خطبة عن (اسْتَعِذْ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِن نَزْغ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
يناير 27, 2018خطبة عن ( عقبات في طريق الدعوة إلى الله )
يناير 27, 2018الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (ضِمَاد بن ثعلبة الأَزْدِىّ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ،وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي: (ضِمَادٌ بن ثعلبة الأَزْدِىُّ) ،فالصحابي الجليل ضماد بن ثعلبة الأزدي ،هو من أزد شنوءة من بلاد اليمن، وقد أَسلم أَول الإِسلام , وكان رجلا يتطبب ويرقي ويطلب العلم، وبعد مضي سنوات من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مكة، وملاقاته منهم العنت والصدود والإيذاء، بدأ الإسلام ينتشر، وأخذت أعداد الذين يدخل الإسلام قلوبهم ـ من غير أهل مكة ـ تزداد يوماً بعد يوم، وكان من بين الذين وجد الإسلام طريقه إلى قلوبهم( ضِماد الأزدي) الذي قدم مكة، وسمع ما كانت قريش تصف به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أنه شاعر أو مجنون ، فأتى الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعرض عليه أن يرقيه، وكان ذلك سببا في إسلامه ـ رضي الله عنه ـ ففي صحيح مسلم : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ يَرْقِى مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَالَ لَوْ أَنِّى رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَىَّ – قَالَ – فَلَقِيَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّى أَرْقِى مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِى عَلَى يَدِى مَنْ شَاءَ فَهَلْ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ ». قَالَ فَقَالَ أَعِدْ عَلَىَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ – قَالَ – فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ – قَالَ – فَقَالَ هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلاَمِ – قَالَ – فَبَايَعَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَعَلَى قَوْمِكَ ». قَالَ وَعَلَى قَوْمِى – قَالَ – فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلاَءِ شَيْئًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً. فَقَالَ رُدُّوهَا فَإِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمُ ضِمَادٍ ).
أيها المسلمون
ومن قصة إسلام هذا الصحابي الجليل (ضِمَادٌ بن ثعلبة الأَزْدِىُّ ) يمكن لنا أن نستلهم منها بعض الدروس والعبر النافعة ، ومنها : أولاً: كان الإعلام الكافر يصف رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالجنون؛ مع أنه أعقل عقلاء البشرية، ولم يكن لهم منطق في ذلك؛ حيث إن المجنون ينطق بكلام لا معنى له، والقرآن بخلاف ذلك تمامًا، فهو قولٌ محكم فَصْل، وحُجَّة بالغة معجزة، ومع ذلك كان الناس يُصَدِّقونهم في دعايتهم الفاجرة الكاذبة؛ لأنهم لم يسمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم بعدُ، ولو لم يجلس ضماد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعاد إلى اليمن بانطباعه الفاسد عنه، ولعله كان يصدُّ قومه عن الإسلام بسبب هذه الأكاذيب القرشية، ومع ذلك فعندما وصلته الحقيقة تغيَّر كليةً، وقَبِلَ الإسلام بسرعة، وهي رسالة إلى أصحاب الدعوة الإسلامية تُوَضِّح لهم خطورة الإعلام، وتضع على كواهلهم مهمَّة حمل الدين نقيًّا إلى أولئك الذين تلوَّثت أسماعهم بأكاذيب أهل الباطل. ثانيًا: كان من الواضح أن ضمادًا فيه خير؛ فقد علَّق علاجه للناس على مشيئة الله، فقال: “وَإِنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ”. والعرب كانوا -كما نعرف- يؤمنون بالله؛ ولكن يُشركون معه أصنامهم؛ ولكن بمرور الوقت جعل العرب في اعتقادهم أن الأصنام تنفع بنفسها وتضرُّ، إلا أن ضمادًا نسب النفعَ، أو الشفاء لله، وهذه علامة على فهمه ووعيه، ومن هنا كانت كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم مؤثرة معه، وهذه فرص لا بُدَّ للدعاة من التقاطها. ثالثًا: الهداية بيد الله عز وجل: فقد رأينا كثيرًا من مشركي مكة يسمعون القرآن لسنوات؛ ولكنهم لم يؤمنوا؛ بينما سمع ضماد مقدمة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط فأسلم، وقبل أن يسمع أي شيء من القرآن! فهذه الهداية من الله، وما علينا إلا أن نحمل رسالتنا إلى الناس؛ قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272]. رابعًا: ظهر واضحًا في الموقف أن من أكبر دواعي إيمان الناس هو تميُّزهم في الجانب الأخلاقي، وقد بدا لنا بوضوح أدبُ ضمادٍ وخُلُقُه الرفيع؛ ولعل أهم هذه الأخلاق خُلُق التواضع، وهو عكس الكِبْر الصادِّ عن الحقِّ، فقَبِل ضمادٌ الحقَّ ببساطة بمجرَّد أن تَبيَّن له، وهذا هو الذي فتح قلبه للإسلام. خامسًا: لم يَفُتِ الرسول صلى الله عليه وسلم فرصة تحويل ضماد من مجرَّد مسلم عادي لا يهتمُّ إلا بنفسه إلى مسلم داعية يحرص على حمل الخير للناس،فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمادًا عندما بايعه: “وَعَلَى قَوْمِكَ؟”؛ أي تبايعني على دعوة قومك إلى ما بايعتَ عليه؟ فقال ضماد: “وَعَلَى قَوْمِي”. فوصلت بذلك كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وصار المسلمُ الجديدُ ضمادٌ من كبار الدعاة إلى الله؛ حيث حمل مسئولية دعوة قبيلة كاملة تبعد مئات الأميال عن مكة أو يزيد. سادسًا: تكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه عن ضماد رضي الله عنه بمنتهى الحبِّ والإيجابية، فانتقل حبُّ ضماد إليهم، وعرفوا قدره وقيمته، وعندما مرَّت السنوات، وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأرسل سَرِيَّة إلى اليمن، فمروا بقوم ضماد رضي الله عنه، فحدث هذا الموقف الجميل: يروي ابن عباس رضي الله عنهما فيقول: “فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ -أي قوم ضماد- فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلاَءِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً (إناء يتطهر به). فَقَالَ: رُدُّوهَا، فَإِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمُ ضِمَادٍ!” رواه مسلم
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (ضِمَادٌ بن ثعلبة الأَزْدِىُّ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال في قصة إسلام الصحابي الجليل (ضِمَادٌ بن ثعلبة الأَزْدِىُّ) ـ رضي الله عنه ـ الكثير والكثير من الفوائد والعبر التي ينبغي للمسلم الوقوف معها ، والاستفادة منها، ومنها : الحِلم النبوي : فقد عرض ضماد على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معالجته من مرض الجنون، وهذا موقف يثير الغضب، لكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استقبل ذلك بحلم وصبر، فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا تستفزه الشدائد، ولا تغضبه الإساءات، فقد اتسع حلمه حتى جاوز العدل إلى الفضل مع من أساء إليه وجهل عليه ، وقد تضافرت الأخبار وكثرت المواقف الدالة على اتصافه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحلم، فكان أحلم الناس، فهو يتجاوز عن المسيء، وينصحه ويدعوه، فيشرق ويضيء قلبه بالإسلام، كما حدث مع أبي سفيان يوم جيء به إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ قال : بأبي أنت وأمي ما أكرمك وأوصلك ! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا قال : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ قال : بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك هذه والله كان في نفسي منها شيء حتى الآن قال العباس : ويحك يا أبا سفيان أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك قال : فشهد بشهادة الحق وأسلم قلت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئا قال : نعم من دخل دار أبي سفيان فهو أمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن) رواه الطبراني .ومن الدروس والعبر المستفادة من قصة إسلام هذا الصحابي : ( خُطبة الحاجة ) : ففي إسلام ضماد ـ رضي الله عنه ـ ظهرت بركة خطبة الحاجة، فهذه الخطبة التي استفتح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها رده على ضمام يقال لها: خطبة الحاجة، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرا ما يجعلها بين يدي خطبه ومواعظه، وكان يعلمها أصحابه، وهي تحوي الكثير من الفوائد، بل حوت أصل الدين وقاعدته وهو توحيد الله ـ عز وجل ـ، ونفي الشريك عنه، واشتملت على أنواع التوحيد، وفيها ثناء العبد على الله بما يستحقه، واستعانته بربه ومولاه، واستغفاره من ذنوبه، وفيها تفويض الأمر إلى الله، والإيمان والإقرار بأن الهداية بيد الله سبحانه وحده، فمن شاء هداه، ومن شاء أضله، وفيها ذكر الشهادتين، وهما مفتاح الدخول في الإسلام، ومفتاح الجنان، وقد أفردها الشيخ الألباني برسالة خاصة بها .
ومن الدروس والعبر المستفادة من قصة إسلام هذا الصحابي : البلاغة النبوية : فمن مظاهر عظمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودلائل نبوته أنه أوتي جوامع الكلم، وعظيم البيان، وحلاوة المنطق، فكان يتكلم بالكلام الموجز، القليل اللفظ الكثير المعاني، وهو ما يسره الله له من البلاغة والفصاحة، ولذا فإن ضمادا ـ رضي الله عنه ـ لما سمع منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطبة الحاجة، ولم يسمع منه أكثر من ذلك، قال: ” فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر “، مع أنه ـ رضى الله عنه ـ، سمع الكثير من كلام أهل الشعر والبلاغة، ولكنه علم أن هذا الكلام الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم له طابع خاص، يختلف تماما عما اعتاد عليه، ولو أن أحدا من الناس تكلم بمثل هذا الكلام من قبل، ما حكم ضماد بنبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومن ثم فكلامه وبلاغته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، من دلائل نبوته، قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } (النَّجم 3 :4) وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِىَ النَّبِيُّونَ ».ومن الدروس والعبر المستفادة من قصة إسلام هذا الصحابي : أن الهداية بيد الله وحده: قال الله تعالى : { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } (القصص :56) ،فقد سمع الكثير من الكفار كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بل من آيات القرآن الكريم، ولم يؤمنوا، بل ازدادوا ضلالة وغواية، وهذا ضماد لم يسمع من النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إلا كلمات معدودة ليست من القرآن، بل من كلامه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، ولكنه آمن بغير تردد ولا تحير، وهذا يؤكد أن الهداية بيد الله وحده، وأنه كم في المِحَن من مِنح، فدعاية قريش وتشويههم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واتهامهم له بالجنون، حمل ضماد الأزدي ـ رضي الله عنه ـ على السير للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أجل رقيته وعلاجه، فكانت الحرب الإعلامية المكية ضد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سببًا في إسلام ضماد ،بل وإسلام قومه جميعا، قال الله تعالى: { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } (البقرة:216) . ومن الدروس والعبر المستفادة من قصة إسلام هذا الصحابي : أدب ورجاحة عقل ضماد ـ رضي الله عنه ـ : فقد ظهر أدب ضماد مع الله في علمه بالله، وما ينبغي إثباته لله ـ عزّ وجلّ ـ، حيث ذكر لنفسه أنه يرقى ـ أي يعالج ـ، وأثبت لله – سبحانه – أنه هو الشافي، حيث قال: ” لعل الله يشفيه على يديّ “، ومن بالغ أدبه أنه علق الشفاء بمشيئة الله، فمع الأخذ بأسباب الشفاء، يبقى الأمر لله يشفي من يشاء، فقال ضماد: ” وإن الله يشفي على يديّ من شاء “، وهذا الأدب مع الله من قِبَل رجل لم يُسْلِم بعد .
أما أدبه مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه لم يصفه أو يضف إليه أي كلمة مما اتهمه بها سفهاء مكة، من أنه شاعر أو كاهن أو مجنون، فكل ما قاله: ” يا محمد، إني أرقي من هذه الريح “، فلم ينطق بلفظ الجنون، مع أنه اللفظ الذي سمعه من سفهاء مكة، فلم يُعِدْ على سمعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما قالوه حتى لا يؤذيه، كما أن من أدبه أنه قال آخر مقالته للنبي ـ صلى الله عليه وسلم: ” فهل لك ” بأسلوب عرض، لا بأسلوب أمر أو استهزاء . أما رجاحة عقله ـ رضي الله عنه ـ فقد استعرض في ذهنه في وقت قصير، قول الكهنة والسحرة والشعراء، وقارنه بكلام النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم، فتيقن أنه رسول من عند الله . فسبحان الله، دخل ضماد على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرقيه مما اتهمه به سفهاء مكة، فخرج من المجلس وقد أسلم هو وقومه، ولعل إسلامه ـ رضي الله عنه ـ جاء ببركة أدبه مع الله ـ عز وجل ـ، وأدبه مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى في جنات النعيم ، مع من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
الدعاء