خطبة عن ( اسم الله : الْوَدُود )
يناير 31, 2017خطبة عن (الخمر والمخدرات والمسكرات: تناولها وبيعها من منظور إسلامي)
فبراير 1, 2017الخطبة الأولى ( مع الصحابي : ( سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ،لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي : ( سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ) : هذا الصحابي الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا : « اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ » رواه أحمد وأبو داود ، وقالت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك ،كما في البخاري (قَالَتْ :فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ،وَهْوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحًا) ، فمن هو سعد بن عبادة ؟ وما كنيته؟ ، وما هي قصة إسلامه ؟ ، وماذا عن فضائله ؟ ، هو سعد بن عبادة بن دليم بن كعب بن الخزرج الأنصاري، سيِّد الخزرج ،و يكنى أبا ثابت وأبا قيس، وكانت أمُّه عمرة بنت مسعود من المبايعات، وقد توفيت بالمدينة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سنة خمس، وكان يكتب بالعربية في الجاهلية، وكان يحسن العوم والرمي؛ ولذلك سُميَ الكامل. وقد أسلم مبكرا وشهد بيعة العقبة والمشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وسخر أمواله في خدمة الإسلام ، وكان يسأل الله قائلا ( اللهم إنه لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه ) حتى أصبح مثلا بالجود والكرم ، وأما عن قصة إسلام سعد بن عبادة: فقد شهد سعد رضي الله عنه بيعة العقبة مع السبعين من الأنصار، وكان أحد النقباء الاثني عشر. وكان سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وأبو دجانة لما أسلموا يكسرون أصنام بني ساعدة. ولما علمت قريش بأمر الأنصار ولقائهم مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فلحقت بهم ، وأدركت سعد بن عبادة أحد الاثني عشر نقيبا ، وأخذوه وربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ، وأدخلوه مكة وهم يضربونه ، يقول سعد: فو الله إني لفي أيديهم إذ طلع عليَّ نفر من قريش فيهم رجل وضئ، أبيض، شعشاع من الرجال (يقصد سهيل بن عمرو)، فقلت في نفسي: إن يك عند أحد من القوم خير، فعند هذا، فلما اقترب مني رفع يده فلكمني (ضربني) لكمة شديدة، فقلت في نفسي: لا والله، ما عندهم بعد هذا من خير، فو الله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى (جاء) إلى رجل ممن كان معهم فقال: ويحك، أما بينك وبين أحد من قريش جوار؟ قلت: بلى، كنت أُجير لجبير بن مطعم تجارة، وأمنعهم ممن يريد ظلمهم ببلادي، وكنت أجير للحارث بن حرب بن أمية، فقال الرجل: فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما من جوار، ففعلت، وخرج الرجل إليهما، فوجدهما في الكعبة، فأخبرهما أن رجلا من الخزرج يضرب بالأبطح ، وهو يهتف باسميهما أن بينه وبينهما جوارًا، فسألاه عن اسمي، فقال: سعد بن عبادة، فقالا: صدق والله، وجاءا فخلصاني من أيديهم. [ابن سعد]. وعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة استقبلهم سعد خير استقبال، وسخر ماله لخدمتهم، فقد عُرف سعد بالجود والكرم، وبلغت شهرته في ذلك الآفاق، وكان دائمًا يسأل الله المزيد من رزقه وخيره، فيقول: اللهم هب لي مجدا، لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم إنه لا يصلحني القليل، ولا أصلُح عليه. [الحاكم]. وكان الرجل من الأنصار يستضيف واحدًا أو اثنين أو ثلاثة بينما هو يستضيف ثمانين، وكان مناديه يصعد أعلى داره وينادي: من كان يريد شحمًا ولحمًا فليأت. وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ » [أحمد].
أيها المسلمون
وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثر في تربية سعد بن عبادة: فلما أُصيب زيد بن حارثة رضي الله عنه أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتحب، فقال له سعد بن عبادة: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: “هذا شوق الحبيب إلى حبيبه”.
ولم يقتصر التعليم أو التربية على الإيمان فقط، بل امتد إلى أكثر من ذلك، فيعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ حذره، وذلك لما دعاه رجل من الليل فخرج إليه، فضربه الرجل بسيفٍ فأشواه، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده من تلك الضربة، ولامه على خروجه ليلاً، وهذا هو موضع الفقه. ومن أهم ملامح شخصية سعد بن عبادة رضي الله عنه :1- الغيرة في حياة سعد بن عبادة: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً) قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الأَنْصَارِ أَهَكَذَا نَزَلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلاَ تَسْمَعُونَ إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَلُمْهُ فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً قَطُّ إِلاَّ بِكْراً وَمَا طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ فَاجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنَّا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ. فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ وَأَنَّهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنِّى قَدْ تَعَجَّبْتُ أَنِّى لَوْ وَجَدْتُ لَكَاعاً تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أَهِيجَهُ وَلاَ أُحَرِّكَهُ حَتَّى آتِىَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَوَ اللَّهِ لاَ آتِى بِهِمْ حَتَّى يَقْضِىَ حَاجَتَهُ. قَالَ فَمَا لَبِثُوا إِلاَّ يَسِيراً حَتَّى جَاءَ هِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ فَجَاءَ مِنْ أَرْضِهِ عِشَاءً فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلاً فَرَأَى بِعَيْنَيْهِ وَسَمِعَ بِأُذُنَيْهِ فَلَمْ يُهِجْهُ حَتَّى أَصْبَحَ فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُ أَهْلِي عِشَاءً فَوَجَدْتُ عِنْدَهَا رَجُلاً فَرَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ وَسَمِعْتُ بِأُذُنَيَّ. فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا جَاءَ بِهِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ فَقَالُوا قَدِ ابْتُلِينَا بِمَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الآنَ يَضْرِبُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ وَيُبْطِلُ شَهَادَتَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ هِلاَلٌ وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِي مِنْهَا مَخْرَجاً. فَقَالَ هِلاَلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَرَى مَا اشْتَدَّ عَلَيْكَ مِمَّا جِئْتُ بِهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ. وَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ بِضَرْبِهِ إِذْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْوَحْىَ وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ عَرَفُوا ذَلِكَ فِي تَرَبُّدِ جِلْدِهِ – يَعْنِى – فَأَمْسَكُوا عَنْهُ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْوَحْىِ فَنَزَلَتْ ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) الآيَةَ فَسُرِّىَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَبْشِرْ يَا هِلاَلُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ فَرَجاً وَمَخْرَجاً ». فَقَالَ هِلاَلٌ قَدْ كُنْتُ أَرْجُو ذَاكَ مِنْ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ.) رواه أحمد ، وفي الصحيحين : (عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِى لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ . فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ، وَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّى ، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ » . وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ « لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ » 2- الجود والسخاء في حياة سعد بن عبادة: كان سعد بن عبادة رضي الله عنه حاله كحال آبائه في الجاهلية في السخاء والكرم، وكان مشهورًا بالجود، وكان لهم أُطُم يُنادى عليها كل يوم: “من أحب الشحم واللحم، فليأتِ أُطُم دليم بن حارثة”. ولمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ كان يبعث إليه كل يوم جفنة القصعة من ثَرِيد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره، فكانت جفنة سعد رضي الله عنه تدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه. 3- ثبات سعد بن عبادة على رأيه: ويتضح ذلك في يوم السقِيفة، لما همّ الأنصار ببيعته ثم بعد ذلك آلت البيعة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فظل ثابتًا على رأيه، ولم يبايع أحدًا إلى أن مات.
أيها المسلمون
ومن مواقف سعد بن عبادة مع النبي صلى الله عليه وسلم : فقد كان سعد يجيد الرمي، وكانت له فدائية وشجاعة فائقة، فعن ابن عباس قال : كانت راية رسول الله صلى الله عليه و سلم في المواطن كلها راية المهاجرين مع علي بن أبي طالب وراية الأنصار مع سعد بن عبادة ) [رواه الطبراني في معجمه]. ووقف سعد بن عبادة موقفًا شجاعًا في بدر، حينما طلب النبي مشورة الأنصار، فقام سعد مشجعًا على القتال، (فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِى سُفْيَانَ قَالَ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لأَخَضْنَاهَا وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا – قَالَ – فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا ). [رواه مسلم]. وفي غزوة الخندق تجمعت القبائل الكافرة ضد الإسلام، وحاصرت المدينة، وعرضت قبيلة غطفان على النبي أن ينسحبوا من جيش الأحزاب، ولا يقفوا مع الكفار، في مقابل أن يأخذوا ثلث ثمار المدينة، فشاور الرسول كلا من سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في هذا الأمر، فعن أبي هريرة قال : جاء الحارث الغطفاني إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا محمد شاطرنا تمر المدينة قال : حتى استأمر السعود فبعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة و سعد بن الربيع و سعد بن خيثمة و سعد بن مسعود رحمهم الله فقال : ( إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وأن الحارث يسألكم أن تشاطروه تمر المدينة فإن أردتم أن تدفعوا إليه عامكم هذا حتى تنظروا في أمركم بعد ) قالوا : يا رسول الله أوحي من السماء فالتسليم لأمر الله أو عن رأيك أوهواك فرأينا تبع لهواك ورأيك ؟ فإن كنت إنما تريد الابقاء علينا فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا تمرة إلا بشرى أو قرى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( هوذا تسمعون ما يقولون ) رواه الطبراني ، وأما عن موقفه في يوم فتح مكة ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ، خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ ، فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ مَا هَذِهِ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ . فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ نِيرَانُ بَنِى عَمْرٍو . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ . فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ ، فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ « احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْخَيْلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ » . فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ ، فَجَعَلَتِ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِى سُفْيَانَ ، ……حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا ، قَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ هَؤُلاَءِ الأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ . فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ . ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ ، وَهْىَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ ، فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَصْحَابُهُ ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ « مَا قَالَ » . قَالَ كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ « كَذَبَ سَعْدٌ ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ » ، ومن مواقفه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه الإمام أحمد وغيره (عَنْ أَنَسٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَأْذَنَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ « السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ». فَقَالَ سَعْدٌ وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. وَلَمْ يُسْمِعِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى سَلَّمَ ثَلاَثاً وَرَدَّ عَلَيْهِ سَعْدٌ ثَلاَثاً وَلَمْ يُسْمِعْهُ فَرَجَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَاتَّبَعَهُ سَعْدٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا سَلَّمْتَ تَسْلِيمَةً إِلاَّ هِيَ بِأُذُنِي وَلَقَدْ رَدَدْتُ عَلَيْكَ وَلَمْ أُسْمِعْكَ أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتَكْثِرَ مِنْ سَلاَمِكَ وَمِنَ الْبَرَكَةِ. ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْبَيْتَ فَقَرَّبَ لَهُ زَبِيباً فَأَكَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ « أَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ ». وفي صحيح البخاري (قَالَتْ عَائِشَةُ أَرِقَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ « لَيْتَ رَجُلاً صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ » . إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ السِّلاَحِ قَالَ « مَنْ هَذَا » . قِيلَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ . فَنَامَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : ( سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن مواقف الصحابي سعد بن معاذ رضي الله عنه : ففي سنن أبي داود وغيره عَنْ (سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رِجَالاً وَلَمْ يُعْطِ رَجُلاً مِنْهُمْ شَيْئًا فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَلَمْ تُعْطِ فُلاَنًا شَيْئًا وَهُوَ مُؤْمِنٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَوْ مُسْلِمٌ ». حَتَّى أَعَادَهَا سَعْدٌ ثَلاَثًا وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَوْ مُسْلِمٌ ». ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّي أُعْطِى رِجَالاً وَأَدَعُ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُمْ لاَ أُعْطِيهِ شَيْئًا مَخَافَةَ أَنْ يُكَبُّوا فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ». ويوم حنين أعطى الرسول – صلى الله عليه وسلم – ما أعطى من العطايا ولم يكن للأنصار منها شيء ، حتى كثرت منهم القالة ، وقال قائلهم : ( لقي والله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قومه ) ، وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَىُّ مِنَ الأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمُ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَوْمَهُ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَىَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِى أَصَبْتَ قَسَمْتَ فِى قَوْمِكَ وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَاماً فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُ فِي هَذَا الْحَىِّ مِنَ الأَنْصَارِ شَيْءٌ. قَالَ « فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا إِلاَّ امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي وَمَا أَنَا. قَالَ « فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ ». قَالَ فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ الأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ. قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَىُّ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَحَمِدَ اللَّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمَّ قَالَ « يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ». قَالُوا بَلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ. قَالَ « أَلاَ تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ». قَالُوا وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ. قَالَ « أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذَّباً فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيداً فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلاً فَآسَيْنَاكَ أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُم يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْماً لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلاَمِكُمْ أَفَلاَ تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ فِي رِحَالِكُمْ فَوَ الَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءاً مِنَ الأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْباً وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْباً لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ ». قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْماً وَحَظًّا. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَفَرَّقُوا). وأما عن بكاء النبي لمرض سعد بن عبادة: ففي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ – رضى الله عنهم – فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ فَقَالَ « قَدْ قَضَى » . قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَبَكَى النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – بَكَوْا فَقَالَ « أَلاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ ، وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا – وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ – أَوْ يَرْحَمُ وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ »
أيها المسلمون
ومن مواقف سعد بن عبادة مع الصحابة : موقفه يوم السقيفة : ففي صحيح البخاري : (وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلاَّ أَنِّى قَدْ هَيَّأْتُ كَلاَمًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لاَ يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلاَمِهِ نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ . فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لاَ وَاللَّهِ لاَ نَفْعَلُ ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لاَ ، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا ، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ . فَقَالَ عُمَرُ بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – . فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ ) وأما عن موقف سعد بن عبادة مع عمر بن الخطاب: فلما ولي عمر رضي الله عنه لقيه ذات يوم في طريق المدينة فقال: إيه يا سعد! فقال: إيه يا عمر! فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه؟ فقال سعد رضي الله عنه : نعم، أنا ذاك، وقد أفضى إليك هذا الأمر، كان -والله- صاحبك أحب إلينا منك، وقد أصبحت كارهًا لجوارك. فقال عمر رضي الله عنه : إنه من كره جوار جاره تحول عنه.
فلم يلبث إلا قليلاً حتى انتقل إلى الشام، فمات بِحوران. ولم يقل سيدنا سعد رضي الله عنه هذه الكلمات لسيدنا عمر رضي الله عنه بدافع البغض والكراهية؛ فإن رجلاً كسعد رضي الله عنه صاحب رسول الله يعرف تمام المعرفة مقياس الحب والبغض، وأنه لا يكون إلا لله، ولكن قد يكون ترك سيدنا سعد رضي الله عنه لجوار سيدنا عمر رضي الله عنه حتى لا تحدث خلافات فتتسع الهُوة بينهما.
أيها المسلمون
ومن كلمات سعد بن عبادة ووصاياه : فقد كان سعد بن عبادة رضي الله عنه يقول: “اللهم هب لي مجدًا ولا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه”. وقال يوم السقِيفة بعد أن حمد الله وأثنى عليه: “يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب؛ إن محمدًا لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، وتوفاه الله وهو عنكم راضٍ وبكم قرير عين، استبدوا بالأمر دون الناس؛ فإنه لكم دون الناس”. وفاة سعد بن عبادة: فقد تُوفي سعد بن عبادة رضي الله عنه بحَوْرَان من أرض الشام، قيل: سنة ثلاث عشرة، وقيل: سنة أربع عشرة. فرضي الله عن الصحابي سعد بن عبادة وعن أصحاب رسول الله أجمعين وجمعنا بهم في جنات النعيم .
الدعاء