهمة عسكرية أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، إذ أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم هو وطلحة بن عبيد الله ليستطلعا أخبار عير قريش القادمة من الشام ، فجمعا المعلومات عن القافلة وعادا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبراه بما معهما من أخبار ، فوجداه قد خاض معركة بدر وانتصر على المشركين ، فغنم وأسر. فأشركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنهما حضرا الواقعة وأحرزا النصر ، ولهذا فإن بعض الكتاب قد اعتبروهما بدريين ، لا في الحقوق من الغنائم فحسب ، بل حتى في الأجر اللأخروي كذلك ، لأنهما سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأجر فأخبرهما بحصولهم عليه
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن مواقف جهاده رضي الله عنه في سبيل الله ، فقد كان رضي الله عنه قائد الفرسان يوم معركة (أجنادين) و كان من أشد الناس ، وهو الذي أشار على خالد ببدء القتال ، فلما رمى الروم المسلمين بالنشاب ، صاح سعيد بن زيد بخالد قائلاً : علام نستهدف لهؤلاء العلوج –أي الكفار- وقد رشقونا بالسهام حتى شمست-أي امتنعت- الخيل ؟ فأقبل خالد الى جيش المسلمين و قال لهم : احملوا –رحمكم الله- على اسم الله ، وحمل خالد على الروم و حمل المسلمون معه حتى انتصروا بأمر الله ، أما عن (يوم اليرموك) ، قال حبيب بن سلمة : اضطررنا يوم اليرموك الى سعيد بن زيد فلله در سعيد ،ما سعيد يومئذ إلا الأسد لما نظر الى الروم و خافها اقتحم الى الارض-أي القى نفسه بشدة- و جثا على ركبتيه حتى اذا دنوا منه وثب في وجوههم مثل الليث فطعن برايته أول رجل من القوم فقتله و أخذ والله يقاتل راجلاً –أي على رجله من غير فرس-قتال الرجل الشجاع البأس فارساً و يعطف الناس اليه ، ويصف سعيد بن زيد معركة اليرموك قائلاً: لما كان يوم اليرموك كنا أربعة وعشرين ألفاً ونحواً من ذلك. فخرجت لنا الروم بعشرين ومائة ألف. وأقبلوا علينا بخطى ثقيلة كأنهم الجبال تحركها أيد خفية. وسار أمامهم الأساقفة والبطاركة والقسيسون يحملون الصلبان وهم يجهرون بالصلوات فيرددها الجيش من ورائهم وله هزيم كهزيم الرعد. فلما رآهم المسلمون على حالهم هذه هالتهم كثرتهم وخالط قلوبهم شيء من خوفهم. عند ذلك قام أبو عبيدة فخطب في الناس وحثهم على القتال. عند ذلك خرج رجل من صفوف المسلمين وقال لأبي عبيدة: إني أزمعت على أن أقضي أمري الساعة. فهل لك من رسالة تبعث بها إلى رسول الله؟ فقال أبو عبيدة: نعم. تقرئه مني ومن المسلمين السلام وتقول له: يا رسول الله إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً. قال سعيد: فما إن سمعت كلامه ورأيته يمتشق حسامه ويمضي إلى لقاء أعداء الله حتى اقتحمت إلى الأرض وجثوت على ركبتي وأشرعت رمحي وطعنت أول فارس أقبل علينا. ثم وثبت على العدو وقد انتزع الله كل ما في قلبي من الخوف. فثار الناس في وجوه الروم. وما زالوا يقاتلونهم حتى كتب الله للمؤمنين النصر. ولما دانت دمشق بالولاء للمسلمين جعله أبو عبيدة بن الجراح قائد جيوش المسلمين والياً عليها. فكان أول من ولي إمرة دمشق من المسلمين. غير أنه كان زاهداً في الحكم كما هو زاهد في المال. فكتب إلى أبي عبيدة وهو في الأردن يعتذر عن عدم الاستمرار في المنصب ويطلب اللحاق به للجهاد. فلما بلغ الكتاب أبا عبيدة استجاب لرغبته. وبسبب هذه السجايا الحميدة والفضائل النادرة والزهد في مطامع الدنيا والرغبة في الآخرة فقد كان من مناقب سعيد رضي الله عنه أنه كان مستجاب الدعوة ، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ. فَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِى سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ ». فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ لاَ أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا. فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا. قَالَ فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا ثُمَّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِى فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ ). وعندما توفي عمر بن الخطاب بكاه سعيد بن زيد بشدة فقيل له: ما يبكيك؟ قال: لا يبعد الحق وأهله. اليوم يهن أمر الإسلام. وأخرج ابن سعد في طبقاته قال: بكى سعيد بن زيد عند وفاة عمر فقال له قائل: يا أبا الأعور ما يبتليك؟ فقال: على الإسلام أبكي، وإن موت عمر ثلم ثلمة لا ترق إلى يوم القيامة.
أيها المسلمون
أما عن وفاة سعيد بن زيد : فقد توفي سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه بالعقيق سنة خمسين للهجرة ، وقيل سنة إحدى وخمسين للهجرة ،وذلك عن عمر ينوف عن السبعين عاماً ، وقد شهد جنازته سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وقومه وأهل بيته وولده ،ومما قيل في وصف سعيد بن زيد : قال صاحب الحلية يصفه : (كان بالحق قوالاً ولماله بذالاً ولهواه قامعاً وقتالاً ، ولم يكن ممن يخاف في الله لومة لائم، وقد كان مجاب الدعوة سبق إلى الإسلام قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد شهد بدراً بسهمه وأجره ، رغب عن الولاية وتشمر في الرعاية ، قمع نفسه وأخفى عن المنافسة في الدنيا شخصه ، واعتزل الفتنة والشرور المؤدية إلى الضيعة والغرور ، عازماً على السبقة والعبور المفضي إلى الرفعة والحبور ، كان للولايات قالياً وفي مراتب الدنيا وانياً وفي العبودية غانياً وعن مساعدة نفسة فانياً) ،فرضي الله عنه وأرضاه ، وجمعنا الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أصحابه في الفردوس الأعلى من الجنة ، ونعم دار المتقين .
الدعاء